اعتاد المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية،
ساميويل وربيرغ، على استقبال أسئلة صحفية تتعلق بالأوضاع السياسية الملتهبة في المنطقة، ولكننا لم نشاهده في حوار شخصي للحديث عن نفسه وعمله وحياته.
"عربي21"، كسرت المألوف وأجرت حوارا شخصيا مع وربيرغ، بهدف التعرف عليه عن قرب، وسبب تعلمه
اللغة العربية التي يتقنها بشكل جيد.
ووربيرغ وفي مستهل حديثه لـ"عربي21" أكد أن الصدفة قادته للحياة في المنطقة العربية وتعلم اللغة العربية، حيث توجه للمنطقة عبر منظمة هيئة السلام الأمريكية التطوعية، معبرا في الوقت ذاته عن "عشقه" للمغرب وطعامه، وأنه يحفظ الكثير من الكلمات باللهجة
المغربية.
ولفت إلى أنه شاهد بعض أفلام السينما المصرية، مثل "احنا بتوع الأتوبيس، والكرنك"، حينما كان يعمل ويعيش في القاهرة، حيث كان يدعوه أستاذه المصري لمشاهدة هذه الأفلام للتعرف أكثر على الثقافة العربية واللغة.
وتاليا نص الحوار:
هل تعرفنا عليك أكثر وتكشف لنا جوانب من شخصيتك؟ وحياتك العلمية والعملية؟
بداية شكرا على الاستضافة وعلى هذه الفرصة، خاصة أن كثيرا من المقابلات والنقاشات دائما ما تركز
على ملفات سياسية، وفعلا فرصة رائعة جدا لنتكلم حول جانبي الشخصي وعن حبي للغة العربية.
بالطبع أنا دبلوماسي أمريكي من مدينة نيويورك، كبرت في هذه المدينة ودرست علم الاجتماع في جامعتها، ومن بعدها درست ماجستير مكتبات ومعلومات، وبعد التخرج عملت في أمريكا أمين مكتبة.
كان عندي رغبة في السفر، ولذلك سافرت إلى المغرب وأماكن أخرى، وبعدها دخلت وزارة الخارجية كدبلوماسي، وطبعا ليس لدي أصول عربية ولكن بالصدفة تعلمت العربية، وبعد سنوات أصبحت متحدث الخارجية الأمريكية باللغة العربية.
كيف تعرفت على اللغة العربية، وكيف تعلمتها؟
قصتي غريبة نوعا ما، فأنا لم أدرس اللغة العربية كتخصص أو شؤون الشرق الأوسط أو الأدنى كما بقية زملائي في الخارجية، فهم درسوها بالكلية أو الجامعة، وإنما كان لدي رغبة بالسفر ورؤية العالم وأن يكون لي علاقات بأشخاص بدول عدة، ولكن لم يكن لدي المال الكافي لتحقيق هذه الرغبة.
ولذلك بحثت عن الفرص التي تحقق حلمي بالسفر، ووجدت فرصة عبر مؤسسة أمريكية اسمها "Peace Corps" هيئة السلام، وهي مؤسسة أسسها الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي في ستينيات القرن الماضي، تُرسل متطوعين إلى كافة أنحاء العالم وخاصة البلدان النامية.
وبالتالي كانت هذه أول مرة أسافر فيها وأركب طائرة عبر هذه المؤسسة، وسافرت خلال رحلتي الأولى إلى المغرب عام 1997، واشتغلت هناك في كلية الآداب والعلوم الانسانية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله في مدينة فاس.
وفي ذلك الوقت لم أكن أعرف اللغة الفرنسية، وبالمقابل لم يكن هناك الكثير ممن يتحدث الانجليزية في المغرب، ولهذا درست وتعلمت اللهجة المغربية، وبذلك كانت أول تجربة لي مع اللغة العربية عبر اللهجة المغربية الدارجة، والتي كنت أتواصل من خلالها مع موظفي وطلاب الجامعة.
