أثار الزلزال الذي ضرب
تركيا وسوريا فجر الاثنين مخاوف مواطني بعض
الدول العربية القريبة من تركيا، خصوصا تلك التي سبق أن ضربها زلزال، وسط تساؤلات عن احتمالية تعرض بلدانهم لهذه الكارثة فضلا عن مستوى الحماية والاستعدادات فيها.
وعقب الزلزال الذي خلف حتى ساعة كتابة هذا التقرير أكثر من 20 ألف قتيل في كل من تركيا وسوريا، توالت عدد من الهزات الأرضية شعر بها سكان مواطني دول عربية مثل لبنان وفلسطين والأردن.
حدود الصفيحة العربية
ومع كل هزة أرضية تعرضت لها أي دولة عربية، زادت مخاوف الناس أكثر، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها بعضها كلبنان مثلا أو فلسطين وغيرها، فهل منطقتنا العربية معرضة لحدوث زلازل كبرى؟
أستاذ علم
الزلازل في الجامعة الأردنية، الدكتور نجيب أبو كركي، قال إن "الدول العربية المعرضة للزلازل أكثر من غيرها هي التي يوجد فيها حدود صفائح أو صدوع سبق أن حصل عليها زلازل، وأهمها مثلا الساحل الجزائري وبعض أجزاء المغرب، والمناطق المحاذية للصدع الأردني والذي يبدأ من خليج العقبة وينتهي عمليا عند شمال سوريا، والمناطق المحاذية لعدن في اليمن، وبالمجمل المناطق التي تكون حول
الصفيحة العربية".
وتابع أبو كركي في حديث لـ"عربي21": "بالطبع هذه المناطق حصل بها زلزال سابق ومعرضة لذلك مستقبلا، ولكن في وقت غير معلوم، وإذا أردنا تحديدها يمكن القول هي الجزائر وسوريا وشمال العراق، ثم الأردن وفلسطين بشكل معتدل نسبيا، ولبنان، ولكن بالطبع يصعب القول إن دولة ما لن يقع فيها زلازل، ولكن المناطق الأكثر تعرضا للزلازل هي التي تقع على حدود الصفائح حيث يحدث في المناطق التي تمر فيها هذه الحدود".
نشاط متوسط
من جهته أشار أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الهاشمية الأردنية، وخبير الزلازل أحمد الملاعبة، إلى أن "نسبة تعرض المنطقة العربية أو احتمالية تعرضها هي درجة متوسطة أو نشيطة بشكل متوسط تكتونيا".
وحول الأماكن الأكثر عرضة للزلازل، قال الملاعبة لـ"عربي21": "المناطق هي التي تقع على نطاق زلازل، وأهمها النطاق الموجود على الحزام العربي الأفريقي والذي يمتد من بحيرة فيكتوريا في كينيا إلى عدن مرورا بالبحر الميت ومن ثم إلى وادي عربة والأغوار في الأردن حتى تصل إلى لبنان وأيضا إلى تركيا، أي بطول 7 آلاف كيلو متر".
وأشار إلى أن "بلاد الشام تعرضت لهزات وهجمات ارتدادية بعد زلزال الأناضول الذي كان أيضا سببا لتصادم الصفيحة العربية بشكل رئيسي مع الصفيحة الأناضولية الصغيرة أو الصفيحة الأوراسية، وهذا يعني أن الزلزال قد يتنقل مركزه من تركيا إلى سوريا فلبنان وحتى أيضا الأردن أو فلسطين أو حتى في العراق، كما حدث قبل عامين حيث كان هناك عاصفة زلزالية أخرى".
وحول قوة أي زلزال قد يضرب المنطقة قال الملاعبة: "يمكن أن يكون أحدها بنفس قوة زلزال تركيا، والمرشح الآن بين الصفيحة العربية والصفيحة الهندية في جبال زاغروس وجبال طوروس وامتدادها في الهملايا، وأيضا في جزء من شمال العراق عند التقاء الصفيحة العربية مع الصفيحة الأوراسية".
وتابع: "قد يحصل زلزال بقوة 6-7 درجات أو أكثر ولكن إذا وصلت إلى 8 درجات تصبح من الزلازل العملاقة التي قد تسبب كوارث لا سمح الله ولا يمكن التعامل معها، وهذه إحدى أهم المناطق بعد الأناضول وهي جزء منها لأنها ناتجة عن تصادم بنفس الآلية".
حلول وقائية
عادة ما تلجأ الدول التي تكون عرضة لحدوث زلازل لاتخاذ احتياطات سلامة عامة، تشمل تحسين قوة المباني وتجهيز معدات السلامة والإنقاذ المناسبة تفاديا لحدوث أي طارئ.
وبعد الزلزال الأخير في تركيا أثار الدمار الهائل الذي حدث في مدن جنوبها ومدن شمال سوريا انتباه الناس ودفعهم للبدء بالتفكير بكيفية حماية أنفسهم ومبانيهم من خطر الزلازل، فهل استعدت دولنا العربية جيدا؟ وما هي طرق ووسائل الحماية الأفضل؟
حاولت "عربي21"، الحصول على معلومات أو إحصائيات حول مدى سلامة وأمان المباني في الدول العربية ضد الزلازل ولم تتلق ردا من أي جهة هندسية نقابية أو حكومية.
