كتاب عربي 21

البرهان في أنَّ الرئيس وعصابته من الجان

النيران التي يحرقون بها الشعب- عربي21
خالتي معجبة بقدرات الرئيس الخارقة وعزمه وحزمه، كلما خرجت إلى السوق ورأت حشود البشر وهم من كل حدب ينسلون، تُذهل كيف يستطيع الرئيس إطعام هؤلاء البشر الجائعين أجمعين. وقد يستغرب القارئ أقوال خالتي الأميّة، ولها عجائب وغرائب غير عقيدتها الاقتصادية، منها أني صادفتها مرّة في الطريق وسلّمت عليها، فجهلتني وما ردّت السلام وأعرضت عني، فهي في البيت أنثى، وخارجه ذكر، مضت إلى غايتها مثل الترمينتيور أرنولد شوارزينغر في السلسلة السينمائية. كأن خالتي تفقد بصرها خارج دارها، أو تصاب بفقدان الذاكرة.

وهي والرئيس المفدّى مشتركان في أمر آخر غير فقدان الذاكرة و"متلازمة الترمينتيور"، وهي أن الرئيس يعتقد مثل خالتي بأنه هو الذي يُطعم الشعب من كدّ يمينه وعرق جبينه.

وفي الأخبار المشهورة التي رواها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنا، في مناقبه الكريمة وأجوبته المسكتة، أن امرأة استوقفته وتوسلت إليه أن يرحمها من الجوع، وسألته النجدة والإغاثة، فأخبرها، وهو من أصحاب المروءة والشهامة والجسور كما نعلم، أنَّ لديه مائة مليون غيرها يجري عليهم، ويبني لهم الجسور ويمدّ لهم الطرق، وإنه عادل، فلن يعطيها لقمة غيرها، وصرَفها أو انصرف عنها.

وفي الأخبار الشهيرة التي رواها الرئيس مبارك، أنَّ رجلاً اشتكى له من ضيق الحال، فسأله عن عدد أفراد أسرته، فذكر له أنهم أحد عشر نفراً، فقال له أمراً شبيها بما قاله عادل إمام في "مسرحية شاهد ما شفش حاجة" عن السكن في "أوضة" واحدة، وكان مبارك أظرف من السيسي، وإن كان السيسي أضحك من مبارك. وقد تخلص كلاهما أحسن التخلص من السائلين.

وهما، الرئيس وخالتي، يشتركان في خصيصة ثانية غير العقيدة الاقتصادية، وهي صفة الجمال والحسن، فخالتي اسمها شلبية، والرئيس أيضاً شلبي، وشلبي لفظ تركي معناه الوسيم، وسوى أنه شلبي، هو يونس أيضاً فهو يونس شلبي. وكنت أتساءل لمَ لا يضع الرئيس المصري قناعاً مثل المقنّع الكندي حتى لا يفتن النساء. ولو أن الفاكهة في مصر متوفرة على الموائد، وأن في أيدي نساء الشعب وذكورهم سكاكين، لقطعت الناس طراً أيديهم من حسنه وجماله، كما فعلت النسوة في قصة يوسف.

كان الرئيس حسني مبارك يعتقد بعقيدة خالتي الاقتصادية أيضا، فهي عقيدة مصرية وعربية أشهر من عقيدة آدم سميث في الاقتصاد والسوق، رائدها جمال عبد الناصر. ويُروى عن مبارك أنه طلب من الشيخ الغزالي، وكان في زيارته لتهنئته بنجاته من الاغتيال في أديس أبابا، أن يدعو له، فحمله ثقيل، وهو يؤكّل سبعين مليون مصري بيده. فتعجب الغزالي، وسأله مرة ثانية ليتأكد مما سمع، فأعادها عليه، فقال له: انت فاكر رُوحك ربنا؟! هو أنت تقدر توكل نفسك!

قال الشيخ الغزالي: فارتبك الرجل وتغيّر لون وجهه، وقال لي: أنا قصدي من الكلام المسؤولية اللي عليَّ.

