أكد كمال عمر، الأمين السياسي لـ"حزب
المؤتمر الشعبي" بالسودان (أسسه السياسي الراحل حسن الترابي)، أنهم لن يسمحوا
لمصر بـ"اختطاف العملية السياسية الجارية في
السودان وتحويلها إلى مبادرة
دولية؛ فقد جربنا أبوجا وأسمرة والقاهرة، وغيرها، ولم ننجح في الحل السياسي، لذا فإننا نحتاج لحل سوداني خالص".
وقال عمر، في مقابلة خاصة مع
"عربي21": "نحن لن نقبل باختطاف مبادرة (الاتفاق الإطاري) من قِبل
أي شخص أو جهة والذهاب بها لدول الجوار؛ فالمجتمع الإقليمي والدولي مجرد وسيط
سلام".
وأضاف: "من المعلوم أن القاهرة ظلت على
مدار تاريخها تتعامل مع ملف العلاقات السودانية كملف استخباراتي وأمني، وحان الوقت
لتغيير العقلية
المصرية في تعاملها مع الأزمة السودانية؛ فنحن لن نقبل بالدور
الاستخباراتي، وقد نقبل بالدور السياسي كشهود، لكن لن نقبل بـ (علو كعب) القاهرة
ولا النظام المصري في الحل السياسي".
وفي 10 كانون الثاني/ يناير الجاري، كشف سفير
مصر بالخرطوم، هاني صلاح، أنه طرح على رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد
الفتاح البرهان، مبادرة مصرية (لم يكشف تفاصيلها) للتوصل إلى "تسوية سياسية
سريعة" في السودان، منوها إلى أنه تم الاتفاق معه على توضيح عناصر المبادرة
بشكل أكبر وبصورة فاعلة لمختلف الدوائر الرسمية والإعلامية والشعبية بالسودان.
جاء ذلك في أعقاب زيارة قام بها رئيس المخابرات
المصرية، اللواء عباس كامل، إلى الخرطوم، في 2 كانون الثاني/ يناير الجاري، والتقى
خلالها البرهان و"نقل رسالة شفوية من الرئيس المصري عبد الفتاح بشأن العلاقات
الثنائية"، وفق بيان من إعلام مجلس السيادة السوداني آنذاك.
وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع
"عربي21":
ما أبعاد جذور الأزمة السياسية السودانية في
الوقت الراهن؟
السودان لديه مشاكل متعلقة بالاستقطاب السياسي
منذ الاستقلال؛ فمنذ حل مؤتمر الخريجين وانقسام السودانيين إلى حزبين في ظل تدخل
الجوار الإقليمي (مصر) والسلطة الاستعمارية آنذاك (بريطانيا) وفي ظل الخلافات
السياسية بقيت الرؤية السياسية، والمنهجية السياسية للقوى السياسية غائبة، وغابت
معها البرامج وخطط التعامل مع الواقع السياسي في البلاد، وصاحب ذلك غياب دستور
واضح يلائم طبيعة السودان والسودانيين.
فمنذ ذلك التاريخ استمرت الخلافات السياسية،
مما ترتب عليه قيام عدد من الانقلابات التي شاركت فيها بعض الأحزاب السياسية؛
فمنهم مَن سلّم السلطة للعسكر، ومنهم مَن تدخل واستقوى بالعسكر في انقلابات كما
فعل الحزب الشيوعي مثلا، على خلفية حل الحزب، واستمر الأمر حتى بلغ الحزب الشيوعي
مبلغا وشارك في انقلابين في وقت ما، وسط تكتل وتضافر وتحالف القوى السياسية كلها
قاطبة، وهو ما خلق الاستقطاب الأيديولوجي، واستمر حتى ما يُعرف بـ "انتفاضة
رجب" (نيسان/ أبريل 1985).
ثم جاءت الثورة بسلطة انتقالية، لكنها لم تتمكن
من عمل دستور انتقالي حقيقي، وكان هناك انتقالا للديمقراطية دون قواعد تأسيسية
لتلك الديمقراطية، ولم تفشل الديمقراطية، وإنما فشلت الأحزاب في التعامل مع
الديمقراطية، لذا شهدت البلاد استقطابا أيديولوجيا، وتآمرا ضد الجبهة الإسلامية،
حتى في طريقة الانتخابات لم يكن التعامل ديمقراطيا ولا يحمل ملامح رؤى الانتقال،
وحتى النظام السياسي الذي اخترناه (النظام البرلماني) اعتمد على الدولة الموحدة،
ولم يراع طبيعة الدولة السودانية في الفيدرالية، وكان النظام أشبه بالنظام
المركزي، وديمقراطية مركزية في دولة مترامية الأطراف، بها تعدد في الثقافات، وتعدد
في الأقاليم. لذا، فشل النظام السياسي آنذاك، ولم نستفد من الديمقراطية
البرلمانية، فوقعنا في أخطاء عدة، وبالتالي فالمشكلة ليست في الديمقراطية، وإنما
في النظام السياسي الذي يُعبّر عنها.