لكن خبير الزلازل نجيب أبو كركي أكد "أنه يمكن حماية المباني من الزلازل إلى حد ما، وتكلفة هذه الحماية أقل بكثير من الخسائر الهائلة التي قد تحدث لو لا قدر الله حصل زلزال ولم يكن هناك حماية وتأسيس سليم وعلمي ضده".
وتابع: "نعم هناك زلازل قوية قد لا تصمد أمامها أي حماية للمباني، ولكن إحصائيا بالتأكيد لو أن مدينتين تعرضتا لزلزال قوي، سيكون الضرر في المدينة المحمية أقل نسبيا من الأخرى".
وضرب مثالا على ذلك "بالدول التي طبقت نظام البناء المقاوم للزلازل، حيث كان هناك فرق في عدد الضحايا والمباني المدمرة بين الفترة التي حدث فيها زلزال قبل تطبيق هذه التقنيات والفترة التي حدث فيها بعد التطبيق، وبالتالي يمكن حماية المدن بنسبة لا بأس بها إذا تم تطبيق القواعد العلمية المدروسة في البناء".
وأضاف: "بشكل عام إضافة لتطبيق قوانين كودات الزلازل يجب تدريب المهندسين والبنائين على الطرق العلمية السليمة لبناء الأبنية المقاومة للزلازل، نعم أحيانا قد تتفاجأ دولة ما بزلزال أقوى من أي حماية، لكن لا ضير من القيام بهذه الاحتياطات، والأفضل أن تكون موجودة".
بدوره قال أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الهاشمية، أحمد الملاعبة إنه "خلال الاستعداد للزلازل مستقبلا يجب أخذ الكثافة السكانية بعين الاعتبار، فهي والبناء الخاطئ يزيد من عدد الضحايا والمباني المدمرة".
وأوضح، "لو نظرنا إلى الحالة في سوريا الآن رغم الظروف الصعبة، لكن الاستعدادات ضعيفة وهذا يقاس على كافة أنحاء وأرجاء الوطن العربي خاصة الدول ذات الكثافة السكانية العالية، فالإمكانات والدعم المالي غير متوفر بشكل كبير، لكن هناك كوادر مدربة حتى لا نظلم أحدا، مثل أجهزة الدفاع المدني ومراكز الأزمات".
ولفت إلى "ضرورة تدريب مجموعات من المواطنين لتكون لجانا مساعدة تساند وتدعم وتساعد الجهات الرسمية المختصة، ويجب أن يشتمل تدريب هذه المجموعات على طرق وكيفية التعامل مع الزلازل، كذلك يجب أن يكون هناك استعداد في المعدات وغيرها، بمعنى يجب أن يكون هناك آليات ثقيلة وقوية كالتي نحتاجها لإزالة الركام".
وحول ما إذا كانت المباني في الدول العربية قادرة على تحمل الزلازل، وكيف يمكن حمايتها قال: "مع تطور وازدهار البناء وزيادة الكثافة السكانية، تحولت معظم المباني في المدن إلى طابقية ومتلاصقة مع بعضها البعض، كذلك العواصم أصبح عدد سكانها من مليون إلى 20 مليونا حسب البلد، هذا أدى إلى كثافة عمرانية كبيرة جدا، وبعض هذه المباني خصوصا الإسمنتية عمرها الافتراضي من 40- 60 عاما في أقصى الحالات، وبالتالي هذه المباني تكون ضعيفة أمام أي زلزال مستقبلي".
وتابع: "مثلا بالأردن أكثر من 60- 70 في المائة من المباني تجاوزت عمرها الافتراضي، ولذلك حدث هدم مبان في بعض المناطق، جزء منها نتيجة قدمها وجزء نتيجة المخالفة الصريحة للقوانين الخاصة بالبناء".
وأوضح بأن "الحل هو تطبيق معايير الزلازل وزيادة قوة المباني بحيث تحتمل زلزالا بقوة 6-7 على مقياس ريختر، لكن الأهم يجب البدء بعمليات إنشاء المدن الجديدة، وبشرط أن لا تكون هناك مبان مكتظة ومتصلة، فمثلا في مدينة الزرقاء بالأردن هناك أبنية قديمة تتكون من طابقين وأكثر أحيانا، تتصل وتلتصق ببعضها البعض وتمتد لغاية 800 متر بدون تهوية، هي أيضا غير مبنية وفقا للمعايير الهندسية السليمة، وبالتالي لو حدث زلزال لا سمح الله ستكون هناك كارثة".
وأشار إلى أنه "يمكن أن تشترط الدولة على كل شخص يريد تشييد بناء جديد عمل ملجأ، فالملاجئ الأهلية تحت كل منزل، تكون آمنة أكثر وأقل كلفة من الملاجئ العامة، كما أن هناك في بعض الدول كالأردن مثلا، أنفاق طبيعية أو كهوف يمتد بعضها لمائة وأربعين كيلومترا يمكن أن تستوعب الناس في حالة الكوارث".