نشرت
مجلة "
فورين أفيرز" مقالة لـ دينا أسفندياري، المستشارة البارزة لمجموعة الأزمات
الدولية بعنوان "محاور المصلحة"، جاء فيها أن مستشار الأمن القومي الأمريكي
جيك سوليفان أعلن في تموز/ يوليو وفي المرحلة التي كانت فيها القوات الروسية تواجه
مصاعب في أوكرانيا، أن
إيران أرسلت أو تحضر لإرسال مسيرات من نوع شاهد 136 إلى
روسيا.
ونفت
طهران التصريح لكن سوليفان كان محقا في كلامه. فقد استخدمت روسيا مسيرات انتحارية صغيرة
وبسيطة الإنتاج ومن الصعب اكتشافها في حملاتها العسكرية ضد أوكرانيا ومنشآتها الحيوية.
وساعدت على وقف نصف إمدادات الطاقة الكهربائية في البلاد. وأسهمت المسيرات الإيرانية
في مساعدة الروس للحفاظ على مصادرهم وإنهاك المصادر العسكرية الأوكرانية.
وكان
التحرك الإيراني منطقيا نحو مساعدة روسيا، فكلاهما يعاني من عزلة دولية وهما بحاجة
لأي مساعدة تصل إليهما، إلا أن مستوى التعاون بين البلدين كان مثيرا للدهشة في تاريخ
العلاقة المضطربة بينهما، ولم يكن هناك حب واضح بينهما نظرا لغياب الثقة وحس الخيانة.
فقد خاضا حروبا عدة ضد بعضهما البعض وتدخلت روسيا في الشأن الإيراني الداخلي واشتبك
البلدان في الأمور الجيوسياسية التي يتعاونان فيها مثل الموضوع السوري.
ولا
تزال العلاقة بين موسكو وطهران غير قريبة أو دافئة، وتبدو وكأنها شراكة تجارية أكثر
من كونها صداقة حقيقية. وسيظل التعاون بينهما فاعلا مع أن التحالف الرسمي لا يزال أمرا
بعيد في القريب العاجل. وأصبح الطرفان بارعين في تجزئة ملامح العلاقة والتأكد من وجود
الشراكة عندما تكون مناسبة لهما. وتشمل العلاقة المجال العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي.
واكتشفت
روسيا وإيران أن كل واحد منهما لديه الكثير لتقديمه. وبحسب دبلوماسي إيراني، فإن "كلينا ضد العقوبات وضد التدخل الغربي في شؤون بلدينا". ورغم النقاش الداخلي
بين المسؤولين في حكومة إيران حول مدى وفائدة التحالف، إلا أن الشراكة تبدو "طبيعية" بحسب المسؤول.
واتسمت
العلاقة بين البلدين وعلى مدى قرون بالخلافات والحروب المباشرة، في القرن السادس
عشر وحتى القرن الثامن عشر. وفي الفترتين 1804- 1813 و 1826- 1828 واجه البلدان بعضهما البعض
في نزاع على الأراضي في جنوب القوقاز. وانتهت كل هذه الحروب بالنسبة لإيران بالهزيمة،
وأجبرت الإمبراطورية الإيرانية على توقيع اتفاقيات سلام وتخلت عن مناطق واسعة من أراضيها
لروسيا. ولا يزال الإيرانيون حتى هذا اليوم يتحدثون عن التسوية التي تبعت الهزيمة الأخيرة
والتي سميت "معاهدة تركمانشي" باعتبارها ذلا وطنيا.
ولم
يتوقف التدخل الروسي في الشأن الإيراني طول القرن التاسع عشر، حيث حاولت موسكو السيطرة
على أراض ومنع الإصلاحات الداخلية ودعم فصائل ضد أخرى في الصراع على السلطة. وهو ما
جعل الكثير من الإيرانيين يشعرون بالخوف والعصبية من جارهم المتنمر في الشمال.
