تقارير

سليم عاصي فنان تشكيلي طوَع الخط العربي لإبراز هوية فلسطين

الفنان التشكيلي الفلسطيني سليم عاصي يهدي "عربي21" رسما خاصا
لعبت الفنون بشكل عام، والفن التشكيلي بشكل خاص دورًا مهمًا وبارزًا على مدار تاريخ القضية الفلسطينية في تشكيل الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي، وكان ذلك من خلال مئات اللوحات الفنية التي باتت تؤكد على أهمية حفظ الهوية الفلسطينية والتمسك بالثوابت ومقاومة الاحتلال ورفض التطبيع معه.

وباتت الريشة في يد الفنان الفلسطيني لها وقع كالبندقية في يد المقاوم وربما أكثر، نظرًا لمدى تأثير هذه الريشة من لوحات عززت تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه وثوابته حتى برز ما يعرف باسم "الفن المقاوم" فارضا نفسه على الأرض بقوة.

 الفنان التشكيلي سليم عاصي، لاجئ فلسطيني من مواليد مخيم الجليل ـ بعلبك شرقي لبنان، والذي ينحدر في الأصل من بلدة فرّاضية المهجرة قضاء صفد شمالي فلسطين؛ واحد من الفنانين الذين أخذوا على عاتقهم تبني "الفن المقاوم" من خلال لوحاته التي باتت تغطي كل الفضاء الإلكتروني، وقبل هذا الفضاء الجداريات والمعارض.


                                                                   سليم عاصي

عاش عاصي مرارة اللجوء قبل أن يستقر في الدنمارك ليبقى حاملا هذه الصفة إلى أن يعود إلى أرضه، ولكنه طبق ذلك من خلال لوحاته التي تحمل في طياتها حبه للأرض وانتماءه لها، فكانت مدن فلسطين تتزين بخطه العربي الجميل وتصل إلى كل مكان في العالم عبر هذا الفضاء الواسع وسط تفاعل معها ومطالبته بالمزيد.

بدأ عاصي منذ نعومة أظافره عشقه لهواية الرسم وقد تطورت هذه الموهبة مع الوقت بفضل دعم والديه اللذين شجعاه على مزاولتها منذ طفولته وخاصة والدته.

وقال عاصي لـ "عربي21": "على الرغم من صعوبة الظروف المعيشية في المخيمات حيث كان تأمين لقمة العيش من أولويات الأسر إلا أن والدتي كانت بين الحين والآخر تقدم لي الأقلام والألوان ودفاتر الرسم كهدايا مرفقة بالثناء على رسوماتي رغم بساطتها، وبذلك كنت قد تلقيت دعماً معنوياً كبيراً ما أعطاني حافزا كبيرا على ممارسة الرسم".


                                                 سليم عاصي.. فنان تشكيلي فلسطيني

وأضاف: "الأهم من كل ذلك هو قدرة والديّ على توجيه دفّة الرسم نحو البوصلة الصحيحة، فما زلت أتذكر طفولتي حين كنت أرسم علم فلسطين وإن كان مقلوبا أو قبة صفراء متعرجة أو خارطة لا تشبه خارطة فلسطين كان والداي يثنيان عليها ويبديان إعجابهما بها أكثر من أي رسم آخر".

وتابع :"طالما حدثني والداي عن فلسطين وأسمعاني كلمات تبث الروح الوطنية في نفس الطفل، وكأي طفل يحب تلقي الثناء والإعجاب، صرت أحرص على الإكثار من الرسومات الوطنية لأعرضها عليهما لكي أسمع الثناء وأتلقى الهدايا، وهكذا استطاعا توجيه دفة الرسم نحو البوصلة الوطنية في بيئة اللجوء في المخيمات بما حملت من مشاهد ثورية كالأناشيد والمهرجانات والعروض العسكرية وجنازات الشهداء والصور والشعارات وكل هذا النبض الثوري الداعي لتحرير فلسطين والعودة إليها واللاعن والرافض لحياة اللجوء".

