سياسة تركية

"أوقات حرجة".. ما تأثير زلزال تركيا على علاقات أنقرة الخارجية؟

عقد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو 23 لقاء وجها لوجه وأكثر من 70 اتصالا هاتفيا وكانت معظم اللقاءات والاتصالات مع نظرائه- الأناضول
سارعت العديد من الدول في لعب دور فاعل إزاء الزلزال المدمر الذي ضرب الجنوب التركي، ما يثير التساؤل حول تأثير ذلك على العلاقات الخارجية بين أنقرة وتلك البلدان إقليميا.

وعقد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو 23 لقاء وجها لوجه وأجرى أكثر من 70 اتصالا هاتفيا، وكانت معظم اللقاءات والاتصالات مع نظرائه.

والتقى تشاووش أوغلو وزراء خارجية: جمهورية شمال قبرص التركية، وأذربيجان، واليونان، وغينيا الاستوائية، وليبيا، و"إسرائيل"، والبوسنة، والهرسك، وأرمينيا، والأردن، وكوستاريكا، والولايات المتحدة ولبنان، وشمال مقدونيا.

كما أنه عقد لقاءات مع ممثلي منظمات دولية ودبلوماسيين رفيعي المستوى، من بينهم: الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، والأمينة العامة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا هيلغا شميد، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه.

وكان لافتا حجم المساعدات الخليجية، لاسيما السعودية والإماراتية، لمتضرري الزلزال، رغم حداثة تطبيع العلاقات بينها وبين أنقرة.

ووفقا لآخر الإحصائيات، فقد أرسلت السعودية 12 طائرة مساعدات وفرق بحث وإنقاذ، وثلاثة آلاف منزل مسبق الصنع إلى تركيا وسوريا، فيما وصل حجم المساعدات من التبرعات إلى 115.4 مليون دولار أمريكي.

وأمر رئيس الإمارات محمد بن زايد، بتقديم 50 مليون دولار للمتضررين من الزلزال في تركيا، كما جرى إرسال 42 طائرة شحن محملة بالمساعدات إلى تركيا. وتبرعت والدة الرئيس الإماراتي الشيخة فاطمة بنت مبارك، بـ13.6 مليون دولار للمتضررين من الزلازل، لدعم حملة "جسور الخير" التي أطلقت لصالح المتضررين جراء الزلزال.

وكان لافتا الاستجابة اليونانية السريعة للزلزال، فقد تلقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالا هاتفيا من رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، فيما كان وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس أول دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى يجري زيارة تضامنية إلى تركيا، وقد تفقد الدمار في ولاية هاتاي برفقة نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو.

كما أنه تم فتح الحدود البرية مع أرمينيا لأول مرة منذ 35 عاما للسماح لشاحنات المساعدات الأرمينية بالدخول إلى تركيا.

وأجرى وزير الخارجية الأرميني آرارات ميرزويان، زيارة تضامنية إلى تركيا في 15 شباط/ فبراير الجاري، أكد خلالها رغبة بلاده في إحلال السلام بينها وبين تركيا وتطبيع العلاقات بشكل كامل بينهما.

والاثنين، وصل وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى تركيا، والتقى نظيره تشاووش أوغلو، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 10 سنوات، رغم تباطؤ التطبيع بين البلدين.

وفي لقاء مع نظيره شكري قال تشاووش أوغلو: "الصداقة والأخوة تظهران في الأوقات الحرجة، ومصر حكومة وشعبا أظهرت أنها صديقة وشقيقة لتركيا في هذه المحنة، لذا فنحن نشكرها مجددا".

المختص التركي في العلاقات الدولية أوفوك نجات تاشجي، ذكر أن تركيا في أوقات الكوارث حاولت تقديم المساعدات للدول وتنحية المشاكل الثنائية التي كانت تواجهها معها جانبا، وبالمثل بعد الزلزال المدمر جنوب البلاد اتبعت كافة الدول النهج ذاته.