ثم حدث انقلاب القوى الديمقراطية المشاركة في
البرلمان بناءً على مذكرة قُدّمت للجيش ليتدخل في السياسة، وترتب على تدخل الجيش
في السياسة، واستقواء الجبهة الإسلامية بالجيش ترتب على ذلك انقلاب 30 حزيران/
يونيو، ذلك الانقلاب الذي كان مُخطط له أن يحكم البلاد لمدة 3 سنوات فقط ثم تعود
الديمقراطية بعد إصلاحات سياسية ودستورية.
لكن ما حدث هو استمرار حكم عمر البشير
"بالجبروت" رغم محاولات الإصلاح الدستورية في عامي 1998 و2005، واستمر
معها الإخفاق السياسي، والخلافات السياسية، إلى أن سقط نظام المؤتمر الوطني.
وبعد سقوط نظام المؤتمر الوطني لم نتعظ
بتجاربنا التاريخية البائسة، ووضعنا وثيقة دستورية ساهمت في استقطاب أيديولوجي
جديد بصورة أعمق، واُستعملت آليات السلطة في الخلاف السياسي فكانت أداة للكبت
والسجن والانتقام؛ فكانت أسوأ وثيقة دستورية كتبها إنسان في التاريخ، ولا أقول ذلك
من منطلق رؤية سياسية، وإنما كمتخصص في كتابة الدساتير، ولدي أوراق علمية في طريقة
حماية الدساتير، وطريقة صياغتها.
فهي أسوأ وثيقة من حيث المنطلقات السياسية
الأحادية، فليس من المعقول أن تقوم شراكة بين الانقلابيين من العسكر وبين الثورة،
أو بالأحرى بين اللجنة الأمنية للمؤتمر الوطني، وبين بعض رموز الثورة، واستمرت
المأساة السياسية حتى وقع انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر، فزادت وتيرة الخلافات
السياسية في البلاد.
وكيف انعكست تلك الخلافات التاريخية العميقة
على واقع الأزمة الراهنة؟
السودان الآن به كتل سياسية مختلفة، وحتى
الكتلة السياسية التي وقعت الوثيقة الدستورية انقسمت إلى أربع أو خمس كتل متصارعة،
و"المؤتمر الشعبي" ليس جزءا من التحالفات أو الكتل السياسية الحالية،
ولديه مشكلاته الخاصة. وهكذا استمرت الخلافات السياسية حتى بلغنا محطة
"الاتفاق الإطاري"، الذي سبقه مشروع الدستور الانتقالي، والإعلان
السياسي، ثم أعقبه "الاتفاق الإطاري" الذي وقع بواسطة أحزاب ذات وزن في
الساحة السياسية، مثل حزب الأمة، والمؤتمر الشعبي، والتجمع الاتحادي، وبعض الأحزاب
الأخرى، بالإضافة إلى الجبهة الثورية بمكوناتها -ما عدا حركتي "تحرير
السودان" و"العدل والمساواة"- التي ظلت خارج "الاتفاق
الإطاري".
وهذا "الاتفاق الإطاري" انطلق لمحطة
اللجان أو "ورش العمل" في خمس قضايا مهمة للوصول للاتفاق النهائي، بدأت
بلجنة تفكيك نظام 30 حزيران/ يونيو، واستمرت اللجنة أربعة أيام وقدمت توصيات،
وحيثيات تقييمية للجنة والآن التوصيات محل نقاش، ومحل عملية "جراحة
تجميلية" بسبب مشاكل متعلقة بالصياغة.
بالأمس القريب جلسنا مع اللجنة التنسيقية لنرتب
للورش المقبلة: ورشة الشرق واتفاقية السلام، الخاصة بالإصلاح الأمني والعسكري،
والأخرى خاصة بالعدالة الانتقالية.