واعتبر عاصي أن ما عاشه من لجوء ساهم بشكل كبير في تنمية البذرة الوطنية التي زرعها فيه والداه منذ الصغر.

وأكد أن مغادرتهم إلى الدنمارك قبل 30 عاما كانت محطة مهمة في حياته وعززت تمسكه بأرضه وصموده قائلا: "هاجرنا إلى الدنمارك ولم نهجر القضية بل حملناها معنا قبل أن نحمل أمتعتنا".

وأضاف: "زُرعت البذرة في المخيم، ونمت في الدانمارك حتى أصبحت شجرة اسمها (الفن المقاوم)، رحل أبي رحمه الله وظلت أمي تسقيها حتى يومها الأخير والتي لحقت بأبي قبل عامين تظل الشجرة على ما عاهدتهم وعلى ما عاهدت الثوار، تحمل كل مقاوم وتسقط كل مساوم".

وشدد على أن "الفن المقاوم" إسم مشرف ويدل على ذاته وهذا الإسم وإن كان يوقع به أعماله إلا أنه ليس حكراً عليه، "فأي عمل فني يحكي عن الهوية والقضية؛ سواء كان رسماً أو شعرا أو نصاً أو صورة أو لحنا أو أنشودة أو دبكة أو ثوبا مطرزا كل ذلك يعتبر فناً مقاوماً وأصحابه مقاومون ولكل مهارته وأسلوبه وتأثيره حين تصب هذه المهارات في خدمة القضية الفلسطينية"، حسب عاصي.

وقال الفنان الفلسطيني: "المقاومة بالريشة لها تأثيرها الخاص في سرعة إيصال الرسالة الوطنية خلال بضع ثوان سيما أن الرسم لغة عالمية تفهمها كل الشعوب على اختلاف لغاتها دون الحاجة إلى ترجمة، وكذلك فإن الريشة المقاومة لها تأثير كبير إذ تحمل دور المعلم في نشر التوعية والتعبئة الوطنية وأداة من أدوات المقاومة إذ تكون أحيانا أقوى من دوي الرصاص حين تعري المحتل وتفضح جرائمه وتظهر وحشيته وممارساته الفاشية بحق أبناء شعبنا ومقدساتنا إضافة إلى دورها في فضح المطبع والمساوم ولنا من الأمثلة الكثير من الفنانين الرواد، منهم من ما زال شاهداً كالفنان علاء اللقطة ومنهم من قضى شهيداً كالفنان ناجي العلي".

وأكد عاصي أن الأمثلة عن الأعمال البارزة والمؤثرة كثيرة سواء جداريات أو لوحات أو كاريكاتير صعب ذكرها في سطور.

واستعرض أهم الأعمال التي أنجزها خلال مسيرته الفنية، مؤكدا أنها كثيرة ولكنه ذكر أبرزها ـ الأكثر تأثيرا ـ على سبيل المثال لا الحصر، مثل: جدارية أوكرانيا ذات الخلفية السوداء والتي تفضح ازدواجية المعايير في الغرب، في الجدارية يقف العالم كله على هيئة شخص يدعو المجتمع الدولي إلى دعم أوكرانيا في أيامها الأولى فشده حنظلة من ثوبه مشيرا إلى فلسطين التي تعاني منذ ٧٤ عاما، وجدارية أخرى أشار فيها إلى "الديمقراطية الأمريكية الدموية" فرسم تمثال الحرية منتصبا على جماجم العراق وأفغانستان والصومال وباقي الدول التي دمرتها باسم "الحرية الأمريكية" وسفكت دماء شعوبها على مدار تاريخها.



وأضاف: "من الأمثلة أيضا جدارية الانتفاضة والتي رسمتها في العام ٢٠١٦م في كوبنهاجن والتي لاقت حينها احتجاجا كبيرا من السياسيين والإعلاميين الدانماركيين وقد اتهمت حينها بالتحريض على العنف والكراهية ووصل الأمر إلى إزالة الجدار عن بكرة أبيه بأمر من البلدية".

