في عام 2004، أثناء انعقاد قمة الثماني (G8)، استخدم الرئيس الأمريكي
آنذاك جورج دبليو بوش مصطلح الشرق الأوسط الكبير، زاعما أنه سيحل مكان الشرق
الأوسط القديم وسيضم بعض الدول من آسيا مثل إيران وباكستان وأفغانستان وتركيا، وأطلق
بعدها ما عرف بمبادرة الشرق الأوسط الكبير (GKEI). وقد قام معهد بروكينجز بعمل
تقييم لهذه المبادرة، وذكرت كاتبة
المقال المنشور بتاريخ 10 أيار/ مايو 2004 أن
هذه المبادرة هي جزء من استراتيجية البيت الأبيض لنشر ودعم الحرية.
ربما كانت هذه هي المرة الأولى التي نسمع بها عن الشرق الأوسط الكبير، ثم
وفي أوج العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006 وفي مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس
الوزراء الصهيوني آنذاك ايهود أولمرت، استخدمت وزيرة الخارجية الأمريكية
كونداليزا
رايس تعبير الشرق الأوسط الجديد، وقالت في المؤتمر: "ما نراه هنا، إلى حد ما،
هو تنامي "آلام ولادة"، شرق أوسط جديد وكل ما نفعله نحن يجب أن
نكون على يقين أننا ندفع قدما نحو الشرق الأوسط الجديد وألا نعود إلى الشرق الأوسط
القديم".
كانت هذه المرة الأولى التي يسمع بها العالم عن الشرق الأوسط الجديد وعن تنامي آلام الولادة، وكذلك التأكيد على عدم العودة إلى الشرق الأوسط القديم، لكن هذا المصطلح عرف طريقه إلى الصحافة العربية تحديدا من خلال تصريحات بعض الساسة والدبلوماسيين العرب الذين اعتبروا الربيع العربي جزءا من مخطط نشر الفوضى
كانت هذه المرة الأولى التي يسمع بها العالم عن الشرق الأوسط الجديد وعن
تنامي آلام الولادة، وكذلك التأكيد على عدم العودة إلى الشرق الأوسط القديم، لكن
هذا المصطلح عرف طريقه إلى الصحافة العربية تحديدا من خلال تصريحات بعض الساسة
والدبلوماسيين العرب الذين اعتبروا الربيع العربي جزءا من مخطط نشر الفوضى. وقد
تزعم هذه المقولات أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية الحالي وآخر
وزير خارجية في عصر
مبارك المخلوع، ثم تلاه آخرون وليس آخرهم البابا تواضروس، بابا
الكنيسة المرقصية الأرثوذكسية في
مصر والذي تولى منصبه بعد اندلاع
الثورة المصرية.
عرف مفهوم "الفوضى الخلّاقة" طريقه إلى دهاليز أجهزة المخابرات
وتبناه
عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات المصرية في عهد مبارك والذي تولى منصب نائب
الرئيس مبارك على إثر اندلاع ثورة يناير2011، فقد صرح بأنه حذر الرئيس مبارك من
الفوضى الخلاقة التي يخطَط لها وأن لديه علما ببعض أسرارها كما يقول. وكان ذلك
بعد إعلانه الترشح لمنصب الرئيس قبل أن يتم رفض أوراق ترشحه من قبل الجهات المعنية،
والتي رأى كثيرون أن
المجلس العسكري لم يكن راغبا في أن تؤول الأمور إلى عمر
سليمان؛ الرجل الذي يملك الكثير من الأسرار والمعلومات.
