مدونات

التعايش والتسامح والسلام على الطريقة الإماراتية

جيتي
منحت دولة الإمارات جائزة زايد للأخوة الإنسانية، هذا العام، لجماعة مسيحية إيطالية وامرأة مسلمة كينية، تقديرا لدورهما في نشر السلام، وفقا للجنة المنظمة للجائزة. لكن ثمة أسئلة ملحة: ما هو السلام الذي ترغب به الإمارات وهي واحدة من الدول التي أشعلت المنطقة حروبا؟ وما هو التعايش الذي تروّج له؟ بل وما شكل التسامح الذي تقبله هذه الدولة؟

من الملاحظ أن اختيار الإمارات لجهة مسيحية وأخرى مسلمة لتمنحهما جائزتها للأخوة الإنسانية، كان مقصودا ولا علاقة له بموضوع الأخوة، بقدر علاقته بالديانة الإبراهيمية التي غدت علامة واضحة تميّز الدولة الخليجية، ويجري ترويجها على قدم وساق، لتشمل معتقدات أخرى غير ما يعرف بالأديان السماوية الثلاثة.

تزعم الإمارات أنها صانعة سلام وتعايش، لكن الحقائق المشاهدة، تظهر أنها سخّرت أموالها لسفك دماء وتشريد ملايين المسلمين، ومحاربة الدين الإسلامي تحت يافطات التطرف والتجديد والتسامح بالطبع حتى لا يقال إنها تحارب الدين، وهي التي تسعى جاهدة لاستبدال الإسلام بصبغة مشوهة تسمى الديانة الإبراهيمية.

إن السلام الذي تروّج له الإمارات واضح، وبصماته دامغة في منازل المقدسيين التي اشترتها منهم وباعتها للصهاينة، وفي أراضي اليمن التي أصبحت ممنوعة على اليمنيين متاحة للأجانب، وفي خيم اللاجئين السوريين ومقابر شهدائهم إذ كان للإمارات يد سخية في دعم القاتل وإعادة تأهيله ليواصل ما بدأه، وفي ضواحي العاصمة الليبية طرابلس التي طالها سلام الإمارات فأضحت مدينة خربة مهددة بالخوف في كل لحظة.

أما ما يخص التعايش والتسامح الإماراتيين، فهما وجهان آخران للجريمة الإماراتية بحق الدين الإسلامي ومعتنقيه، فهذه الدولة تتعايش مع المعتقدات الدينية المحرفة والوضعية، على حساب ما بقي فيها من قوانين إسلامية، وهي لا تجد حرجا في دعم الجريمة الصينية بحق مسلمي الإيغور وإرسال وفد لمباركتها، وتأييد الحكومة الهندية رغم حملتها الأخيرة ضد المسلمين، ومساندة الصهاينة الذين يقومون بتهويد القدس وطمس معالمها الإسلامية. كما لا تجد حرجا في دعم وتمويل سفك دماء الآلاف في مصر واليمن وليبيا وسوريا، بدعوى تطرفهم أو أخونتهم، ليبقى التعايش والتسامح مقتصرا على المطربات والفنانات اللاتي أغدق عليهن بالإقامة الذهبية، والصهاينة الذين قدموا إليها عقب التطبيع مع كيانهم، والأنشطة المشبوهة التي تروج للديانة الإبراهيمية وتنال من الإسلام.

في الإمارات تستطيع أن تتعايش وتعيث فسادا ماليا وأخلاقيا ما دام سلوكك لا يؤثر على سياسة الدولة، أما إذا فكّرت في المطالبة بإصلاحات فسيكون مصيرك كمن سبقوك ممن فعلوا ذلك، ومضى عليهم أكثر من عقد وهم في ظلمات السجون.

التسامح والسلام والتعايش، هذه المسميات ليست أكثر من فقاعات تسوّقها الإمارات لأهداف سياسية واقتصادية، ولو كانت هذه الدولة جادة فعلا في ذلك، فالأولى بها أن تتسامح وتتعايش مع من يشاركونها الجوار واللغة والتاريخ والدين، أو ترفع يدها الباطشة وأموالها المدمرة عنهم على الأقل.

خلال مسابقة تحدي القراءة المقامة في الإمارات في العام 2022، شهدت نهايتها عرضا فنيا للنشيد الوطني لجميع الدول العربية واستثني منه نشيد اليمن الوطني بشكل متعمد، ومع أنني شخصيا لا أؤمن بتقسيم التراب وما يترتب عليه من علم ونشيد وحدود مصطنعة بين الأمة الإسلامية، لكن أذكر هذا المثال كدليل على ماهية التعايش والسلام والتسامح الذي تروج له الإمارات، وخضوعه لأهواء وأمزجة ومقاسات حكامها.

لقد وسعت الإمارات من تسامحها وتعايشها ليشمل جنسيات عديدة ومعتقدات وضعية، ولذا فليس مستغربا أن 90 في المئة من المقيمين فيها هم من خارج ترابها، التراب الذي اتسع ليشمل ملايين البشر، ولم يتسع لرفات مواطنة إماراتية اسمها آلاء الصديق، لمجرد أنها عبّرت في حياتها عن رأيها تجاه من يحكمون بلادها؛ البلاد التي تتسع بكلمة واحدة وتضيق بكلمة واحدة.