ورغم
التهديد الذي مثله الروس إلا أن
العلاقات التجارية والسياسية استمرت طوال العقد الثاني
من القرن العشرين. وفي أثناء الحرب الباردة فإنها نجحت الولايات المتحدة بدفع إيران لفلكها
وبعيدا عن المجال السوفييتي، إلا أن عزلة إيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979 دفعت
حكام إيران الجدد إلى البحث عن طرق لاستئناف العلاقات مع روسيا.
ووجد
الطرفان في معاداة أمريكا أرضية مشتركة رغم الخلافات الأيديولوجية بينهما، فالاتحاد
السوفييتي ملحد خلافا لإيران الإسلامية. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي تعمقت العلاقات
بينهما، وفي عام 1995 وافقت روسيا على تزويد مفاعل بوشهر النووي بالمياه الخفيفة. وعزز
البلدان العلاقات العسكرية، وبحلول الـ2000 أصبحت إيران ثالث أكبر سوق للسلاح الروسي. وفي
2007، وعدت روسيا طهران ببيعها نظام أس-300 للدفاع الصاروخي.
واستمرت
العلاقات الأمنية والتجارية والسياسية والزيارات المتبادلة وعلى مستويات عالية في النمو،
وبخاصة بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014.
ومع
ذلك فقد ظل البلدان حذرين في نظرة كل منهما للآخر، فقد عبرت إيران عن قلقها من تردد موسكو
في تزويد مفاعل بوشهر بالمياه الخفيفة وتسليمها نظام أس-300، وحتى التعاون بينهما في
سوريا ظل معقدا. وكانت إيران تريد الدعم الروسي في سوريا ودعم بقاء الأسد، ولكنها اعتقدت
بقدرتها على إملاء الشروط، فخبرتها في سوريا أطول ولديها قوات على الأرض، وليس لروسيا
إلا الغطاء الجوي. وبالمقابل، فقد نظرت روسيا إلى نفسها على أنها الشريك الأكبر والأقوى وتعاملت
بناء على هذا. وفاجأت موسكو طهران بعقد اتفاقية وقف إطلاق النار مع أمريكا عام
2016 مع أنها لم تطبق. ولا تزال روسيا وإيران تتعاونان في سوريا وبخاصة عند تلاقي المصالح
والحفاظ على الأسد، لكنهما تعملان هذا بنوع من الحذر.
ثم غزا
الروس أوكرانيا، حيث ارتفع مستوى العلاقات بينهما ونظم الطرفان سلسلة من اللقاءات وعلى
مستوى القمة، منها لقاء بين المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس فلاديمير بوتين
أثناء زيارة الاخير لطهران في تموز/ يوليو 2022. وتعمقت العلاقات التجارية، حيث ارتفعت
الصادرات الروسية لإيران في أول عشرة أشهر من 2022 بنسبة 27%. وزادت الواردات الروسية
من إيران بنسبة 10%. وتخلى البلدان عن الدولار كعملة في التعامل التجاري ووقعا اتفاقية
تفاهم تستثمر فيها روسيا 40 مليار دولار في مشاريع الغاز الإيرانية منها 6.5 مليار
دولار في مشاريع وقعت في تشرين الثاني/ نوفمبر.
وزاد
التعاون العسكري أيضا؛ فإلى جانب مسيرات "شاهد 136" زودت إيران روسيا بمسيرة
"مهاجر-6" وهي طائرة استطلاع وهجوم. وبحسب "رويترز" فقد تعهدت إيران بتقديم صواريخ
باليستية قصيرة المدى، وربما "فاتح 110" و"ذو الفقار"، مع أن الولايات
المتحدة تقول إن عمليات نقل صواريخ لم تحدث.
وقدمت
إيران ذخيرة ومصفحات، وسافر المستشارون العسكريون الإيرانيون لساحات الحرب في أوكرانيا
لتقديم المساعدة إلى العسكريين الروس، وذكرت "واشنطن بوست" أن إيران وافقت
على بناء مصنع لتصنيع المسيرات في روسيا.
