مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية تزداد حدة المنافسة السياسية التي يمثلها تحالفان سياسيان على طرفي نقيض، الأول يتزعمه الرئيس رجب طيب
أردوغان، والثاني يضم ستة أحزاب رئيسية، أبرزها حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد، وهو التحالف الذي بات يعرف بـ"طاولة الستة"، أو الطاولة السداسية.
ونشر موقع
كريتر التركي تقريرًا، ترجمته "عربي 21"، تحليلًا لتقرير السياسات الاقتصادية النيوليبرالية الذي أعلنه تحالف المعارضة السداسي، والذي اعتبره الموقع مليئًا بخيبة الأمل، وذلك لأنه مبني على النظام الاقتصادي الذي يحرم فيه ما يقرب من نصف سكان العالم من حق الإنسان في الحياة؛ حيث إن هذا النظام - وفق الموقع - يركز على الاستعمار، وجنون الاستهلاك، ويجعل الأغنياء أكثر ثراء؛ مخلفًا وراءه حطامًا يتزايد أكثر فأكثر كل يوم، ناهيك عن دمار جميع قيم مستقبلنا؛ مثل المناخ والتربة والمياه.
واستعرض الموقع "المخاض المؤلم" الذي يمر به الاقتصاد العالمي بعد انكسار سلسلة التوريد وارتفاع التكاليف اللوجستية، وأزمة الغذاء والطاقة بعد الحرب الروسية الأوكرانية؛ كل ذلك أدى إلى جر الاقتصاد العالمي نحو طريق جديد مسدود تمامًا، لكنه أظهر العديد من التطورات في السنوات الأخيرة والتي تعتبر بمثابة مشاعل لعصر جديد تمامًا سيتم فيه إعادة توزيع الأدوار.
وأفاد الموقع بأن عدد أولئك الذين يطالبون بأن النظام الاقتصادي العالمي يجب أن يكون الأكثر عدلًا؛ يتزايد كل يوم، وأن
تركيا تحاول تحديد دور جديد لنفسها في هذا المسعى الجديد للاقتصاد العالمي، مع الأخذ في الاعتبار أن يكون الإنتاج مركزا لهذا الدور، ولهذا شرعت صناعة الدفاع في مسار جديد من منظور التكنولوجيا الموجهة للتصدير.
البحث وخيبة الأمل
ورأى الموقع أن الاضطرابات الاقتصادية العالمية التي حدثت بعد الوباء تسببت في العديد من الآلام الاقتصادية مثل أزمات العملة في تركيا؛ حيث بدأ البحث عن إدارة اقتصادية مختلفة في تركيا في الظهور لأول مرة في الكتابات العامة بعد فترة كبيرة جدًّا من الانقطاع، وذلك بعد أن نجحت أحزاب المعارضة في تحويل الصعوبات المعيشية وتكاليف المعيشة إلى سياسة استقطابية، لكن الرئيس رجب طيب أردوغان تمكن من عكس العملية بتحركات قللت من الخسائر في القوة الشرائية الناجمة عن ضغط
التضخم الصعب الذي كانت تمر به تركيا.
وأشار الموقع إلى أن السياسة الاقتصادية لتركيا لم تخلق البطالة على الرغم من التضخم الذي كان عائقًا في مثل هذه الفترة، كما أدت زيادة الإنتاج، وإنشاء سجلات في الصادرات والتوظيف، إلى بداية استجابة إيجابية لدى المواطنين. ومع اختفاء ضغط سعر الصرف، فإن التحول إلى ضغط أكثر استقرارًا جعل التجارة ممكنة، كما أظهر وصول الإغاثة المتوقعة في التضخم اعتبارًا من عام 2023 صحة السياسة المتبعة.
في المقابل؛ رأى الموقع أن السياسة الاقتصادية لحزب الشعب الجمهوري تقليدية، فيما فضل الحزب الجيد وآخرون اتباع مسار قائم على انتقاد المسار الحالي بدلا من خلق سياسة اقتصادية مختلفة وحقيقية، مبينًا أن الأهم هو الإحباط الأساسي لأعضاء التحالف السداسي نتيجة الخلافات التي كانت بينهم حول المرشح الرئاسي.
