عام 1907 نشر الكاتب الفرنسي الشهير موريس لبلان رواية بعنوان
"أرسين لوبين اللص الظريف" لتبدأ بعدها سلسلة من القصص والروايات تحول
كثير منها إلى أفلام ومسلسلات وتمت ترجمتها إلى العديد من اللغات منها العربية.
أرسين لوبين اللص الظريف الشهم النبيل الذي لا يسرق من أجل المال أو
طمعا في الثراء وإنما كانت مغامراته في السرقة كلها متعلقة بسرقة الأغنياء من أجل
عيون الفقراء والمحتاجين وتعقب الجناة وتقديمهم للعدالة.
في محافظة الدقهلية، تقمص مواطن
مصري شخصية أرسين لوبين، فقام بسرقة
أكثر من مائة ألف جنيه مصري من أحد محال البقالة الكبيرة ولكنه فعل أمرا عجيبا،
اشترى الرجل بقرتين وأرزا ثم ذهب إلى فقراء قريته فأطعمهم وسقاهم ووزع عليهم من
الطعام ما أسعدهم وسد جوعهم، تبقى مع الرجل ألف جنيه مصري، اعتقلته الشرطة فاعترف
بما قام به والآن تجري محاولات لإقناع الشرطة وأصحاب محال البقالة بإطلاق سراحه
لنبله ولما فعله تجاه فقراء قريته.
على مسافة قريبة من تلك الواقعة، حدثت عملية سطو مسلح على مكتب
البريد الملاصق لقسم الشرطة في مدينة دمياط الجديدة، ثم انتشرت مشاهد الاستيلاء
على كراتين مواد غذائية في محافظات مصرية مختلفة.
" أنا لو شفت الناس بتسرق هسرق معاهم"
عبارة صادمة، قالها لي أحد المصريين في مداخلة هاتفية عبر برنامج آخر
كلام على شاشة "مكملين"، الرجل كان يشكو ضيق الحال وارتفاع الأسعار ثم
صدمني بما ينتوي فعله وهو السرقة بسبب
الفقر، الرجل يؤمن تماما بأنه لم يتبق له
غير هذا الطريق، قال لي إن هذا حقه، النظام حرمه من كل شيء وجعل حياته مستحيلة ولم
يعد أمامه إلا السرقة.
السرقة محرمة في كل دين، مجرمة في كل قانون، ولكن ما يحدث في مصر
الآن يطرح سؤالا أبعد من هل نطبق القانون أم لا، أو البحث في نوايا السارق عله
أرسين لوبين جديد يسرق من أجل الفقراء، السؤال المهم الآن هو من الذي أوصل
المصريين لهذه الحالة البائسة من فقر وجوع وقلة حيلة ودفعهم للسرقة؟
إجابة السؤال ربما نجدها فيما قام به عمر بن الخطاب إبان عام الرمادة،
فقد اشتد الجوع والقحط واتسعت رقعة المجاعة حتى بلغ الأمر مداه، فعطل أمير
المؤمنين تنفيذ حد السرقة حتى تنجلي هذه الغمة عن الناس الذين تحولوا إلى فقراء
يسرقون من أجل الحياة أو خوفا من الموت جوعا وهو حال يشابه إلى مدى بعيد ما يعيشه
فقراء الشعب المصري الآن.
الحاكم مسؤول بشكل مباشر عن غنى الناس أو فقرهم، والحال في مصر أن
السيسي لا يحرك ساكنا أمام اتساع رقعة الفقراء في مصر، الرجل يقف موقف المتفرج أو
إن شئت القول موقف المتواطئ السعيد بفقر الناس وجوعهم واحتياجهم لرغيف الخبز فربما
كان ذلك شاغلا لهم عن أي مطالبات سياسية أخرى.
فقراء مصر الآن منهم من يبحث عن فتوى تبيح السرقة ومنهم من يبحث عن فتوى تبيح الانتحار، منهم من ينتظر أرسين لوبين جديد يسرق ليطعمه وأطفاله ومنهم من باتت حياته تتلخص في كلمتين "قهر الرجال".
أخبرني أحد المتصلين أنه يمشي في الشارع برفقة طفله الصغير وهو يخشى
لحظة إعلان الطفل رغبته في الطعام لأنه جائع، يعيش الأب لحظات قلق بالغ وفزع مستمر
فماذا لو اشتهى طفله طعاما، البيضة بخمسة جنيهات، الطعمية بخمسة جنيهات، ارتفع سعر
الفول، طبق الكشري تجاوز حاجز الخمسين جنيها، اللحوم والدجاج والأسماك باتت دربا من
دروب الخيال، أرجل الدجاج يتضاعف ثمنها في الأسبوع مرة أو مرتين، يتألم الأب من
داخله ويتمنى لو انتهى عمره قبل أن يعيش لحظة قهر وعجز كهذه أمام ولده الصغير.
حالة هذا الأب لم تختلف عن حال سيدة مصرية وزوجها لديهما طفلة لم
يتجاوز عمرها سبعة أشهر، لا يجد زوجها عملا، ضاقت عليهم السبل حتى فكرا أن يبيعا
كليتيهما لعل هذا يأتي ببعض المال والطعام والشراب، لم يتوصلا لنتيجة فقررا
الانتحار، نعم كما قرأت، قررا الانتحار وراسلتني هذه السيدة تسألني عن فتوى شرعية
تبيح انتحارها وزوجها لضيق ذات اليد.
فقراء مصر الآن منهم من يبحث عن فتوى تبيح السرقة ومنهم من يبحث عن
فتوى تبيح الانتحار، منهم من ينتظر أرسين لوبين جديد يسرق ليطعمه وأطفاله ومنهم من
باتت حياته تتلخص في كلمتين "قهر الرجال".