هل يمكن إدخال تعديلات على "الاتفاق
الإطاري" خلال الأيام المقبلة في ظل ما تردد بهذا الخصوص؟
قررنا عدم التعديل في "الاتفاق
الإطاري"، ونقتصر النقاش حول الإعلان السياسي، والنقاش حول انضمام حركة
"العدل والمساواة"، وحركة "تحرير السودان"، وبعد أن تقدمت
الأمور نحو انضمامهما، تراجعت ثم تجمدت الآن، وسنبذل مساعينا نحو انضمام الحركتين،
ولن نتناول الحديث عن الكتلة الديمقراطية، أو غيرها من التحالفات الأخرى.
التحالفات الأخرى التي لا أقول إنها من صنيعة
العسكر، وإنما معظم تلك التحالفات مختلفة معنا في الموقف السياسي، وتبحث عن
الشراكة مع العسكر، ونحن نسعى لسلطة مدنية غير عسكرية، انتقالية، لذا هناك اختلاف
واضح معهم؛ فنحن لا نتفاوض مع كتل مرتبطة بالعسكر أو مرتبطة بالنظام السابق، وإنما
نتناقش حول حركتين وقعوا اتفاق السلام، ويحملون السلاح، ولديهم التزامات تجاه
المجتمع الدولي والإقليمي، حتى نتوصل لعملية سياسية تفضي إلى تحول ديمقراطي،
وترتيبات أمنية متعلقة بالدمج في المجتمع، ونزع السلاح، فليس من المعقول أن العملية
السياسية المُفضية إلى انتخابات ديمقراطية تشارك فيها حركات تحمل السلاح.
هاتان الحركتان لديهم أوضاعا خاصة في الخارطة
السياسية للانتقال بعد الثورة، لذا نحن على تواصل دائم معهم، وإن كانت الاتصالات
غير مبشرة سنظل ندعو للاتفاق الإطاري، وأتمنى من الحركتين استيعاب طبيعة المرحلة
والتحديات، وضرورة المضي نحو انتقال ديمقراطي حقيقي.
ما فرص نجاح "الاتفاق الإطاري"
بصيغته الحالية؟
فرص نجاح "الاتفاق الإطاري" كبيرة؛
ليس لأننا جزء منه فنحن الحزب الوحيد خارج دائرة التحالفات، والذي لم يشارك في
السلطة، وليس لديه استعدادا للمشاركة، وإنما جُل مواقفنا متعلقة ببرنامج الحكومة،
والفترة الانتقالية، وصياغة الدستور الانتقالي، لذا أنا متفائل بأن هذا الاتفاق
يسير بشكل قوي جدا، ومدعوم من المجتمع الدولي؛ فدعم المجتمع الدولي مهم في
المعادلة السياسية الراهنة، وأعتقد أن "الاتفاق الإطاري" سيُفضي إلى
عملية دستورية وسياسية تُفضي إلى تحول ديمقراطي حقيقي.
ما مدى وزن وتأثير القوى الرافضة للعملية
السياسية في السودان؟
لا أتحدث عن أوزان سياسية ولا أبخس الناس
أشياؤهم، لكن العملية السياسية عملية جادة، وتضم أحزابا لها وزنها الثقيل في
الساحة السياسية، ولا أقلل من الرافضين لكن المسار سيمضي قدما في طريقه، وكل
القضايا الأساسية مطروحة في "الاتفاق الإطاري"، مثل: قضايا التعاون
الديمقراطي، وقضايا الأزمة السياسية في السلطة المدنية، وشعارات الثورة.
لقد بدأنا في "لجنة التفكيك" مناقشة
القضايا المهمة، وبدأنا في تنظيم "الأربع ورش"، وأعتقد أن هذه اللجنة
صنعت حراكا ملموسا، وأتاحت الفرصة أمام الرأي والرأي الآخر، وساهمت في تداول كثيف
حول القضايا، ومع بداية شباط/ فبراير المقبل ستنتهي كل الورش من عملها، وآخر تلك
الورش: ورشة العدالة والعدالة الانتقالية.
هل المبادرة المصرية لحل الأزمة السودانية
تختلف عن "الاتفاق الإطاري"؟ ولماذا قمتم برفضها؟
الدولة المصرية مهمة في المعادلة السياسية في
البلاد كأهمية السعودية والإمارات وبعض دول الجوار الإقليمي، لكن لن نقبل باختطاف
العملية السياسية وتحويلها لمبادرة دولية؛ فقد جربنا أبوجا، وأسمرا، والقاهرة،
وغيرها ولم ننجح في الحل السياسي، لذا نحتاج لحل سوداني خالص.