ورأى نجات تاشجي في حديثه لـ"عربي21"، أن الشعب التركي والحكومة لن ينسوا الدول التي وقفت معهم في هذا الوقت العصيب.

الخبير التركي مته ساهتا أوغلو، أكد أن السياسة الداخلية والخارجية في تركيا يرتبطان بشكل مباشر ببعضهما البعض، ويبرز ذلك بشكل أكبر في عام الانتخابات.

وأشار في حديث لـ"عربي21"، إلى أنه رغم "دبلوماسية الزلزال" فإنه لا ينبغي توقع تطور سياسي كبير على صعيد العلاقات الخارجية قبل الانتخابات التركية.

المحلل السياسي التركي أومر توغاي يوغال، أكد لـ"عربي21" أن الزلزال الذي تعرضت له تركيا يعد من أكبر الكوارث في القرن الحادي والعشرين، وفي هذه العملية الصعبة، تود تركيا أن ترى أصدقاءها وحلفاءها إلى جانبها، لكنها أيضا شعرت بخيبة أمل من البعض في هذا الصدد.

خيبة أمل تركية من الغرب وأمريكا
وأوضح توغاي يوغال في حديثه لـ"عربي21"، أنه بعد 11 يوما من الزلزال، تمكن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرغ، من الوصول إلى تركيا، ورغم معاناة الشعب التركي جراء الكارثة، فإنه أثار مسألة عضوية السويد وفنلندا إلى الحلف.

ولفت إلى أن غالبية المساعدات من الناتو وصلت إلى تركيا بعد أسبوعين من الزلزال، كما أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لتركيا أيضا جاءت بعد أسبوعين من وقوعه، مضيفا أن تركيا تتمتع بعلاقة استراتيجية عميقة وطويلة مع الغرب، ولكن مسؤولي الولايات المتحدة التي تعد أقرب الحلفاء تذكروا الزلزال بعد نحو أسبوعين.

وقلل توغاي، من حجم فرق الإنقاذ أو المساعدات القادمة من الناتو والولايات المتحدة، مشيرا إلى أنها قليلة رغم تصوير وسائل إعلام تركية أن المساعدات تأتي من الغرب فقط، مشيرا إلى أن المساعدات الأكثر فاعلية كانت من الصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا و"إسرائيل" واليابان وباكستان والدول العربية.

وتابع بأن الشعب التركي أو الحكومة لم يبديا أي تفهم تجاه الولايات المتحدة أو الناتو في طرح قضايا تتعلق بالسويد وفنلندا والحرب الأوكرانية والتطبيع مع سوريا في أصعب الأوقات التي تمر فيها تركيا، وهذا يدلل على حجم الضغط الممارس على أنقرة.

وأضاف: "كالعادة يقدم حلفاؤنا الغربيون الطلبات الخاطئة في الوقت الخطأ"، ولذلك يمكن القول إنه في هذه العملية فإن العلاقات التركية مع الولايات المتحدة و"الناتو" لن تتطور في اتجاه إيجابي.

هل موقف اليونان الإيجابي يسهم في تطوير العلاقات مع تركيا؟
وفي رده بشأن الاستجابة اليونانية للزلزال في تركيا، أوضح الخبير التركي أن حجم المساعدات الإنسانية التي قدمتها أثينا شكلت نمطا وكأن العلاقات مع أنقرة تمر بشكل إيجابي لكن الواقع يختلف عن ذلك.

وأوضح أن العقلية اليونانية مليئة بالهواجس الأيدلوجية والتاريخية، وإدارة أثينا ليس لديها رؤية في قراءة واقع القرن الحادي والعشرين، وقد شهدت العلاقات التركية اليونانية تجربة مماثلة بعد زلزال عام 1999، والنتائج أظهرت أنه لن يتغير شيء.

وأضاف أن اليونان اليوم تتخذ إجراءات متطرفة ضد تركيا وبدعم من دول في الناتو مثل الولايات المتحدة وفرنسا، ورغم علاقة التحالف مع تركيا من هذه الدول، إلا أن الغرب في ما يخص العلاقات التركية اليونانية لا يأخذ بعين الاعتبار أطروحات تركيا.

