في مبادرة نقابية مهنية قامت النقابة العامة لأطباء
مصر بإجراء
استبيان بناء على طلب عديد من الأطباء بمحافظة الأقصر إحدى المحافظات المطبق بها
منظومة التأمين الصحي الجديد، والتي تدير المنشآت الطبية الحكومية بها الهيئة
العامة للرعاية الصحية، حيث قامت لجنة الإعلام بنقابة الأطباء في شهر تشرين الثاني
(نوفمبر) 2022 الماضي بإعلان للمشاركة في استبيان عن رضاء الفريق الطبي عن ظروف
العمل في المحافظات المطبق بها منظومة التأمين الصحي الجديدة.
وبحسب القانون رقم 2 لسنة 2018 فإن مشروع التأمين الصحي الشامل نظام
تكافلي اجتماعي حكومي غير ربحي، تقدم من خلاله خدمات طبية لجميع المواطنين، ويعالج
القانون تفاصيل إدارة المشروع، والذي كان مقررا له أن يطبق في محافظات مصر تباعا
عبر 6 مراحل في الفترة من 2018 حتى 2032.
استبيان نقابة الأطباء يكشف عن استمرار معاناة الفريق الطبي في
محافظات المرحلة الأولى من التأمين الصحي:
وقد أوضح استبيان نقابة الأطباء أن 80% منهم يفضلون عدم الاستمرار في
هيئة الرعاية الصحية، فيما اشتكى 83% منهم من تقصير الرعاية الصحية والاجتماعية،
و82% من سوء تعامل القيادات معهم، وجاء في تقرير النقابة أنه في محافظة تحتوي على
عدد محدود من الأطباء مثل الأقصر تكون نسبة عدم الرضاء عن ظروف العمل بها لها
دلالة لا يمكن تجاهلها. حيث شارك في الاستبيان عدد ١١٨ يتضمنوا ٤ صيادلة وممرضة
واحدة والباقي الأطباء، وتضمن هذا العدد ٢٩ لم يسجلوا كامل بياناتهم ولم يجيبوا عن
جميع الأسئلة، شارك من الإسماعيلية اثنان ومن بورسعيد واحد فقط وعدد ١١٥ من محافظة
الأقصر.
عن تقييم الفريق الطبي لتعامل مسؤولي فرع هيئة التأمين الصحي
بالمحافظة، شارك في الإجابة عدد ١١٠، كان التقييم بالممتاز لعدد ٣ والتقييم بالجيد
لعدد ١٦ وتقييم الضعيف لعدد ٤٥ وتقييم التعامل بالسيء لعدد ٤٦ من المشاركين في
الاستبيان. وعن وجود رعاية صحية واجتماعية كافية للأطقم الطبية، أجاب بـ
"نعم" عدد ١٨، والإجابة بـ "لا" عدد ٩٤ من المشاركين.
والإجابة عن سؤال هل تحصل على حقوقك المادية بدون صعوبات، أجاب بـ "نعم"
عدد ٢٧ بينما أجاب بـ "لا" عدد ٨٤ من المشاركين. وعن تفضيل الفريق الطبي
للاستمرار بالعمل في هيئة الرعاية الصحية، أجاب ٢١ بـ "نعم" بينما أكد
عدد ٨٦ من المشاركين عدم تفضيلهم الاستمرار في العمل.
وحيث يعاني الأطباء في مصر من مشكلات كثيرة دفعت الكثير منهم إلى
الهروب للخارج بنسبة بلغت 62 %، وزاد عدد الأطباء المستقيلين من الصحة بنسبة كبيرة
خلال السنوات الست الماضية ليصل العدد إلى 16 ألف طبيب حسب بيان نقابة الأطباء في
شهر مار/ آذار 2022. ومن بين تلك المشكلات تأتى كارثة تدنى الأجور والتي تتراوح
بين 140 إلى 210 دولار فقط شهريا، إضافة إلى سوء بيئة العمل وضعف البنية التحتية والتعسف
الإداري، وطول ساعات العمل والتي أدت إلى ارتفاع نسبة وفيات شباب الأطباء بسبب
الاجهاد لتبلغ 2 طبيب شهريا في عام 2022.