دع أردوغان يذهب وسننظر في بقية سياسته
يوضح الموقع أن تقرير السياسات الاقتصادية الذي أعلنه تحالف طاولة الستة يعتمد على مبدأ فليذهب أردوغان ثم لننظر كيف نصلح الاقتصاد، كما أنه وضع شرطًا أساسيًّا لتحقيق إصلاح جذري في الاقتصاد وهو أن يكون ذلك من خلال النظام البرلماني، كما لو أن أزمات الاقتصاد التركي التي حدثت خلال فترة الحكومات الائتلافية لم تحدث أبدًا. وقد وعدوا بإنشاء العديد من اللجان والمجالس والمنظمات والهياكل لإصلاح الاقتصاد دون انتقاد جوهري للحكومة ولا اقتراح سياسة اقتصادية واعدة للمواطن.
ماذا يوجد في الحقيبة الاقتصادية للمعارضة؟
لفت الموقع إلى أن خطة عمل الأحزاب السياسية التي تشكل طاولة الأحزاب الستة بشأن الاقتصاد، تتكون من جمل نمطية، وليست موجهة نحو الحل؛ كما أنها لا تراعي التغييرات الحاصلة في الاقتصاد العالمي والبحث المتزايد عن شكل جديد للاقتصاد العالمي، وتفتقر للأجندة الاقتصادية المبتكرة، وتقوم فقط على انتقاد السياسات الاقتصادية للحكومة، ولهذا لا تجد استجابة في المجتمع؛ حيث إن هذا النقد المستمر دون تقديم حلول خيب آمال المواطنين الذين اقتربوا في البداية من المعارضة لمعرفة ما إذا كان يمكن أن يحدث.
وقال الموقع إن "مذكرة تفاهم السياسات المشتركة" التي أعلنها تحالف المعارضة السداسي، يُشعر للوهلة الأول أنه يدعم النموذج الاقتصادي التركي، لكن في وقت لاحق؛ عندما يبدأ في اعتبار أن مؤسسات الدولة فقدت مصداقيتها تنكشف الأمور - بحسب الموقع - حيث تحاول هذه المذكرة إغلاق صندوق الثروة السيادي وتضييق نطاق عمل صندوق تأمين ودائع الادخار التركي في إطار وظيفته الرئيسية، وتعديل نظام معهد الإحصاء التركي، والذي تحاول المذكرة مرة أخرى تشويه سمعته، ومنح الأفضلية للبنك المركزي التركي، رغم أنهم كانوا يحاولون إلغاءه وقاموا بنقده وتشويهه بشكل مستمر خلال العامين الماضيين.
وحول السياسة النقدية التي أعلنتها المذكرة؛ أفاد الموقع بأن التحالف السداسي لم يأتِ فيها بجديد؛ حيث قالوا نفس ما تقوله وتنفذه الحكومة منذ عامين، وهو ما جعل الأمر يبدو وكأنه مزحة - وفق الموقع -. إضافة إلى أن المذكرة تحدثت عن بناء مركز مالي في إسطنبول، وهو مشروع يجري حاليا إعداده وتنفيذه، كما قدمت المذكرة مقترحات للسياسة المتعلقة بريادة الأعمال مثل رأس المال الاستثماري والشركات الناشئة والمستثمرين الملاك، وهي نفسها الواردة في وثيقة إستراتيجية المبادرة الوطنية للتكنولوجيا؛ حيث إن معظم المؤسسات المستهدفة مثل إنشاء وكالة التنظيم والرقابة المصرفية ومجلس أسواق رأس المال هي في الواقع مشاريع جارية.
واستعرض الموقع العديد من الحلول التي أعلنتها مذكرة الطاولة السداسية لحل العديد من المشاكل كالبطالة؛ حيث قالوا إنه سيتم توجيه الشباب إلى التكنولوجيا والبرمجيات، في حيث أن الحكومة أعلنت عن مشروع مليون مطور برامج، كما لم يذكروا الخطوات التي قامت بها الحكومة التركية لمواءمة التعليم المهني مع كل من البنية التحتية للأجهزة التكنولوجية وخطوط الصناعة والأعمال، مثل جمع الطلاب مع أماكن العمل في فرص التدريب في كل من المدارس الثانوية والمدارس المهنية والتي يستفيد منها 1.8 مليون طالب تعليم مهني.