وربما كان السبب في استبعاد سليمان من الترشح لانتخابات الرئاسة هو وجود
خطة لتفكيك المشهد ببطء حتى يتم إحكام القبضة على الإخوان المسلمين على النحو الذي
جرى لاحقا، وقد زعم سليمان أنه حذر الإخوان من خطورة ترشحهم للرئاسة لأن ذلك يعني
حدوث انقلاب عسكري. وذكر الصحفي مصطفى بكري في كتابه "الصندوق الأسود.. عمر
سليمان" أن حوارا دار بين عمر سليمان وبين مبارك قبيل الثورة وتحديدا في عام
2012، أنه سأل مبارك عن حقيقة التوريث، "فقال مبارك: أنا شخصيا لن أقبل
بالتوريث، وليس في نية جمال هذا الكلام، لكن لو أراد أن يرشح نفسه فالشعب هو وحده
صاحب القرار. فقال عمر سليمان: لو كان جمال يريد أن يرشح نفسه فده لازم يكون بعد
فترة انتقالية يتولى الجيش فيها الحكم، وبعدها يمكن لجمال يرشح نفسه والكلمة للشعب. فقال مبارك: الجيش لو مسكها موش هيسيبها، عموما خلينا نشوف الأمور حتروح إلى
أين، ولكن أنا شخصيا زهقت وأنا أساسا ضد دخول جمال في هذا المستنقع". والحقيقة
أن ما كان يتوجس منه مبارك خيفة قد حدث لاحقا.
ربما كان السبب في استبعاد سليمان من الترشح لانتخابات الرئاسة هو وجود خطة لتفكيك المشهد ببطء حتى يتم إحكام القبضة على الإخوان المسلمين على النحو الذي جرى لاحقا، وقد زعم سليمان أنه حذر الإخوان من خطورة ترشحهم للرئاسة لأن ذلك يعني حدوث انقلاب عسكري
عمر سليمان نفسه تحدث بعد خلع مبارك إلى صحيفة "اليوم السابع"،
وبيّن كثيرا مما كان عليه حال مؤسسة الحكم في مصر، وكيف أن لديه الكثير من
المعلومات بطبيعة عمله. والأخطر هو أنه أخبر الصحفي خالد صلاح الذي أجرى معه
المقابلة أن ترشحه للرئاسة لم يكن بعلم من الجيش ولا بإذن من قياداته، رغم أن عمر
سليمان كان ضابطا في الجيش ورئيسا للمخابرات الحربية قبيل توليه منصب رئيس
المخابرات العامة مباشرة.
ولا ننسى أن عمر سليمان والمخابرات المصرية كانا أحد أهم شركاء أمريكا في
الحرب على القاعدة، خصوصا بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وقد مكنته هذه
المشاركة من صناعة اسم عالمي وإقليمي. وكانت مصر إلى جانب عدة دول من شرق أوربا
وآسيا تستخدم كمحطات للاستجواب وتعذيب المشتبه بهم كي لا تتهم أمريكا باعتقال
المشتبه بهم وتعذيبهم على أراضيها. كما أن عمر سليمان هو صاحب خطة إنقاذ مبارك
نفسه في أديس أبابا أثناء حضوره القمة الأفريقية عام 1995، حيث جرت محاولة اغتياله
على يد الجماعات المسلحة هناك. ويعتقد الجميع أن مبارك أراد رد الجميل لسليمان،
ولذلك تمت تسميته واختياره لتولي منصب نائب الرئيس حين وقعت أحداث الثورة، فلم
يرغب مبارك في إسناد الأمر إلى الجيش. ولكن جرت الأمور كما خطط جنرالات الجيش،
وصدر بيان التنحي وتسليم السلطة إلى المجلس العسكري. وبدا عمر سليمان منهكا ومتعبا
وكأنما أجبر على تلاوة البيان، ولم يكن أبدا مستريحا لذلك.
