طرحت
الحكومة
المصرية مجموعة من المبادرات لتشجيع المصريين بالخارج وحائزي
الدولار على وضع
مدخراتهم بالعملة الصعبة في البنوك المحلية أو بعض مشروعاتها أو حسابات باسم وزارة
المالية للاستفادة من التيسيرات التي تتضمنها تلك المبادرات إلا أن الاستجابة لها كانت
أقل من المتوقع.
وتسعى
الحكومة المصرية لاستغلال أكبر نسبة من تحويلات أكثر من 11 مليون مصري يعملون بالخارج،
نحو 70% منهم في دول مجلس التعاون الخليجي، قاموا بتحويل نحو 32 مليار دولار في
العام المالي 2021-2022 وهو أعلى رقم وصلت إليه التحويلات في تاريخها.
وأطلقت
الحكومة المصرية عدة مبادرات تباعا منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وللمرة الأولى،
أعلنت عن منح تيسيرات للمصريين المقيمين في الخارج لإحضار سيارات من بلدان إقامتهم
دون رسوم أو جمارك، مقابل وضع قيمتها بالعملة الأجنبية في حساب تابع لوزارة المالية
واسترداده بالعملة المحلية بعد مرور 5 سنوات من تاريخ السداد من دون فوائد.
بعد
انقضاء ثلثي المدة التي تنتهي في 14 آذار/ مارس المقبل كانت الاستجابة ضعيفة، رغم التعديلات
التي أدخلت على المبادرة لمنح تيسيرات إضافية، وحققت المبادرة أقل من 2 في المئة من
المستهدف حيث كانت تتوقع الحكومة أن تبلغ الحصيلة ما بين 2.5 و 5 مليارات دولار لكن
قيمة التحويلات بلغت 38.5 مليون دولار فحسب منذ إطلاق المبادرة.
ورغم
إعلان الحكومة المصرية عدم عن نيتها تمديد المبادرة، إلا أنها تراجعت وقررت تمديد المهلة
3 شهور عبر الحصول على موافقة البرلمان وإلغاء بعض الشروط المنصوص عليها في اللائحة
التنفيذية للقانون لاستيراد السيارات.
في ذات
الشهر، أعلن البنك الأهلي المصري (ذراع البنك المركزي المصري المالي) عن تعديل أسعار العوائد
الثابتة للشهادة الذهبية الجديدة بالدولار الأمريكي التي يصدرها البنك ومدتها 3 سنوات،
وكذا شهادات "أهل مصر" الدولارية بآجال 5 سنوات و7 سنوات بسعر يتراوح بين
5% و5.3% سنويا، لكنها لم تحظ بإقبال يذكر ولم تعلن البنوك عن حصيلة الودائع.
كما
أعلنت وزارة الإسكان طرح أراضي "بيت الوطن" للمغتربين وسداد قيمتها بالدولار،
ومنح خصم يصل إلى 15% من قيمة قطعة الأرض حال السداد الفوري لكامل ثمن القطعة بالدولار
تحويلا من الخارج، ولكنها واجهت العديد من الأزمات واتهموا الحكومة
بمخالفة الشروط.
في غضون
ذلك، طرح مصريون بالخارج موالون للنظام مبادرة تحت مسمى "كن إيجابيا" معلنين
عن استعدادهم لإرسال تحويل بقيمة 200 دولار لدعم الدولة في أزمتها الاقتصادية بدعوى
أنها تستهدف دعم مصر، وأهلها ولم تلق المبادرة سوى ردود فعل ساخرة على مواقع التواصل
الاجتماعي.
"حيلة
وليس استثمارا"
في تقييمه
لتلك المبادرات التي أعلنتها الحكومة في أكثر من مجال، يقول أحد المصريين العاملين
في السعودية ويدعى أحمد ويعمل في مجال التدريس في إحدى المدارس الخاصة بجنوب البلاد،
"لم أشترك في أي مبادرة حتى الآن، وأخشى من أن يكون الأمر برمته مجرد حيلة للحصول
على مدخراتنا بسبب الأزمة الكبيرة المتمثلة في نقص العملة الصعبة التي تعاني منها الدولة".
وقال
لـ"عربي21": "الكثير ممن التقيتهم لم يتحمسوا لأي مبادرة رغم انضمام
قلة لها؛ وذلك لسبب وجيه وبسيط فوضع مبلغ يقترب من 25 ألف دولار لمدة 5 سنوات فترة
طويلة زمنية في بلد يعج بالأزمات الاقتصادي، والتي نخشى أن تتحول إلى أزمات سياسية
وتضيع علينا أموالنا، هذا ليس استثمارا بل حيلة ليس أكثر".
واشتكى
عدد من المغتربين من مخالفة وزارة الإسكان شروط التعاقد على أراضي "بيت الوطن"،
وقالوا في تصريحات لصحف محلية إن مخالفة الوزارة للشروط المعمول بها في كافة مراحل
المشروع يفقد ثقة المغتربين في أداء حكومتهم، ويجعلهم يفكرون كثيرا قبل أن ينضموا لمثل
تلك المبادرات.
وهدد
مصريون بالخارج بسحب مقدمات حجز أراضي "بيت الوطن" الدولارية بسبب تغيير
شروط الطرح، ما يجعل المشروع مهددا بالفشل، حيث اشتكوا من قيام الوزارة بتغيير طريقة
حساب القسط لتكون وفقا لسعر الدولار وقت الاستحقاق وليس وقت السداد كما كان سائدا ومعمولا
به منذ سنوات والمنصوص عليه في كراسة الشروط، إضافة إلى تأخر الحكومة في مد الأراضي
بالمرافق اللازمة.
ماذا
وراء فشل مبادرات الحكومة
في تقديره
لفشل مثل هذه المبادرات، يقول الخبير الاقتصادي والاستراتيجي الدكتور علاء السيد:
"كنت توقعت فشل المبادرات الحكومية سواء الخاصة باستيراد السيارات أو شراء أراضي
بالدولار؛ بسبب انعدام الثقة بين أبناء مصر بالخارج والحكومة المصرية التي تسعى إلى
تعويض نقص الدولار بعد هروب أكثر من 22 مليار دولار من أسواق الدين المحلي".
وأضاف
لـ"عربي21": "اهتزاز الثقة بسبب أداء الحكومة المصرية المخيب للآمال،
جعل غالبية المغتربين يعزفون عن الانضمام للمبادرات المختلفة التي أطلقتها الحكومة
التي تستهدف من خلالها زيادة تدفقات النقد الأجنبي بالتوازي مع جهودها الحثيثة في الاقتراض
من الخارج، وبيع الأصول التي تتضمن بنوكا ومصانع وشركات في قطاعات متعددة".
ونبه
السيد إلى أن "نهج الحكومة المستمر في التفريط في أصولها، والخضوع لشروط صندوق النقد
الدولي لن ينقذها من قبضة الدائنين وسداد القروض وأقساط الديون، ويجب عليها اتباع نهج
وطني خالص بعيدا عن إدارة الدولة وتدخلها في الاقتصاد و ثروات ومقدرات البلاد، وفي
مقدمة كل ذلك لإتاحة الحريات السياسية والشخصية والدينية".