في عام 2008 كان الرئيس الأمريكي
الأسبق جورج دبليو بوش على موعد مع أزمة اقتصادية عالمية هددت أكبر اقتصاديات
العالم بالانهيار، وكان لا بد من البحث عن مخرج فأطلق الرئيس الأمريكي آنذاك نظرية
وصفها بأنها "أكبر من أن تفشل".
منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013
تبنى
السيسي نظرية بوش الابن وتعامل مع جميع حلفائه الإقليميين والدوليين بمبدأ
مصر
أكبر من أن تفشل؛ لعدة أسباب.
أولا: الربيع العربي وعودة الإخوان
المسلمين إلى الحكم
قدم السيسي نفسه لدول الخليج بصفته
حارس مصالحهم ورأس حربة مشروعهم في إسقاط حكم الرئيس الراحل محمد مرسي والقضاء على
ثورة الخامس والعشرين من يناير ومطاردة مشروع جماعة الإخوان المسلمين في مصر. نجح
السيسي على مدار السنوات العشر الماضية في تنفيذ ما أرادته دول خليجية وعلى رأسها
المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، للدرجة التي أوصلت السيسي للظهور في
مداخل هاتفية منذ عدة أسابيع مع يوسف الحسيني ليقول لقد قضيت تماما على قواعد
الإخوان المسلمين في مصر.
السيسي دائما ما يوجه رسائل لدول الخليج مفادها أن سقوط نظامه ورحيله يعني عودة الإخوان المسلمين وعودة ثورة يناير مرة أخرى، وهو الأمر الذي يعتبره حكام السعودية والإمارات خطرا محدقا يهدد عروشهم واستقرار بلدانهم القمعية
السيسي دائما ما يوجه رسائل لدول
الخليج مفادها أن سقوط نظامه ورحيله يعني عودة الإخوان المسلمين وعودة ثورة يناير
مرة أخرى، وهو الأمر الذي يعتبره حكام السعودية والإمارات خطرا محدقا يهدد عروشهم
واستقرار بلدانهم القمعية.
ثانيا: حارس البوابة الجنوبية لأوروبا
والحاجز ضد الهجرة غير الشرعية
في عام 2015 استقبلت أوروبا ملايين
السوريين النازحين من بطش بشار الأسد ونظامه فيما عرف آنذاك بأمة اللاجئين
العالمية، تغيرت قوانين وأبرمت اتفاقات لاستيعاب عدد ليس بالقليل من أبناء الشعب
السوري الذين أجبرتهم الظروف والقصف والاعتداءات النظامية المستمرة على البحث عن
ملجأ آمن.
السيسي استخدم ولا زال يستخدم هذه
الورقة جيدا مع حلفائه الأوروبيين، فهو يحصل على مساعدات بمئات الملايين من
الدولارات من الاتحاد الأوروبي كي يسيطر بشكل كامل على الحدود ويمنع أي تسرب
للمهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود البحرية المصرية، وليس لديه أدنى مشكلة أن تعيد
إليه السلطات اليونانية على سبيل المثال قاربا على متنه عشرات بل مئات المهاجرين
غير الشرعيين كي يحتجزهم في مصر.
السيسي يعلم ذلك ويهدد أوروبا بأكثر من مائة مليون مصري، إذا فشلت مصر سيغزو هؤلاء البحر والبر بحثا عن لقمة عيش وحياة آمنة، عندها لن تستطيع أوروبا تحمل هذا الأمر ولا مجال للمقارنة حينها مع أزمة اللاجئين السوريين منذ ثمانية أعوام
مصر البلد الأكثر تعدادا في السكان في أفريقيا
والشرق الأوسط، هذه هي الجملة الأكثر استخداما في وصف مصر في الأسبوع الماضي في
العديد من التقارير الصحفية الغربية.. السيسي يعلم ذلك ويهدد أوروبا بأكثر من مائة
مليون مصري، إذا فشلت مصر سيغزو هؤلاء البحر والبر بحثا عن لقمة عيش وحياة آمنة،
عندها لن تستطيع أوروبا تحمل هذا الأمر ولا مجال للمقارنة حينها مع أزمة اللاجئين
السوريين منذ ثمانية أعوام.
ثالثا: مصالح الولايات المتحدة
الأمريكية وتوفير الأمن لإسرائيل
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن
يزور منطقة الشرق الأوسط الأسبوع المقبل، وسيلتقي بعبد الفتاح السيسي، قبلها بأيام
زار مدير الاستخبارات الأمريكية القاهرة والتقى بالسيسي وعباس كامل فيما بدا أنها
مباحثات تتعلق بالدور المصري للوساطة الدائمة بين الفلسطينيين وإسرائيل، ومناقشة
دور القوات البحرية المصرية في البحر الأحمر، ومتابعة بعض الملفات الأخرى.
المشكلة الحقيقية التي تواجه السيسي الآن أن وسائل الإعلام الغربية والعبرية أيضا بدأت تتحدث عنه بمعزل عن الدولة المصرية، فكثير من الإشارات عن الحفاظ على مصر كدولة من أن تفشل ولكن النظام يجب أن يتخذ إجراءات بهذا الخصوص
السيسي يسوّق لنفسه أنه صمام الأمان
لحماية أمن إسرائيل، يلعب دور الوساطة الفعال مع الجانب الفلسطيني، وطالما لم
تنتقد الإدارة الأمريكية ملف حقوق الإنسان ولم تحجب عنه المساعدات العسكرية فأموره
مستقرة ولا خوف عليه، أما لو طال الأمر مساعدات الجيش وعلا صوت الرئيس بايدن بخصوص
ملف حقوق الإنسان؛ حينها يشعر السيسي أن الأمور ربما تخرج عن السيطرة.
المشكلة الحقيقية التي تواجه السيسي
الآن أن وسائل الإعلام الغربية والعبرية أيضا بدأت تتحدث عنه بمعزل عن الدولة
المصرية، فكثير من الإشارات عن الحفاظ على مصر كدولة من أن تفشل ولكن النظام يجب أن
يتخذ إجراءات بهذا الخصوص.
نظام مستبد أفقر شعبه وزاد من رقعة
الغضب ضده في البلاد لا يمكن أن يجلب استقرارا لمصالح أوروبا والولايات المتحدة،
ولا يمكن أن يوفر الحماية لإسرائيل ولا يمكن أن يمنع ثورة شعبية جديدة ربما تضر
بمصالح الخليج.
نظام كهذا بممارساته الفاشلة ساعد في
تكوين قناعة راسخة لدى كثيرين من حلفائه الإقليميين والدوليين أيضا مفادها أن مصر
أكبر من السيسي ومن أن تفشل.
twitter.com/osgaweesh