أتيت على ذكر اللهجة المغربية، وهي واحدة من لهجات العالم العربي، فهل حدثت معك مواقف طريفة بسبب اختلاف اللهجات العربية، كذلك هل تقول لنا بعد كلمات الدارجة المغربية؟
نعم، نعلم أن المغاربة مثلا يقولون بعض الكلمات في بداية الحوار، مثلا لا باس عليك، ومزيان وعائلة لا باس وغيرها من الكلمات، وأنا أحب هذا التبادل بين الناس، الكلمات بسيطة ولكنها مهمة لبناء العلاقات بين الناس، وهي رمز للعلاقات القوية والاستضافة لدى المغاربة، ويمكن أن تجد نفس الشيء في كل الأماكن.
وانا أحب أن أتعلم كيف أقول "كيف حالك؟" بعدة لهجات أو لغات، فمثلا بالمغرب لا باس عليك، بمصر عامل ايه وفي الخليج شلونك، ومن المواقف الطريفة حينما عملت أول مرة بالكويت، التقيت بصديق كويتي وقال لي شلونك، فقلت لها، شلوني مش عارف!، أنا أبيض، كان الأمر غريب، ولكن يجب أن نعرف كل هذه العبارات.
كذلك من المواقف الطريفة، في يوم سافرت إلى ليبيا، وقال لي شخص شنوجو، فحين سمعتها ظننت أنني وصلت مطار بكين، ولكن تبين أنه يقول شنو الجو، بمعنى كيف الحال عامل ايه، إذن هناك بعض الأشياء جميلة جدا خاصة عندما نفهم الاختلافات والتنوع بين اللهجات في اللغة العربية.
كيف أثرى هذا التنوع في اللهجات رصيدك اللغوي العربي؟
أولا يجب أن ندرك عمق اللغة العربية وكيف نستخدمها نحن كمتحدثين أجانب، فهي لغة بنيت على بعض النصوص الدينية والشعر والأدب منذ أكثر من 1500 سنة، إذن هذه نقطة مهمة لا أنساها أبدا، لأنه يجب أن ندرك أن هذه اللغة لديها تراث وتاريخ طويل جدا أقدم من استخدام اللغة الإنجليزية في عدة بلدان كأمريكا وبريطانيا وأستراليا، أيضا بعض النصوص الإنجليزية مثل أعمال شكسبير كُتبت في القرن الخامس عشر، بينما النصوص باللغة العربية جاءت منذ أكثر من ألف سنة.
لذلك يجب أن ندرك أهمية ذلك وأهمية هذه المكتبة التي تحتوي على النصوص الأدبية والدينية، وعندما أعمل مقابلة تلفزيونية يجب أن تكون بالفصحى وعالية جدا، ولكن يجب أن أدرك أن المذيع المقابل لي هو من مكان عربي ما، ممكن يكون ليبي أو مصري أو عراقي أو أردني، وهو يتكلم في بيته بلهجته ولكن نحن نتواصل سوية نتكلم بالفصحى، ولذلك يجب أن أدرك أن هذا الإعلامي لديه لغتين الفصحى ولهجته الدارجة.
على ما يبدو لديك عشق خاص للمغرب، ما هي الأكلة المغربية المحببة لك، كذلك ما الأكلة التي تحبها في المشرق العربي؟
ليس هناك أي أكلة مغربية لا أحبها، فأنا أحب كل أنواع الأكل المغربي مثل الكسكسي والطاجن والباسطية والحريرة وكل الحلويات، وأنا أشجع المتابعين على قضاء شهر رمضان في المغرب، فالجو الرمضاني في المغرب جميل جدا، خاصة كيف يتناول الناس وجبة الإفطار في الشوارع وحديثهم وجلوسهم سوية، وليشاهدوا ما تحتويه مائدة الإفطار الرمضانية هناك، مثل الحريرة وبعض الحلويات مثل الشباكية كما نسميها في المغرب، وأنا أحب كل هذه المأكولات.
