سلّطت
جنازة الرئيس
الباكستاني الراحل برويز مشرّف، الضوء على العلاقات العسكرية-المدنية في
العاصمة إسلام أباد، حيث لا يزال
الجيش هو الطرف الأقوى على الرغم من تعاقب الحكومات
فيها.
ووفق
الخبير بشؤون المنطقة
سايمون هندرسون، فإن جنازة مشرّف تعد بمثابة فرصة لمراقبة وضع
العلاقة العسكرية-المدنية في باكستان، حيث تتعاقب الحكومات المدنية بينما تبقى الكلمة
الفصل للجيش.
ويضيف هندرسون في مقال بـ"معهد
واشنطن": "كان منفى مشرف في الإمارات حلاً، وإن كان غير حاسم، للمشكلة التي أحدثتها
إحدى الحكومات المدنية عندما حاكمته بتهمة الخيانة العظمى لانتهاكه الدستور ومن ثم
حكمت عليه بالإعدام. ولم يكن الجيش مستعداً للسماح بتنفيذ هذه السابقة القضائية، كما
أن صحة مشرّف المتدهورة كانت حجة إضافية لترحيله إلى دبي".
وأجريت مراسم التشييع وفقاً لـ"البروتوكول العسكري".
وقد حضر الجنازة رئيس لجنة هيئة الأركان المشتركة وهو أعلى مسؤول عسكري صوري حالياً،
في حين غاب قائد الجيش الباكستاني الأكثر نفوذاً الجنرال عاصم منير، لأنه كان في زيارة
إلى بريطانيا. ومن المسؤولين الذين حضروا الجنازة، الجنرال المتقاعد أشفق كياني الذي
لا تتوفر الكثير من المعلومات عنه والذي كان رئيساً لأركان الجيش عندما قتلت قوات
"مغاوير البحرية" الأمريكية ابن لادن، والجنرال المتقاعد أسلم بيك الذي كشفت
سيرته الذاتية التي نُشرت عام 2021 تفاصيل عن أسلحة باكستان النووية والعلاقات التي
تجمع جيشها بإيران، بحسب هندرسون.
ويضيف:
"إن من المفارقات أيضا ذلك التكريم المشابه الذي قدمه الجيش للعالم النووي د. عبد
القدير خان (يصفه هندرسون بسيئ السمعة) عندما توفي بسبب فيروس كورونا في أواخر عام
2021". مشيرا إلى أن ذلك "قد يدل على غطرسة الجيش الباكستاني من جهة وازدرائه
لمفهوم الحكومة المدنية من جهة أخرى".
وكانت
صحيفة "وول ستريت جورنال" قد وصفت مشرف، بعد وفاته، في أحد عناوينها بأنه
"أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة".
لكن
هندرسون "يشك في ما إذا كانت واشنطن قد وثِقت يوماً بمشرّف على وجه الخصوص"، مشددا بالقول إنها "ما كان عليها أن تفعل ذلك".
ويتابع: "صحيح أن مشرّف وقف إلى جانب الولايات المتحدة بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر،
لكن وفقاً لمذكرات مشرّف التي نشرت عام 2006 بعنوان "على خط النار"، فإنه تلقى اتصالاً في 12 أيلول/ سبتمبر من وزير الخارجية الأمريكية آنذاك كولن باول قال
له فيه: إما أن تقف معنا أو ضدنا".
وبسبب
وطأة الضغوط، فإن مشرّف كان يقبل بعقد الصفقات، على غرار تلك التي حمّل فيها الدكتور الراحل
عبد القدير خان كامل مسؤولية نقل التكنولوجيا النووية إلى دول من بينها ليبيا وإيران
وكوريا الشمالية، مبرئاً الجيش من كل تهمة. ومن الأمثلة الأخرى على مكر مشرّف، كما يقول هندرسون، قبوله مرغماً في النهاية بالتنحي عن السلطة في عام 2008، أي بعد مرور
عامين على احتماء أسامة بن لادن في باكستان كما يُعتقد.
هل كان
مشرّف على علم بما يجري؟ يتساءل هندرسون ويجيب: "بكل تأكيد تقريباً". فقد
تبين أن الجيش الباكستاني -لا سيما وكالة الاستخبارات الباكستانية- هو أساساً الذي كان يملك البيت الذي سكن فيه زعيم "القاعدة" الذي كان يعيش على
بعد أقل من ميل واحد من الأكاديمية العسكرية الباكستانية عندما قتل على يد "القوات
الخاصة للبحرية الأمريكية" في عام 2011.