إلا
أن المساعدات ليست من طرف واحد، فقد قال السفير البريطاني في الأمم المتحدة في شهادة
أمام مجلس الأمن في كانون الأول/ ديسمبر إن موسكو ستزود إيران بأسلحة متقدمة منها مقاتلات
"سو-35"، وأكدت طهران شراء الطائرات في كانون الثاني/ يناير وقالت إنها ستتسلمها
في آذار/ مارس.
واشترت
إيران مروحيات وأنظمة دفاع صاروخي من روسيا. وزاد التعاون العسكري والأمني بين البلدين،
ويبدو أن سنوات عدم الثقة بينهما باتت شيئا من الماضي.
وترى
الباحثة أن الشراكة الوثيقة، الجديدة بين إيران وروسيا هي نتاج ظرف. فلولا الحرب لما
ذهبت روسيا إلى باب طهران لتدق عليه بعدما أغلق الباب أمامها إلى مزودي التكنولوجيا
في العالم الغربي. كما أن الموقف الإيراني هو نتاج ضغط خارجي، ففي 2021 وجدت نفسها
وحيدة بعد تعثر المحادثات لإحياء الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015. وترافقت العزلة
هذه مع التظاهرات التي اندلعت في أيلول/ سبتمبر 2022 احتجاجا على مقتل مهسا أميني أثناء
احتجاز شرطة الأخلاق لها وردت عليها طهران بالضرب والاعتقال والإعدام. وجاء ارتباطها
بروسيا ليس لحبها لها ولكن لأنها الدولة الوحيدة الباقية المستعدة للتعامل معها.
لكن
الأحداث التاريخية الطارئة قد تقود أحيانا إلى تحالفات دائمة وعلاقات دائمة، والشراكة
الروسية-الإيرانية ليست استثناء. ولن تختفي الظروف التي أسهمت في ولادة الشراكة، فالحرب
في أوكرانيا لا تزال طاحنة ولا توجد إشارات عن تغير في السلوك الإيراني، ما يعني أن
أيا منهما لن يخرج من عزلته الدولية قريبا. ولدى كل طرف ما يقدمه للآخر، فطهران يمكنها
تدريس موسكو عددا من دروس الحصار والتحايل عليه، مثل الاتفاق الذي تم العام الماضي
بشأن تصدير إيران الفولاذ لروسيا مقابل حصولها على قطع غيار سيارات. ولدى إيران مجمعات
صناعية هائلة بنتها في ظل الحصار ما يمكنها من تقديم إمدادات لروسيا، وباتت الأخيرة سوقا
جذابا للسلاح الإيراني واستعراضه وتجريبه.
وتستطيع
روسيا بالمقابل تقديم أسلحة لإيران رغم ظروف الحرب، ولديها فيتو في مجلس الأمن يمكن
أن تستخدمه لصالح إيران عندما تتم مناقشة البرنامج النووي.
ولم
يكن تحول إيران نحو روسيا سهلا، فلطالما ترددت طهران في سياسة التحول للشرق، بما في
ذلك روسيا، وبعد فشل الاتفاقية النووية التي قسمت المؤسسة السياسية إلى معسكرات مؤيدة
ومعارضة لتحسين العلاقات مع روسيا، إلا أن سيطرة المتشددين على مفاصل السلطة عام
2021 أدى إلى فوز المعسكر المؤيد لعلاقات أفضل مع روسيا.
وفي
النهاية لن تكون الشراكة سهلة، فعلى روسيا موازنة علاقتها مع إيران بعلاقاتها مع إسرائيل
ودول الخليج، وستظل إيران منافسا في مجال الطاقة. فقد حولت روسيا الكثير من صادراتها
النفطية التي كانت تستوردها من إيران إلى الصين، ما دعا طهران إلى تخفيض أسعار النفط. لكن البلدين
سيعملان على حل الخلافات من أجل مواصلة معارضة الغرب وحماية نفسيهما من العزلة. وربما
لا توجد علاقة حب بين طهران وموسكو، لكن هناك عدة طرق تضمن استمرار التعاون ولسنوات
مقبلة.