وفي نفس الوقت عشت وعملت أربع سنوات في مصر، وأحب الأكل المصري مثل الفول والطعمية والكشري والملوخية، كذلك أحب الأكل في الخليج مثل المسقوف وبعض أنواع السمك، وأنا أحب الأكل بشكل عام.
ما رأيك بالتراث العربي الإسلامي، وما الذي جذبك وشدك إليه أكثر؟
كما كنا نتحدث عن اللغة العربية وعمقها وأصلها، وعندما نشير لهذه النصوص الدينية والشعر والأدب، هناك بعض المعالم التي نجدها في كل بلد عربي، فمثلا في المغرب كنت أزور مسجد القيروان في مدينة فاس، وكذلك مساجد أخرى تجدها في أكثر من مكان.
ويجب أن ندرك أن بصمة وتأثير الحضارة العربية والاسلامية لا تقتصر على هذه المنطقة فقط، فحينما تزور غرناطة أو الحمراء أو أماكن أخرى، أو مثلا حينما تزور بعض الأماكن في القارة الأفريقية، ندرك أهمية هذه الحضارة وأن تأثيرها واسع جدا ولا يتركز فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
خلال انشغالك بعملك السياسي، هل تجد الوقت لمشاهدة الفن العربي، وماذا تتابع؟
منذ سنوات وصلت لمستوى في اللغة العربية يمكنني من البدء بقراءة بعض الروايات لنجيب محفوظ مثلا، أو الشعر مثل شعر نزار قباني والمتنبي، أما الموسيقى فأنا أحب جميع أنواع الموسيقى العربية وشخصيا أعزف على الجيتار، ونعم أحب وأسمع الموسيقى العربية الحديثة مثل عمرو دياب ونانسي عجرم، ولكنني رجل تقليدي، لذا أفضل مثل أم كلثوم وفيروز.
وفيما يخص الافلام العربية فهي مهمة جدا، وعندما كنت أعيش في مصر كان لدي أستاذ ذكي جدا، وكان يقول لي أنه سيعطيني فيلم جديد كل نهاية أسبوع ويجب أن أشاهده، وفعلا اتبعت نصيحته، ولهذا كنت أشاهد كل أسبوع فيلم من الأفلام المصرية المهمة.
وعموما أحب الأفلام المصرية جميعها، ولكن أفضل القديمة أكثر، مثل أفلام ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كفيلم إحنا بتوع الأتوبيس والكرنك، فهذان الفيلمان جذبا انتباهي إلى عمق القصة والرسائل التي تحتويها.
أخيرا كيف تصف تجربتك في المنطقة العربية وتعامل الناس معك؟
أنا أشعر أنني جزء من هذه المنطقة وأنها جزء لا يتجزأ مني، وكما قلت أنا أمريكي من نيويورك، ولم يكن لدي فكرة أنني سأعيش في هذه المنطقة وأقيم فيها مدة 25 عاما، وأنني سوف أصبح المتحدث باسم وزارة الخارجية باللغة العربية، فالأمر جاء بالصدفة.
وهنا أتذكر أبيات شعرية للمتنبي، وهي "ما كل ما يتمنى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"، وفعلا هذه هي قصة حياتي، بالنسبة للغة العربية وعملي كدبلوماسي، وأنا أعتقد أن هذه المنطقة هي بمثابة بيت ثاني لي، وأشعر بالراحة في جميع بلدانها.
إذن لا يمكن القول أنك تشعر بغربة قاسية في المنطقة العربية؟
بالضبط، فعلا أنا لا أشعر بغربة، بالمقابل أحيانا حينما أزور أماكن أخرى مثل آسيا أو أوروبا أشعر بغربة، خاصة أنني عشت فترة في فاس، وهي مدينة قديمة وفيها شوارع و"زنقة صغيرة"، ولذا أشعر بالراحة خاصة في السوق القديم ورؤية بائعة الخضار والفواكه في الشوارع، حينها أشعر أنني في بيتي.