وأوضح عاصي أن أسماء المدن الفلسطينية ومعالمها آخر الأعمال البارزة وقد لاقت انتشارا واسعا في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام والتي تهدف إلى تعزيز هوية المدن والقرى الفلسطينية وترسيخها في الذاكرة، مشيرا إلى أن عدد تلك المدن التي رسمها بلغ ٤٢ مدينة بين كبرى وصغرى ومتوسطة وكذلك قرى ومخيمات.



وقال: "ما ساعدني في تصميم الرسم وتكوينه هي حروفنا العربية الجميلة لما تمتاز به عن غيرها من الأبجديات، فميزة مد الحروف العربية وانحناءاتها وليونتها وتواصلها مع بعضها كان لها دور كبير في محتوى الرسومات، فمد الحرف بشكل مجوف عبارة عن حضن يضم المدينة ويحتضنها فتسكنه ويسكنها وفي ذلك معنى عاطفي كاحتضان الأم لابنها ما زادها جمالا بصريا وحسيا في آن واحد".

وأضاف: "لاقت الأعمال إقبالا كبيرا من قبل أبناء شعبنا في الداخل والشتات والكل يريد اسم مدينته وبلدته والكل يريد اقتناءها".

وتابع: "كنت سعيدا بهذا التفاعل الجميل والذي إن دل على شيء فإنما يدلل على أن شعبنا عظيم ومحب لأرضه، متمسك بها وتواق إلى الحرية، وهذه الأشياء من مبشرات العودة بإذن الله".

وأعرب الفنان التشكيلي عن سعادته لمدى التفاعل الكبير مع هذه اللوحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الداخل والشتات بعد أن أبدوا اهتماما واسعا في إعادة النشر وزيادة الطلب عليها.

وقال: "هذا دلالة على أن شعبنا عظيم بحجم عناده وصلابته وتمسكه بحقه المسلوب في أرضنا الطاهرة بمدنها وقراها ومخيماتها، وهذه هي حقيقة شعبنا العصي على الانكسار الذي أكد أن أرضنا عصية على النسيان".

وأضاف: "كنت سعيدا جدا في بداية الأمر بعد الطلب مني أن أخط وأرسم أسماء المدن التي لم أرسمها، وقد رسمتها بعد أن طلب أهالي هذه المدن مني رسمها، الأمر الذي أسعدني أكثر وشجعني على رسم المزيد رغم أن الأمر متعب جدا"، مستدركا بالقول: "كل مدننا وقرانا وأهلها في القلب".



واعتبر فتحي غبن، أحد أبرز الفنانين التشكيليين التاريخيين أن "الفن المقاوم" هو الإحساس الكبير في الثورة الفلسطينية وأيضا المعاناة اليومية التي يراها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.

وشدد غبن على أن "الفن المقاوم" هو إبراز الهوية الفلسطينية على الساحة الدولية من خلال الأعمال الفنية، وهذا لعب دورا كبيرا جدا على الساحة الدولية لا سيما في الجانب الإنساني الذي أقنع العالم أن الشعب الفلسطيني هو شعب مضطهد وشعب مسلوب حقه، وأنه يحق له أن يدافع عن هويته وحقوقه وأرضه المغتصبة.

وقال غبن لـ "عربي21": "لا يوجد احتلال في العالم إلا ويقابله فن مقاوم، فالفن المقاوم له أهمية كبيرة في حياة الشعوب المضطهدة في العالم، وأكبر الشعوب المضطهدة في العالم هو الشعب الفلسطيني، لذلك كان تأثير الفن المقاوم كبيرا جدا على الساحة العربية والدولية".


                                                       فتحي غبن.. فنان تشكيلي فلسطيني

وأضاف: "بعد النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948م وعملية التهجير التي تعرض لها على يدي العصابات الصهيونية كان هناك إحساس كبير جدا، حيث تأثر الفنان الفلسطيني بالقرى الفلسطينية وتهجير شعبنا والقرى التي غادروها مضطرين، وهذا كان أمرا صعبا جدا، وخلق حالة من الإحساس الكبير جدا لدى الفنانين الذين كان لهم إحساس لدى قضايا شعبهم بدون خوف أو وجل".