ونحن نرحب بمجهودات الإخوة المصريين في دعم
المبادرة، لكن لا نقبل باختطاف المبادرة من أي شخص والذهاب بها لدول الجوار؛
فالمجتمع الإقليمي والدولي مجرد وسيط سلام.
وما تقييمكم للدور الذي تلعبه القاهرة على صعيد
محاولة حل الأزمة السودانية؟
نرحب بدور القاهرة باعتبارها دولة جوار شقيقة
للمساعدة في تقريب وجهات النظر السياسية بدون أي تدخل سياسي في الشأن السوداني.
ومن المعلوم أن القاهرة ظلت على مدار تاريخها
تتعامل مع ملف العلاقات السودانية كملف استخباراتي وأمني، وحان الوقت لتغيير
العقلية المصرية في تعاملها مع الأزمة السودانية؛ فنحن لن نقبل بالدور
الاستخباراتي، قد نقبل بالدور السياسي كشهود، لكن لن نقبل "بعلو كعب"
القاهرة ولا النظام المصري في الحل السياسي.
تاريخنا لا يقبل أن نكون رهن إشارة المصريين؛
لأن التجربة الديمقراطية في السودان الآن أكبر من مصر، والديمقراطية لدينا أكثر
تطورا من مصر.
وكيف تصفون علاقتكم بنظام السيسي؟
علاقتنا بالسيسي فهي فقط من أجل قضايا الوطن،
ولن ننظر للسيسي في ظل أزمته مع جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة.
في تقديري أن كل المحاولات المصرية صنعت أزمة
في العلاقات السياسية في السودان، ومعلوم أن هناك بعض الأحزاب تُدار من القاهرة
بطريقة استخباراتية؛ فعلى مصر أن تغير استراتيجيتها في التعامل مع الأزمة في
السودان؛ فهذا ملف سياسي له بعد إقليمي؛ لاستمرار العلاقات بين السودان ومصر،
وعليها أن تغير من طريقتها في دعم النظم العسكرية والاستبدادية في السودان؛
فالسودان بعد الثورة لن يقبل بنظام عسكري.
السودانيون بطبعهم يعشقون الحريات
والديمقراطية، وصنعوا ثورات كبيرة في التاريخ، وهذه الثورة كبيرة في المنطقة وعلى
مستوى الجوار الإقليمي، والعالم العربي والإسلامي؛ فالشعب السوداني شعب متفرد.
وعن علاقتنا بالسيسي "فالمؤتمر
الشعبي" متأثر بطريقة تعامل السيسي مع الإخوان المسلمين في مصر، فنحن
متعاطفون سياسيا وفكريا مع الإخوان المسلمين، لكن نتعامل مع ملف الأزمة السياسية
في السودان بعقلية استقلالية؛ فليست لدينا إشكالية مع نظام السيسي فيما يتعلق
بالسودان. ومن المطلوب من نظام السيسي التعامل مع الشعب السوداني وليس مع الأنظمة
العسكرية، وعلاقتنا مبنية على احترام خيارات الشعب السوداني في الديمقراطية
والحريات، وليس على خلفية الأزمة السياسية في مصر.
متى سيتم الإعلان عن تشكيل الحكومة الانتقالية؟
وما ملامحها؟
نحن نعمل بخطى ثابتة وسريعة في استكمال الورش
المتعلقة بالقضايا الخمس، وعقب انتهاء الورش سنشرع في تحديد برنامج الحكومة،
واختيار رئيس الوزراء، وأؤكد أن جميع الترشيحات التي تتناقلها وسائل الإعلام لا
صحة لها؛ فهناك فئة تعمل على التسويق لنفسها، لكننا لم نختر اسما بعينه.
والحكومة المقبلة ستكون حكومة كفاءات غير
حزبية، بينما لم نستقر بعد على مرشح أبرز لرئاستها.
لكن ما الأسباب التي دفعتكم إلى إعلان عدم
المشاركة في الحكومة الانتقالية المرتقبة؟
"المؤتمر
الشعبي" برنامجه منذ التأسيس لا يشارك في الفترة الانتقالية؛ لأنها فترة
حياد، والتطلعات فيها كبيرة جدا، وفيها عبء ومسؤولية كبيرة على القوى السياسية،
ونحن نستعد للانتخابات؛ فالمؤتمر الشعبي أكثر الأحزاب جاهزية للانتخابات ولو دعينا
إليها غدا.