وجاء الرد الحكومي يحمل البشرى بحل مشكلة الأجور من خلال تطبيق
منظومة التأمين الصحي الجديد والتي بدأت في محافظتي بورسعيد والأقصر بحيث يبدأ
راتب الطبيب من 800 دولار شهريا، مع توفير كافة التجهيزات والآلات والمعدات وتطوير
شامل للمستشفيات والوحدات، وتشغيل نظام التحول الرقمي والميكنة الكاملة لتسهيل
تقديم الخدمة، ولكن نتائج الاستبيان الذى أجرته نقابة الأطباء أوضحت أنه يوجد تأخير في صرف المستحقات المالية
للأطباء في بورسعيد والأقصر بنسبة طالت 80 % من عينة الدراسة، في حين اشتكى
الأغلبية من التعسف الإداري وسوء معاملة مسؤولي فرع هيئة الرعاية الصحية بالأقصر
معهم، إضافة إلى عدم وجود رعاية طبية ومجتمعية لهم، وكانت المحصلة هي عدم وجود رضا
وظيفي عند الكثير منهم.
مشروع التأمين الصحي مازال متعثرا في مرحلته الأولى وبتطبيق جزئي
وغير شامل لجميع المواطنين:
وبحسب الجدول الزمنى فإنه من المفروض أن يكون التطبيق حاليا قد انتهى
في محافظات المرحلة الثانية، ولكن ونظرا لتعثر التطبيق رغم مرور خمس سنوات، فإن
المشروع مازال في مرحلته الأولى والتي تضم محافظات، هي: بورسعيد، والأقصر،
والإسماعيلية، وجنوب سيناء، والسويس، وأسوان. وتم الافتتاح رسميا لمحافظتي بورسعيد
والأقصر فقط، حيث ذكرت السيدة "مي فريد" القائم بأعمال المدير التنفيذي
للتأمين الصحي الشامل بتاريخ 14 يناير 2023 الجاري، أن 2.7 مليون مواطن ببورسعيد والأقصر والإسماعيلية
انضموا للتأمين الصحي الشامل؛ وهذا يعنى نسبة تغطية بلغت 2.5% فقط من سكان مصر في
حين أن الخدمة الصحية لم تتحسن كثيرا عن ذي قبل؛ حيث أن موقع جمعية
"وضوح" للتنمية الاجتماعية والثقافية بالأقصر قد نشر تقريرا ، بتاريخ 11
يونيو 2022، شمل عرض شكاوى المواطنين خلال
اجتماع بالمحافظة؛ وتشمل طول انتظار المرضى لأسابيع مع صعوبة الحجز عبر الخط
الساخن خاصة مع تبعية مواطنين لمراكز صحية بعيدة عن محل اقامتهم، ومعاناة معظم
مرضى الأمراض المزمنة من توفير العلاج الشهري بصورة منتظمة، علاوة على التكدس
والزحام في أماكن تلقى الخدمة وحجرة الطوارئ في انتظار الأطباء .