قال الشيخ الغزالي: ولم أكن قد سمعته جيداً، فأكملت: مسؤولية إيه؟! المسؤولية على اللي يقدر، وإحنا كلنا في إيد ربنا. إنت بكتير، بكتير تدعي وتقول: يا رب ساعدني، لكن تقول: أوكلهم، وكِّل نفسك.

عرضت خالتي نظريتها الاقتصادية، فغضب زوجها، وهو مثلها أميّ، لكنه يسمع الناس ويخالطهم فيتعلم، فقال لها: إن الشعب هو الذي يطعم الرئيس، ويطعم دولاً أوروبية من قمحها وثرواتها وغلالها من الجزية.

وقد أثنيت على خالتي وزدتها من الشعر بيوتاً، ومن النزح خياماً، وأخبرتها أن الرئيس قوي مكين، ولديه قدرات عظيمة، بل إنه من الجنّ العفاريت، وليس مثلنا من الإنس!

وهي تصدقني لأنها لم تجرب علي كذباً، فتساءلت مستحلفة إن كنت أقول الصدق، فمضيت في إيراد الأدلة والبراهين إثباتاً لقولي، فوضعتْ يدها على فمها تحبس شهقتها من الدهشة، فقلت وزوجها يبتسم:

أول الخصائص المشتركة بين الجان ورجال الرئيس، أنَّ قوى العفاريت والمردة كبيرة، لا تقارن بقوة البشر وقدراتهم كذلك، وكذلك قوة الرئيس ورجاله فوق قدرات البشر فهم مخلوقات نارية ونحن مخلوقات طينية، والنار قوة موت، والطين قوة حياة. وثاني الخصائص أنَّ العفاريت تطير وتطوى لها المراحل والأرض طيّا، وكذلك الرئيس فهو من أصحاب الجزم والنعال الفاخرة والخطوة. وثالث الخصائص أنَّ العفاريت والمردة مخلوقات من مارج من نار، وهو ورجاله لا يستخدمون سوى النيران التي يحرقون بها الشعب، إن لم يحروقه باللهب، أحروقه بنار الأسعار وجمر الغلاء. ورابع الخصائص أنَّ العفاريت من الجن، كانت تعمل للنبي سليمان عليه السلام المحاريب والتماثيل وجفان كالجواب، وقد عملت عفاريت مصر وسوريا للرئيسين السوري والمصري آلاف التماثيل العملاقة والمقابر العظيمة.

وخامس الخصائص أنَّ العفاريت تعرف ما يجري وراء الجدران وما يعتمل في النفوس، وما يوسوس به الإنس لأنفسهم، وكذلك مخابرات الرئيس التي تتجسس علينا بالأجهزة الحديثة، وهي توسوس في صدرونا من خلال أجهزة الإعلام، فتزين لنا الخبائث، وأنَّ العفاريت والجنّ كانت تلتمس السماء لمعرفة أخبار الغيب، وكذلك يفعل الرئيس ومخابراته بالتماس الأخبار من الشعب، فالشعب سماؤه.

ومن شبه الرئيس ورجاله بالعفاريت والجان، "إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ". وإن رأيناهم ففي التلفزيون، وهي مرايا، ويزعم العارفون أنّ المرايا تكشف بعض حركة الجان الخفيّة.

وكان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا، وقد زادنا جنُّ الحكومة وعفاريتهم رهقاً وعسفاً وظلماً. وفي الآثار أنَّ طعام الجن هي العظام، وقد تغيّر الحال فبات طعامنا العظام وسيقان الفراخ. وهو الفارق الذي تغير عن سابق العهد.

فتنظر خالتي وتهزّ رأسها موشكة على الاقتناع بنظريتي في أصول الرؤساء العرب النارية، ونسيت أن أقول إنَّ الجن تزوّر الوقائع ببراعة لا يدركها الإنس، وأنها تتلبس بأشكال حيوانية كثيرة والرئيس ومخابراته يتغيرون بالهيئة والأشكال، فهم ضباط وعمال نظافة ومتسولون وشيوخ ودعاة، تجسسا علينا، وعفاريت الجنّ غير المؤمنة تفرق بين المرء وزوجه، وبين الشعب وبعضه، وكذلك يفعلون.

فنعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومخلوقات النار.

twitter.com/OmarImaromar