أمس، 11 شباط/ فبراير، حلت الذكرى الثانية عشرة لخلع
الرئيس
المصري الأسبق حسني
مبارك بعد ثورة استمرت 18 يوما في ميدان التحرر وغيره
من ميادين مصر، سبقها نضال استمر سنوات.
مع مرور السنوات، ومع تصاعد بشاعة الحكم الانقلابي فإن نفرا
من المصريين يترحمون على أيام مبارك، ويرددون عبارة "ولا يوم من أيامك يا
مبارك". الحقيقة أن من يرددون هذه الجملة هم عبدة
الاستبداد، لكنهم مع قبولهم
بالاستبداد القديم والجديد فإنهم أصبحوا يعانون شظف العيش، وفقدوا في ظل النظام
الحالي الحد الأدنى من الستر الذي كانوا يعيشونه من قبل، فانطلقت ألسنتهم بتلك
الكلمات كبديل عن مواجهتهم المباشرة للظلم والاستبداد الجاثم على صدورهم.
لم يكن مبارك حاكما عادلا ولا أمينا، وإلا ما قامت ضده ثورة
بالأساس، كان كأي حاكم عسكري غشوما، مستبدا، أدخل الوطن في ثلاجة سياسية
واقتصادية، تحت دعاوى الاستقرار، وحوله إلى "جملوكية"، أي خليط من
الجمهورية والملكية بتعبير عالم الاجتماع السياسي الدكتور سعد الدين إبراهيم، حيث
كان يريد توريث الدولة وكأنها عزبة خاصة لنجله الذي عاد للظهور مؤخرا، فيما يبدو
أنه استعداد للترشح في الانتخابات الرئاسية المقررة منتصف العام المقبل، مستغلا
هذه المشاعر التي يبديها البعض تجاه والده.
من يراجع مشاعر المصريين قبل 12 عاما حين سمعوا نبأ سقوط مبارك يكتشف كم كانت فرحتهم الغامرة بالخلاص منه، وكم كانوا يشعرون بثقل حكمه عليهم، لقد اكتشفوا بعد خلعه الحجم الحقيقي للفساد الذي تساند عليه نظام حكمه، واكتشفوا أنهم قادرون على الإطاحة بأعلى رأس في البلاد
من يراجع مشاعر المصريين قبل 12 عاما حين سمعوا نبأ سقوط
مبارك يكتشف كم كانت فرحتهم الغامرة بالخلاص منه، وكم كانوا يشعرون بثقل حكمه
عليهم، لقد اكتشفوا بعد خلعه الحجم الحقيقي للفساد الذي تساند عليه نظام حكمه،
واكتشفوا أنهم قادرون
على الإطاحة بأعلى رأس في البلاد بعد أن حاولت كل مصادر التربية والتعليم والتثقيف
تعبئة نفوسهم بالإحباط والعجز عن الفعل.
ليس
معنى وصول من هو أشد استبدادا وفسادا أن نترحم على مستبد وفاسد سابق، بل الصحيح أن
ننتفض ضد كل استبداد وفساد، كبيرا كان أو صغيرا.
ليس مفروضا
على المصريين أن يقايضوا لقمة عيشهم دوما بحريتهم، فكلا الأمرين ضروريان، لا تستقيم الحياة بغياب أحدهما. في عهد مبارك
والعهود السابقة كانت تلك هي المعادلة: الخبز مقابل الحرية، ثم جاء
السيسي ليفرض
معادلة جديدة وهي الخبز والحرية مقابل البقاء على قيد الحياة، وحتى هذا البقاء لم
يعد مضمونا بين الموت جوعا، والتصفيات الجسدية، والإعدامات هزلية، وحوادث الطرق البرية
والجوية.. الخ.
نفخر أننا شاركنا في مقاومة نظام مبارك واستبداده على مدى
عقدين أو يزيد، حتى تمكنت
الثورة من خلعه، وأركان حكمه، ونفخر أننا مستمرون في
مقاومة النظام المستبد الحالي، وقد دفعنا ولا نزال ندفع الأثمان في سبيل تحرير مصر
من هذا الاستبداد والفساد والتفريط والخيانة.