الأهم والأبرز في هذه المرحلة هو أنه جرت محاولة اغتيال عمر سليمان يوم 30 كانون
الثاني/ يناير 2011، أي بعد يوم من حلفه اليمين كنائب لمبارك وسط تصاعد المظاهرات
المطالبة بالتغيير الحقيقي. وقد تأخر الإعلان عن خبر محاولة الاغتيال لفترة طويلة
حتى تم نشره عبر قناة
فوكس نيوز الأمريكية، ومن بعدها تم
تداول الخبر رغم نفي الداخلية المصرية وقوع المحاولة أساسا. وكان أول سياسي يتحدث
عن المحاولة هو أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية آنذاك، وذلك في برنامج "الحياة اليوم" يوم 23 شباط/ فبراير 2011. أما السؤال لماذا أبو الغيط هو من
أعلن؟ فأعتقد أن ذلك يعود للصداقة التي جمعت بين الرجلين إبان وجودهما معا في
حكومة المخلوع مبارك، حيث اعترف أبو الغيط في مذكراته "شهادتي" بأن
المخابرات كانت تتقاسم مع الخارجية إدارة بعض الملفات الخارجية لمصر. مرت الواقعة
وأُعلن عن قتل جميع الذين حاولوا تنفيذ الاغتيال، رغم أن جهات أخرى صرحت بغير ذلك، ويبدو أن ملف
محاولة الاغتيال قد دفن
بفعل فاعل حتى لا يتم الكشف عمن كان يقف وراءه جنائيا.
عندما اندلعت الثورة حرص الجيش على أن يتخلص من الجميع ولكن على دفعات، وترك مهمة التخلص من عمر سليمان لجمال مبارك، وإن كنت أعتقد أن الحرس الجمهوري متورط في المحاولة وأن الجيش منع نشر الخبر وأحاط التقارير بالسرية، ولولا نشر الخبر عالميا ما سمعنا به أصلا
لكن على المستوى السياسي، فقد استمعتُ للصحفي مصطفى بكري وهو يلقي بالتهمة
على جمال مبارك والحرس الجمهوري، مدعيا في إحدى المقابلات أنه لا أحد يعرف تفاصيل
الزيارة المرتقبة للقصر الرئاسي سوى الحرس الجمهوري وجمال مبارك، لكن بكري ولأسباب
خاصة بعلاقته التي احتفظ بها مع جمال مبارك لاحقا؛ عاد ونفى أن يكون ذكر اسم الجهة
التي كانت تقف وراء محاولة الاغتيال.
عندما اندلعت الثورة حرص الجيش على أن يتخلص من الجميع ولكن على دفعات، وترك
مهمة التخلص من عمر سليمان لجمال مبارك، وإن كنت أعتقد أن الحرس الجمهوري متورط في
المحاولة وأن الجيش منع نشر الخبر وأحاط التقارير بالسرية، ولولا نشر الخبر عالميا
ما سمعنا به أصلا، فإن تمت العملية (اغتيال سليمان) فبها ونعمت، وإن لم تتم فهي
رسالة تخويف. ثم جرى إبعاد سليمان عن الترشح لمنصب الرئاسة لأسباب بدت مضحكة
للغاية، وهي كما جاء في الجزء المنشور من
بيان اللجنة المعنية: "وكانت اللجنة
أعلنت أن سليمان لم يستوف الشروط المطلوبة لترشحه، وبالتحديد الشرط المتعلق بالحصول
على تأييد ما لا يقل عن 30 ألف شخص ينتمون إلى 15 محافظة على الأقل، بحيث لا يقل عدد
المؤيدين في أي من تلك المحافظات عن ألف شخص. كما ترددت في الوقت نفسه أنباء تشير إلى
أن اللجنة اكتشفت تزويرا في بعض توكيلات التأييد التي تقدم بها سليمان". وبعد إبعاد سليمان والتخلص من مبارك وأسرته مرة واحدة
وللأبد تم التفرغ للثورة والثوار، ولتبدأ الحكاية مع الإخوان وشباب الثورة.
تم التخلص من مبارك وعمر سليمان وخيرت الشاطر والشيخ حازم صلاح للتفرغ
للمرحلة المقبلة من التعامل مع الثورة..