واعتبر الموقع أن المعارضة تنتقد الحكومة في العديد من الملفات دون أن تقدم بدائل حقيقية؛ مثل الاستيراد والتصدير، والطاقة باهظة الثمن، والسياسات الزراعية التي تم انتقادها بلغة ثقيلة دون تقديم خطة لتطويرها، والتعليم، والصحة، وإضفاء الطابع المؤسسي، والقانون، وغيرها؛ مبينا أنه لا يوجد في مذكرة المعارضة بيان أو تقرير أو شرح أو دراسة حيث يمكن العثور بوضوح على حلول حقيقية لهذه الملفات.
ورأى الموقع أن مشروع مذكرة التفاهم مليء بإجراءات ومشاريع حكومة حزب العدالة والتنمية التي استمرت 20 عامًا، وأن الأحزاب الستة ليست في الحقيقة على دراية كاملة بمشاكل الاقتصاد التركي؛ حيث إن بعض السياسات المقترحة في مذكرة التفاهم هي إما إجراءات واستثمارات تم إجراؤها وإنجازها، أو مشاريع جارية، بينما كان المتوقَّع منهم تقديم تحديد أوضح للمشاكل ومقترحات أكثر وضوحًا وتفصيلًا في مجال السياسة العامة.
ماذا في جعبة الحكومة؟
ذكر الموقع أن تحالف الشعب يتعامل من ناحية مع مشاكل المواطنين التي تولدت من ضغوط التضخم والآثار المترتبة على الاضطرابات الاقتصادية العالمية، والكهرباء، ودعم الغاز الطبيعي، وتحسين الرواتب، وتنظيم الأسعار، والإسكان الاجتماعي، ومشاريع الإسكان ذات الدخل المتوسط، ومن ناحية أخرى؛ ينظم التحالف المال ورأس المال والأسواق الحقيقية مع الودائع المحمية بالعملة، وسياسات الائتمان الانتقائية، وصندوق ضمان الائتمان، ودعم التصدير والتدابير الاحترازية الكلية. بالإضافة إلى ذلك؛ يستثمر في مستقبل الاقتصاد التركي من خلال حركة التكنولوجيا الوطنية والسيارات المحلية والعناصر النادرة والتنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط ومحطة الطاقة النووية والمركبات التي طورتها في صناعة الدفاع.
وتساءل الموقع عن أنه إذا كان الحل - من وجهة نظر المعارضة - لضغط سعر الصرف والتضخم في الاقتصاد هو زيادة سعر الفائدة، وكان الهدف الرئيسي للرئيس هو الحفاظ على مقعده، فربما كانت الخطوة الأولى التي كان ينبغي عليه اتخاذها هي رفع سعر الفائدة، وبالتالي لم يكن سعر الصرف قد ارتفع كثيرًا، ولم يكن التضخم قد زاد، وكان سيدخل الانتخابات بشكل مريح للغاية؛ فلماذا لم يكن هذا المسار مفضلًا لدى أردوغان؟ مبينًا أن الإجابة على هذا السؤال هو أن تركيا تفعل الشيء الصعب؛ حيث إنها تحاول التغلب على مشكلة عجز الحساب الجاري من خلال النمو والإنتاج، وهذا المسار ليس بهذه السهولة، بل هو طريق شائك، وطويل، ويحتاج للصبر.
واختتم الموقع التقرير بالإشارة إلى أن الاقتصاد التركي كان عبارة عن مثلث يتكون من الضرائب المحلية وضرائب الدولة - سعر الفائدة - التضخم، وهو مثلث يحيط بالموظفين؛ والمنطقة الصناعية المنظمة في تركيا، ولكن ذلك الاقتصاد تطور نحو التصنيع المتوسط الجديد والإنتاج التكنولوجي العالي في بناء التجارة الخارجية والطاقة والتكنولوجيا وصناعة الدفاع، والتي بدورها طورت من المشاريع التي كانت تعتمد على فهم الحالة الاجتماعية فقط رغم أنها حتى لا تراعي أبعاد السياسة.