وتابع بأن اليونان تحولت إلى قاعدة استخبارات عسكرية عملاقة للولايات المتحدة، كما أنها أنشأت اتفاقية دفاع مشترك مع فرنسا.

وأشار إلى أن العقلية العسكرية والسياسية للغرب تعمل على بناء خط دفاع شمالي جديد بدءا من اليونان، يستثني تركيا، وتعمل على كسر نفوذها كدولة مركزية ذات قوة إقليمية.

حجم مساعدات كبير من دول الخليج.. هل تتطور العلاقات؟
الخبير التركي نجات تاشجي في حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى أن عملية تطبيع معمقة مع دول الخليج بدأت بشكل فعلي قبل الزلزال المدمر.

وأشار إلى أن العلاقات مع قطر كانت على مستوى عال للغاية، وستتواصل بذات النهج بعد الزلزال، مشيرا إلى أن مسار التطبيع مع دول الخليج الأخرى سيتخذ منحى إيجابيا.

ولفت إلى أن تركيا ستكون منشغلة كثيرا بشؤونها الداخلية، وستعمل على الابتعاد عن التوترات الإضافية في السياسة الخارجية، فهناك حاجة إلى فترة تعاف لا تقل عن عامين أو ثلاثة، وميزانية بمليارات الدولارات لإعادة إحياء المدن المدمرة.

الخبير التركي مته ساهتا أوغلو، رأى لـ"عربي21" أن "دبلوماسية الكارثة" لن تضع حلولا شاملة في العلاقات الخليجية التركية، لكنها ستخلق مساحة حوار جديدة.

وأوضح أن الزلزال قد يسهم في تنشيط بيئة الأعمال الخليجية التركية مع زيادة الطلب على مواد البناء والآلات وغيرها، مع بناء المدن الجديدة، مع المساهمة في تمكين الاقتصاد التركي من التعافي من أثار الكارثة.

ولفت إلى أن المدن الـ11 التي ضربها الزلزال والتي تشكل 15 بالمئة من مساحة تركيا، برزت بعلاقات تجارية قوية مع الدول العربية لاسيما العراق ودول مجلس التعاون الخليجي.

وأكد أن دول الخليج ستواصل بعد الزلزال تعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية مع أنقرة كما كان قبله.

هل تفتح الاستجابة الإسرائيلية للزلزال تقاربا في العلاقات مع حكومة نتنياهو؟
الخبير ساهتا أوغلو رأى أن تطبيع العلاقات بين تل أبيب وأنقرة يتقدم بشكل جيد في الوقت الحالي، لكن هناك عائق يحجب تطويرها بسبب أنشطة حركة حماس المتواصلة في الأراضي التركية.

ورأى أن مساعدة تل أبيب لتركيا في الزلزال، ستقوي العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين، وسيكون ذلك مصدر قلق كبير للسلطة الفلسطينية وحركة حماس.

وأوضح أن السلطة الفلسطينية تخشى أن تحسن "إسرائيل" صورتها أمام العالم من خلال الاستفادة من المساعدات التي قدمتها لتركيا، وتقديم نفسها على أنها جهة تقدم المساعدات الإنسانية لكل البلاد المنكوبة، وتريد استثمار ذلك عبر تركيا.

ونوه إلى أن شهر رمضان حيث ستتزايد الحوادث الأمنية في القدس والضفة الغربية، والموقف التركي تجاهها سيشكل اختبارا جادا في العلاقات بين تل أبيب وأنقرة.

الخبير التركي نجات تاشجي، ذكر أن عملية التطبيع في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب تباطأت في عهد نتنياهو، والحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادته كانت تبحث عن فرصة لإصلاح العلاقات مع تركيا عبر الاستجابة الإنسانية للزلزال، وهذا يشكل أرضية إيجابية للجانبين لاستئناف الحوار، لكنه رأى في الوقت ذاته أن المقاربة الإسرائيلية تشبه اليونانية في تعاملها البراغماتي مع الزلزال.

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع