قال القائم بأعمال
سفارة الحكومة السورية المؤقتة، التابعة للمعارضة، لدى دولة قطر، الدكتور بلال
تركية، إن "نظام الأسد في خضم هذه الآلام التي تعصف بملايين السوريين بادر
إلى استغلال المأساة بصورة شيطانية، وعمد إلى توظيف التعاطف الإنساني في مسار
إعادة تأهيله، والتطبيع معه، رغم جرائمه الفاشية التي ملأت العالم سوادا".
وأوضح، في مقابلة خاصة
مع "عربي21"، أن "النظام السوري عمل على تجنيد كل وسائل الضغط من
أجل المطالبة برفع العقوبات، وتضليل الرأي العام بأن العقوبات تُشكّل عائقا أمام
استجابة النظام السوري، لكنه في نفس الوقت لم يتم إعلان الحداد في البلاد، ولم يتم
تنكيس الأعلام، بل على العكس، ظهر رأس النظام في حلب يتجول ضاحكا بين المتضررين".
وأضاف تركية:
"لمزيد من فضح أكاذيب النظام حول إعاقة العقوبات للمساعدات، يكفي القول بأنه
قد وصلت إلى مناطق النظام 8 فرق بحث وإنقاذ و3 فرق طبية من الدول الصديقة للنظام
السوري، وهذه الدول التي فَعَّلَت جسورا جوية من بلدانها أوصلت ما يزيد على الـ132 طائرة
إغاثة من 25 دولة. يَظهر بوضوح أن ذروة وصول هذه الطائرات كانت خلال الساعات
الثماني والأربعين الأولى بعد
الزلزال، وهي النافذة الزمنية المُنقِذة للحياة".
وتابع: "بدلا من
أن تصل هذه المساعدات إلى أيادي السوريين الذين هم بأشد الحاجة إليها، فإن مصادر
محلية منخرطة في العمل الإنساني تشير إلى أن اللجنة العليا للإغاثة لم ترفع أيّا
من الإجراءات الأمنية التي تفرضها على عمليات الإغاثة في مناطق سيطرة النظام، ما
يجعل المستفيد الحقيقي من هذه المساعدات هو مخازن النظام، ولم يتم العثور على
عمليات توزيع فعلية، وتم اعتقال عدد من الناشطين الذي انتقدوا تخزين المساعدات".
واستطرد تركية، قائلا:
"فوق هذا فإن النظام الآن يعمد إلى إظهار المناطق التي دمرها بالقصف على أنها
تدمرت بفعل الزلزال، حيث غرّد رئيس منظمة الصحة العالمية خلال زيارته إلى مناطق
سيطرة النظام قائلا إنه لم يشاهد مثل الدمار الذي شاهده بين دمشق وحلب. مع العلم أن هذا الدمار هو نتيجة قصف الأسد وليس نتيجة الزلزال".
ولفت إلى أن
"الزلزال، الذي ضرب جنوب تركيا وشمال وغرب
سوريا، ألحق أضرارا فادحة بالأرواح
والبني التحتية ومقومات الحياة، وشكّل كارثة جديدة على السوريين سواء كانوا داخل
سوريا أو مقيمين ونازحين ولاجئين في تركيا، ما أضاف تحديات وصعوبات إلى وضع كان
يعاني من مشاكل عدة".
تصحيح المسار
وشدّد تركية على
"أهمية التضامن الدولي الفعال، الذي يتطلب دورا مختلفا من الأمم المتحدة
والقوى الدولية؛ فالمساعدات الإنسانية لا تكفي دون وجود تقدير لإرادة السوريين
ومعاناتهم على مدى 12 عاما"، منوها إلى أن "الكارثة لا تزال مستمرة حتى
الآن، وأنه يجب تصحيح المسار؛ فالاستجابة الدولية مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى".
وقال القائم بأعمال
سفارة الحكومة السورية المؤقتة لدى الدوحة، إن "تصريحات العاملين الأمميين
تخلط بين الدمار الذي سبّبته آلة الدمار للمجرم الأسد، وبين الدمار الذي سبّبه
الزلزال، في مناطق شمال غرب سوريا، حيث لم يقم بزيارتها سوى مسؤول أممي واحد بعد
12 يوما من وقوع الزلزال".
وأضاف: "إذا كانت
العقوبات على نظام الأسد تمنع الإغاثة الإنسانية، فكيف وصلته 132 طائرة إغاثة من
25 دولة. الواقع أن الأسد هو الذي يحاصر شمال غرب سوريا ويمنع عنه الإغاثة كما
حاصر سكان حمص ومضايا والغوطة، ولا يزال يحاصر سكان مخيم الركبان".
وتابع: "الحقيقة
أنه في سوريا زلزال واحد، المجرم الأسد، والذي بلغت ضحاياه نصف مليون سوري، استخدم
فيها كل وسائل القتل والتدمير، وقد هدم الأسد مدنا وقرى كاملة، وهجّر ساكنيها
بالكامل. ولولا وجوده، لربما كان للسوريين القدرة على مقاومة كوارث الطبيعة بصورة
أفضل".
قطر تمد جسور العون
وبسؤاله عن الجهود
القطرية في محاولة احتواء تداعيات الزلزال في سوريا، أجاب: "لقد كانت دولة
قطر أول مَن بادرت بالاستجابة، حيث أعلنت عن إطلاق جسر جوي من قطر لدعم المتضررين في
تركيا والشمال السوري، ووصلت أول طائرة في صباح اليوم التالي للزلزال؛ إذ تم إرسال
أكثر من 100 طن من المساعدات العاجلة منها 500 خيمة إيواء، ومستشفيات ميدانية،
بالإضافة إلى المواد الغذائية وسلال النظافة الشخصية ومواد الإيواء كالبطانيات وغيرها".
ولفت الدبلوماسي
السوري إلى أن "الجسر الجوي القطري ساهم أيضا في إيصال الفرق الطبية والإنسانية
للمساندة في الاستجابة لهذه الكارثة المُدمّرة، ولا يزال الجسر ينقل المساعدات
والإغاثة حتى الآن، ونحن نشكرهم كثيرا على وقفتهم الإنسانية تلك".
واستطرد تركية، قائلا:
"على التوازي، أعلنت دولة قطر عن حملة (عون وسند)، لجمع التبرعات الشعبية،
التي تجاوزت الـ168 مليون ريال قطري (46 مليون دولار)، تضمنت 50 مليون ريال تبرعا من
سمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني".
ونوه إلى أن "قطر
أرسلت فريقا من مجموعة البحث والإنقاذ القطرية الدولية (بمشاركة قوة الأمن الداخلي
القطرية- لخويا) للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ، وزار عددا من المناطق
المحاذية للحدود التركية لتقديم مساعدات إغاثية عاجلة للمتضررين، والاطلاع على
واقع العمليات، وأطلع الفريق على الوحدات السكنية المُقدمة من قطر للمتضررين في
منطقة شيخ حديد، وسبق أن قام الهلال الأحمر القطري بإرسال وفدين من الأطباء
والمسعفين إلى المناطق المتضررة".
وقدّم صندوق قطر
للتنمية، وفق المتحدث ذاته، دعما للدفاع المدني السوري (الخوذ البيض) لإنقاذ
وإغاثة ضحايا زلزال سوريا بشكل عاجل، وقد شمل هذا الدعم: العمليات اللوجستية،
وعمليات البحث والإنقاذ، وإصلاح سيارات الإسعاف، وتشغيل السيارات الثقيلة من خلال
الوقود.
وزاد: "رافقت
عمليات الاستجابة الشخصيات القطرية القيادية، للتأكيد على متابعة عالية المستوى
لهذه الجهود الكريمة؛ إذ تواجد سفير دولة قطر لدى الجمهورية التركية الشيخ محمد بن
ناصر بن جاسم آل ثاني، وفريق لخويا القطري، ورافقهم أثناء إدخال قافلة جديدة من
المساعدات القطرية عبر الجسر الجوي بين دولة قطر وتركيا إلى الشمال السوري".
وأشار إلى أنه
"تم الإعلان كذلك عن إرسال 10 آلاف منزل مؤقت للإيواء في الشمال السوري
وتركيا، كما تحركت جمعية قطر الخيرية ضمن فريق قوامه 120 شخصا، و12 سيارة، ومعدات
متكاملة لدعم عمليات البحث، ببناء الخيم بشكل سريع لإيواء المشردين بفعل الزلزال،
وتقديم مساعدات إنسانية وغذائية وملابس شتوية، وتقديم مساعدات طبية".
وقال: "أما في
محور العمل على المدى الطويل، فقد أعلنت قطر البدء بتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع
(مدينة الكرامة) الذي خصصته لإعادة إعمار المناطق المتضررة بالزلزال المُدمّر في
شمال غربي سوريا، حيث أعلن الرئيس التنفيذي لمؤسسة (قطر الخيرية) يوسف بن أحمد
الكواري إطلاق المرحلة الأولى من مشروع (مدينة الكرامة) في الشمال السوري، وذلك
ضمن أنشطة حملة (عون وسند) التي أطلقتها قطر لنجدة المناطق المنكوبة".
ونوّه تركية إلى أن
"السفارة السورية في دولة قطر، بدورها، قامت بجمع المساعدات العينية، وتم
تأمين أكثر من 25 شاحنة حتى الآن محملة بالبطانيات والألبسة الشتوية والمستلزمات
الأساسية، والتي سيتم نقلها بالتعاون مع الهلال الأحمر القطري إلى المتضررين من
الزلزال في الشمال السوري".
الزلزال كارثة ضمن
كارثة
وواصل حديثه قائلا:
"في 5 شباط/ فبراير، أي قبل الزلزال بيوم، لم يكن وضع الاستجابة الإنسانية
داعيا للتفاؤل، لأن 90% من سكان شمال غرب سوريا مُعتمَدون على المساعدات
الإنسانية، بينما لم يتجاوز حجم المساعدات 60% من احتياجات قطاع الغذاء خلال العام
المنصرم، ولم يحصل القطاع الصحي على أكثر من 26% من احتياجاته".
واستطرد قائلا:
"كما أن الزلزال ضرب الجنوب التركي الذي يأوي ما يقارب مليون لاجئ سوري،
كانوا يُشكّلون رئة حياة لمناطق شمال سوريا، حيث يعتبر كثير من هؤلاء اللاجئين
مصدر الدخل الوحيد لذوييهم وأقاربهم على الطرف الآخر من الحدود، وبالتالي جاء
تأثير الزلزال مضاعفا عدة مرات، لأنه أثّر على المناطق المنكوبة، وعلى المناطق
التي تعتمد عليها".
وتابع: "كما أن
العمال الإنسانيين الذين يقومون بمساعدة السكان -وهم من سكان هذه المناطق- تضرروا
بدورهم من الزلزال، مما ضاعف صعوبة عمليات الإنقاذ والإغاثة، حيث فقد الهلال
الأحمر القطري في الشمال السوري وجنوب تركيا 3 من موظفيه العاملين بالميدان، كما
فقد عدد من موظفيه عوائلهم جراء الزلزال المُدمّر، لذلك أصبحت مهمة المساعدات
الإنسانية تتطلب تدخلا سريعا من الدول الشقيقة والصديقة".
كلفة الزلزال الفادحة
وأشار القائم بأعمال
سفارة الحكومة السورية المؤقتة لدى الدوحة، إلى أن "عدد الضحايا في شمال غرب
سوريا بلغ نحو 4525 ضحية، وبلغ عدد الجرحى 8424 مصابا، مع تقديرات تؤكد وجود عدد
غير معلوم من الضحايا تحت الأنقاض. أما فيما يتعلق بالأبنية المُدمّرة، فقد بلغت
حوالي 9889 مبنى ما بين مُدمّر كليا أو جزئيا، وبكل أسى ما تزال الإحصائيات جارية".
وأوضح أن بعض التقارير
أفادت بأن حوالي 40 ألف أسرة نزحت داخل مجتمعاتها المحلية، وهناك ما لا يقل عن 50
ألف أسرة بحاجة إلي خيم أو ملاجئ طارئة، وتشير التقديرات إلى وجود ما لا يقل عن 3
ملايين شخص تضرروا من الزلازل في مناطق شمال سوريا، وتضرر ما لا يقل عن 52 مرفق
صحي بصورة كلية أو جزئية. علاوة على ذلك، فإن ما لا يقل عن 270 مدرسة تضررت من
الزلازل".
وأردف: "نتيجة
لهول الزلزال، الذي جاء بعد سنوات طويلة من القصف والتهجير، فإن هناك حاجة كبيرة
للدعم النفسي؛ حيث أصيب العديد من المدنيين بانهيارات عصبية، ويزيد التأثير على
الأطفال والنساء وكبار السن الذين يعانون من الصدمة الشديدة والذعر"، موضحا
أن "هناك زيادة في أسعار المواد الغذائية في إدلب ومحيطها، مع انخفاض توافر
دقيق القمح".
وقال: "أما
بالنسبة للسوريين في تركيا، فإن ما دمره الزلزال للسوريين لا يقتصر على الأبنية
والخسائر في الأرواح؛ إذ دمر الزلزال فرص عمل لأكثر من 70 ألف أسرة سورية في
هاتاي، ودمّر منظومة اقتصادية أوجدها السوريون في تركيا، والتي كانت توفر مصدر دخل
لآلاف الأسر وخاصة من ذوي الدخل المحدود، ودمّر فرص امكانية دعمهم لذويهم في
الداخل السوري".
وأضاف: "كما دمّر
الزلزال عشرات مراكز الخدمات المخصصة للاجئين المقيمين بنظام الحماية المؤقتة
(مستوصفات، مراكز دعم نفسي، مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة). لذلك، فإن الزلزال
يُشكّل تحديا كبيرا أمام أكثر من 60 ألف أسرة لإيجاد مسكن بالإيجار في أماكن
النزوح حيث تضاعفت أجور السكن كثيرا".