من المعروف أنه يوجد عجز شديد في أعداد الأطباء العاملين بالحكومة، وبالتالي فإن استبيان نقابة الأطباء يؤكد على استمرار تدهور ظروف العمل للأطباء حتى تحت ظل التأمين الصحي ورغبة أغلبيتهم إلى ترك المنظومة، وهذا بدوره سوف يزيد من ظاهرة هجرة الأطباء للخارج
ومن ناحية ، وفى شهر كانون الأةل (ديسمبر) 2022، فقد تقدم النائب
أحمد إدريس بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب، موجه إلى وزير الصحة ورئيس الهيئة
العامة لمنظومة التأمين الصحي الشامل، بشأن عدم تطبيق المنظومة بكافة الوحدات
الصحية بجميع مراكز محافظة الأقصر، موضحا بأن منظومة التأمين الصحي الشامل والتي
تم تطبيقها بمحافظة الأقصر كمرحلة أولى للمنظومة والتي انطلقت عام 2018 لم تشمل جميع الوحدات الصحية بجميع مراكز
محافظة الأقصر، وطلب عضو مجلس النواب بضرورة ضم "مركز الزينية" والقرى
التابعة له لمنظومة التأمين الصحي الشامل أسوة بباقي مراكز محافظة الأقصر، والتي
تطبق بها منظومة التأمين الصحي الشامل، علما بأن هذا المركز يضم 5 وحدات محلية تضم
5 قرى رئيسية وتخدم الألاف من المواطنين، وذلك لتوفير حياه كريمة لهم وضمان تقديم
خدمة صحية تليق بهم.
مشروع التأمين الصحي الجديد اتجه إلى الربحية بالمخالفة للقانون:
وبتاريخ 14 كانون الثاني (يناير) 2023 الجاري، ووفقا لبيان وزارة
المالية فقد أعلن د. محمد معيط وزير المالية: أن مؤشرات الأداء المالي لمنظومة
التأمين الصحي الشامل، منذ عام ٢٠١٨ وحتى الآن، تؤكد امتلاك القدرة على الاستدامة
المالية رغم التقلبات الاقتصادية العالمية الحادة، حيث تم تحقيق إيرادات بنحو ٧٢,٨
مليار جنيه، وفوائض مالية بأكثر من ٦٧ مليار جنيه منذ بدء المنظومة وحتى نهاية
ديسمبر ٢٠٢٢، متضمنة عوائد استثمار بنحو ١٥ مليار جنيه. وبيان وزارة المالية يعنى
وجود مبالغ مالية ضخمه في رصيد التأمين الصحي نتجت عن إيرادات وعوائد استثمارات
فوائض مالية، معنى هذا أن المشروع يسعى للربحية كهيئة اقتصادية بالمخالفة للقانون،
ويزيد من المشكلة وجود رصيد مالي آخر في صندوق الصحة قدره 70 مليار جنيه مخصص
للتأمين الصحي، في حين أن المشروع مازال متعثرا في التطبيق في مرحلته الأولى.
رغم مرور خمس سنوات على مشروع التأمين الصحي إلا أنه مازال متعثرا في
تحقيق أهدافه:
الخلاصة: وحيث أنه من المعروف أنه يوجد عجز شديد في أعداد الأطباء
العاملين بالحكومة، وبالتالي فإن استبيان نقابة الأطباء يؤكد على استمرار تدهور
ظروف العمل للأطباء حتى تحت ظل التأمين الصحي ورغبة أغلبيتهم إلى ترك المنظومة، وهذا
بدوره سوف يزيد من ظاهرة هجرة الأطباء للخارج، إضافة إلى استمرار معاناة المواطنين
في الأماكن التي بدأ فيها المشروع، وهذا الأمر يمثل جرس إنذار ينبه الدولة بشدة
إلى أهمية مراعاة تنفيذ ماورد في التصريحات السياسية باعتبار أن "التأمين الصحي الشامل" أحد المحاور
الأساسية لحقوق الإنسان، وأحد أهم محاور
التنمية المستدامة؛ لتحقيق الأهداف الاستراتيجية والغايات الوطنية للدولة؛
حيث يهدف إلى إصلاح نظم الرعاية الصحية
بالكامل، بما يحقق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.
وفى الواقع فإن مشروع التأمين الصحي إذا حظي بالاهتمام فسيكون له شأن
في مصر، وبالتالي يجب الانتباه إلى أي ملاحظات تحدث ومن بينها نتائج الاستبيان
الذي أجرته نقابة الأطباء، وبهذا تتحقق أهداف جدية خدمات الرعاية الصحية بعيدا عن
مجرد التصريحات والأمنيات والوعود الجماهيرية.