مع شديد الأسف
والأسى، هناك في القرن الواحد والعشرين من لا يفرق بين قيمة الاحترام والإعجاب
ويتجاوزها إلى
التقديس والتبجيل، مما يدعونا إلى الشفقة على هؤلاء ووعيهم المفقود.
ولكن لكي نكون منصفين فالمسألة ليست بالبساطة التي يعتقدها البعض.
فصناعة الصنم تتداخل
فيها قوى مختلفة، وتخدمها أيضا لحظة راهنة بعينها ومزاج مجتمعي مهيأ ومستعد لاستقبال
البرمجة التي ستوجهه وتجعله يتقبل الصنم عن طيب خاطر، سواء كان هذا الصنم في
السياسة أو الفن أو الصحافة، وما إلى ذلك من حقول التعبير المختلفة التي تخاطب وعي
ومزاج الجماهير العريضة وتؤثر فيه وتوجهه.
وسنضرب مثلا هنا
بالفن نظرا لأن هذا مجال كاتب السطور. لفت انتباهي خبر قامت الدنيا له ولم تقعد،
فقد خرج علينا المخرج الكبير جمال عبد الحميد في أحد البرامج التلفزيونية، وذكر أن
عادل إمام -مع حفظ الألقاب للجميع- أكلت الغيرة قلبه من تفوق الفنان رياض الخولي
عليه في طيور الظلام، مما اضطر الأول لاستخدام نفوذه لدى المنتجين والموزعين
لعرقلة الخولي سينمائيا.
وقد نزل هذا
التصريح كما الصاعقة على رؤوس حملة المباخر ومحترفي التقديس والتبجيل، فكالوا ما كالوا
لجمال، وذهبت فرق أخرى للتبرير والتشكيك من الأساس.
وفريق آخر كان أن
صرح بأنه فوق الأخطاء ولا ينطق عن الهوى، إلى آخر هذا الهراء الذي يوضح -بما لا
يدع مجالا للشك- كم الدمار والتجريف الذي أصاب عقل الناس من جراء الحشو المستمر
لعقولهم، كما أنهم لا يفهمون ولا يريدون أن يفهموا، أن كل الأشياء قابلة للنقد
والفحص العقلي السليم، وأنه لا غضاضة أبداً أن أعجب بنجم أو زعيم سياسي أو.. أو..
وانتقاده في نفس الوقت، فالمسألة ليست خيرا مطلقا ولا شرا مطلقا، ولا يصح أن تكون
كذلك.
ولعلي يحضرني هنا
مثال صارخ على إلغاء الوعي وتجييش قيمة التقديس لصاحبها، هي قصيدة كلب الست، وهي
القصيدة التي أبدعها أحمد فؤاد نجم على واقعة حقيقية لعضة كلب أم كلثوم لأحد
المارة وكان من المراهقين، وألحق به ضررا، ولسوء حظه من الفقراء، ولا حول له ولا قوة،
وعليه فقد تم منح تعويض رمزي لهذا المراهق لا يتناسب مع خسارته البدنية، ولكن لأنه
كلب الست، فلا نقاش ولا حساب.
وتاريخنا ممتلئ
بهذه الأمثلة المخزية لعبادة الفرد والتقديس المضحك. ولكني من هنا، أقول لهؤلاء
لقد انتهت عبادة الأصنام بأنواعها سواء من حجر أو حتى عجوة. فأرجوكم دعونا نسمي
الأشياء بمسمياتها الحقيقية، وكفانا عبادة أصنام من عجوة.