قلت إن العسكر قدموا مقترحات بشأن إعفائهم وعدم
محاسبتهم عن أي فعل ارتكبه عسكري وتجاوز فيه السلطات بدون تعليمات منهم، وذلك على
غرار حديث الفريق إبراهيم عبود عن تسليم السلطة مقابل الإعفاء من المحاسبة.. فهل
أنتم مع أم ضد الخروج الآمن للعسكر من المشهد السياسي؟
هناك جرائم ليست لدى السلطة صفة لإصدار العفو
فيها، هذه الجرائم تحددها العدالة والعدالة الانتقالية في المراحل المقبلة، وهناك
نصوص في الدستور تتحدث عن المسؤولية الجنائية، وعن ارتكاب الجريمة، وطريقة إعفاء
المسئولين الكبار عن الجرائم التي فيها تجاوز، وكلها أمور موضع بحث في العدالة
الانتقالية.
بعد تصريحاتكم ومواقفكم الأخيرة من التيار
الإسلامي.. هل يمكن القول بأن "المؤتمر الشعبي" بات أقرب للقوى اليسارية
والليبرالية والشيوعية في السودان، وهل من المستحيل أن تتحالفوا لاحقا مع القوى
الإسلامية؟
"المؤتمر
الشعبي" ليس مهموما بتوحيد القوى الإسلامية، وإنما مهموم بتوحيد أهل السودان،
وهو ما قرّبنا من القوى الليبرالية واليسارية، كما يستحيل الآن أن نتحالف مع قوى
إسلامية، مع احترامنا للقوى الإسلامية قاطبة، لكن الأمر أمر وطن.
الإسلاميون لديهم تجربة مريرة أسقطها الشعب
السوداني، ومطلوب من الإسلاميين مراجعة ونقض تجربتهم، وبخاصة حزب المؤتمر الوطني،
وعليهم البدء في مصالحة الشعب السوداني عن طريق تقديم نقد موضوعي، مع الامتناع
والكف عن تقويض الثورة.
"المؤتمر
الوطني" لا يعترف بهذه الثورة، ويعتبرها انقلابا، لذلك مطلوب منه مراجعة هذه
الفكرة؛ فهي ثورة ضخمة وعظيمة للشعب السوداني، وكتب فيها الشعب السوداني شعاراته
بدمائه وبالاستشهاد، فعلى المؤتمر الوطني أن تحديدا أن يقوم بمراجعات، وينقض
تجربته السيئة في الحكم.
نحن مقبلون على مرحلة سياسية مهمة في التاريخ
السياسي السوداني، هذه التجربة فيها عدد من الإصلاحات في مجال العدالة، والنظم
العدلية، والقوانين، والحريات، والنظام الفيدرالي للولايات.
ويجب أن تشارك جميع الولايات في اختيار رئيس
الوزراء القادم؛ لأن الثورة ما صنعتها الخرطوم فحسب، بل صنعتها كل الولايات في
السودان، وبالتالي البرنامج يجب أن يشمل النظام الفيدرالي، ومشاركة الولايات في
اختيار رئيس الوزراء وبرنامجه؛ حتى تستقر البلاد.
"المؤتمر
الشعبي" لديه رؤية لوضع الدستور المقبل، الذي سيكتبه الشعب السوداني عن طريق
الاستفتاء، واختيار مجلس تأسيسي منتخب لصياغة الدستور، الدساتير لا تضعها القوى
السياسية؛ الدستور المقبل اسمه الدستور الثابت، وسيضعه الشعب السوداني عن طريق
الاستفتاء.
أما عن كيفية وضع الدستور فهناك لجنة من
الخبراء في مجال الدستور تضع الصيغة الأولية ويستفتى عليها من قبل الشعب السوداني؛
ففي المرحلة انتقالية شرعنا في وضع مشروع دستور انتقالي، اتفقنا على ملامحه لكنه
لم يكتمل.
الدستور الانتقالي كتبته أيد سودانية، والحديث
عنه بأنه "دستور سفارات" جريمة وخيانة؛ فهو مشروع دستور كتبته أياد
سودانية، وشاركنا فيه، ومفتوح للقوى السياسية للإضافة والحذف وتقديم الرؤية.
ونحن لدينا رؤية في صياغة الأوراق الثلاثة
(مشروع الدستور الانتقالي، والإعلان السياسي، والاتفاق الإطاري) الإعلان السياسي
مفتوح لحركتي مناوي وجبريل، أما الاتفاق الإطاري فهو غير قابل للفتح، الفتح
والرؤية في الإعلان السياسي فقط.