لم ولن نقول أبدا "نحن آسفون يا مبارك" لأننا
نعاني ممن هو أسوأ منه، بل سنقول إن هذه النبتة من تلك البذرة العفنة، وإن الرضوخ
أو الركون للاستبداد يفتح الباب للمزيد من الاستبداد، وكما يقول المثل المصري
"يا فرعون إيش فرعنك" فيكون الرد "لم أجد من يصدني".
لم ولن نقول أبدا "نحن آسفين يا مبارك" لأننا نعاني ممن هو أسوأ منه، بل سنقول إن هذه النبتة من تلك البذرة العفنة، وأن الرضوخ أو الركون للاستبداد يفتح الباب للمزيد من الاستبداد
صحيح أن يد النظام ثقيلة، بما يمتلكه من أدوات قمع مدعوما
من حلفاء إقليميين ودوليين يخشون الديمقراطية وإن تفاخر بها بعضهم في أوطانهم، وصحيح
أن السعي خلف لقمة العيش يصرف الكثيرين عن الاهتمام بأمور السياسة، ويدفعهم
للتناول عن حقوقهم وكرامتهم، وصحيح أن اليأس من التغيير أصاب البعض، لكن الصحيح
أيضا أن قسما كبيرا من المصريين لم يسقط راية المقاومة على مدار اثني عشر عاما،
وظل يقدم التضحيات تلو التضحيات دون شعور بالندم أو اليأس، امتلأت السجون بعشرات
الآلاف، وهاجر أضعافهم ليواصلوا المقاومة بطرق أخرى ومن أماكن أخرى.
نحن أمام ملحمة نضالية مصرية من أجل الحرية والكرامة، تقوى
حينا وتخفت حينا لكنها لم ولن تنطفئ حتى تحقق هدفها. هذه هي خبرات ودروس دول وشعوب
سبقتنا على هذا الطريق، في شرق العالم وغربه، أوروبا نفسها لم تصل إلى ما حققته
اليوم من تقدم ورخاء وديمقراطية وحرية إلا بعد نضالات طويلة، وتضحيات غالية. رغيف
الخبز والحرية والعزة والكرامة لا توهب، ولكن تُنتزع، فما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
لم تذهب جهود مقاومة الاستبداد في السنوات الماضية هباء، فقد نجحت في بناء وعي يتنامى يوما بعد يوم، ونجحت في كشف الفساد والانحراف والمشروعات الوهمية أو غير ذات الجدوى
سيقول البعض إن هذا كلام ديماغوجي، لم يعد يناسب اللحظة بعد
أن تمكن النظام من كل مفاصل الدولة، وأصبح مطلق اليد فيها، وهذه قناعة المحبطين
اليائسين، لكن أصحاب الهمم العالية والتضحيات سيظلون متمسكين بالأمل، وسيظلون
مستمرين في مقاومتهم بحسب المتاح لهم، وحتى لو عجزوا عن تحقيق حلمهم في حياتهم،
فإنهم سيكونون قد مهدوا الطريق لمن بعدهم، ولن يترهم الله أعمالهم.
لم تذهب جهود مقاومة الاستبداد في السنوات الماضية هباء،
فقد نجحت في بناء وعي يتنامى يوما بعد يوم، ونجحت في كشف الفساد والانحراف
والمشروعات الوهمية أو غير ذات الجدوى، والتي طوقت الدولة بديون لا قبل لها بها، والتي
أراد النظام أن يتساند عليها كشرعية إنجاز بديلا للشرعية الشعبية التي يفتقدها، لقد
أصبح الشعب يعرف الآن حجم تلك الديون التي تطوق رقابه، ورقاب أبنائه وأحفاده،
وأصبح يدرك حالة التقزم التي بلغتها مصر تحت هذا الحكم والتي دفعت كل من هب ودب
للتطاول عليها، وعلى شعبها بجريرة حكامه، والأهم أن الشعب الذي صدق وعود السيسي في
رخاء قادم، وتجاوب مع طلبه مهلة ست شهور ثم سنة ثم سنتين لتحقيق هذا الرخاء، أدرك الآن
ان كل ذلك هو محض أوهام، وأن لا رخاء ولا سعادة ولا استقرار سيتحقق في ظل هذا
النظام، وأنه أخيرا لا أمل لتحقيق تلك الحقوق المشروعة سوى برحيل هذا النظام
ومساءلته عما أجرم بحق الوطن والشعب، وعودة المسار الديمقراطي ليختار الشعب حكما
نظيفا مخلصا، ينقذه من هذا القاع السحيق.