وتابع: "إن كان بعض الفنانين يخافون من التعبير خشية بطش الاحتلال بهم؛ إلا أن الغالبية العظمى منهم كان يغلب عليهم عدم الخوف والإحساس القوي مما ساعدهم في تجاوز هذا الخوف وإبراز وتوثيق المعاناة الفلسطينية بكل معانيها".

واعتبر الفنان غبن أن الفنان الحقيقي هو الذي يعالج قضايا شعبه، مؤكدا على أن كلمة "فن" أصلها من الفعل فنى أي وهب نفسه وأفناها في سبيل الفكرة.

وقال: "الفنان هو الذي يفني عمره في التحمل، ويجب أن يعرف أنه سيواجه تحديات، مثل الاعتقال أو مصادرة الأعمال الفنية".

وأضاف مستدركا القول: "لكن الفنان بطبيعته يكون جريئا جدا، والفنان الحقيقي هو الذي يعالج الحياة اليومية لشعبه".

واعتبر الفنان التشكيلي أحمد السّحار، عضو مجلس إدارة ومسؤول ملف الفن التشكيلي في رابطة الفنانين الفلسطينيين في قطاع غزة؛ الفن "رسالة للتعبير ولتوثيق الأحداث التاريخية والثقافية والإنسانية".


                                              أحمد السحار.. فنان تشكيلي فلسطيني.

وقال السّحار لـ "عربي21": "يعتبر الفن المقاوم لحظة من اللحظات التاريخية والثقافية وهو ما يسمح للفنان برسم بعض من مشاهد الحياة وتوجيهها للعالم كرسالة مختصرة تشمل جميع نواحي قضية الفنان".

وأضاف: "الفن المقاوم لم يقتصر على الرسم فقط بل تنوع بالأنشودة والمسرحية والشعر والتمثيل وفي الآونة الأخيرة كان له تأثير قوي على الواقع والمجتمع".

وأوضح أنه يمكن للفنان التشكيلي أن يكون فنانا مقاوما إذا شملت لوحاته تعبيرات تحمل هم وطنه وقضيته سواء كانت هذه التعبيرات مبطنة أو صريحة.

وقال السّحار: "للفن المقاوم أهمية كبيرة في حياة الشعب الفلسطيني، منها توثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي وعرضها للعالم حتى يعلم كل العالم بكافة لغاته ولهجاته ودياناته أن الاحتلال الإسرائيلي هو احتلال مجرم ينكل بالشعب الفلسطيني الأعزل".

وأضاف: "يعزز الفن المقاوم صمود وثبات الشعب الفلسطيني ويرسم لوحات العز والنضال والبطولة ويشحذ الهمم ويكون له دور كبير في حفظ هويته".

وشدد السحّار على أن الفنان الفلسطيني هو صاحب رسالة في الأصل وهو من يحمل الهم الأكبر في حفظ هوية وتراث شعبه على مدار التاريخ.

وقال: "لقد وثق الفنان تاريخه عن طريق الرسم ومنهم من رسم معالم فلسطين الأثرية والحضارية، ومنهم من رسم العادات والتقاليد والتاريخ والبطولات والشهداء والأسرى".

وشدد على أن كل هذه الرسومات كانت بمثابة حفظ هوية الشعب وتاريخه النضالي.

وأضاف: "جاء بعض الفنانين بطرق مبتكرة حملت أسماء قرى ومدن فلسطينية وأشهر معالمها حتى تعزز لدى شبابنا وفتياتنا معرفة المدن والقرى الفلسطينية ولترسيخ هذه المعالم في ذاكرة الأجيال، وحتى يسهل على المشاهد الربط ما بين الصورة والكتابة والتمييز بين المعالم في ظل تقطيع الاحتلال الطرق والوصول الحقيقي إلى هذه الأماكن بفعل الحصار".



الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع