لم تعد مواقف اليمين الفاشي الاسرائيلي تعيش في الظلمة كما كانت في المعارضة، بل إن أقطابها وصلوا إلى مناصب رفيعة تسمح لهم بالتصرف لتحقيق رؤيتهم
العنصرية ضد
الفلسطينيين، وعلى رأسهم وزير المالية بيتسلئيل
سمورتيتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية المتطرف، بجانب مجموعة الفاشيين التي تقود سياسة الحكومة، مثل إيتمار بن غفير وياريف ليفين، وهم ماضون في تحقيق رؤيتهم الاستراتيجية التي أعلنوها في السنوات الأخيرة، ولا يبدو أنهم يبتعدون عنها.
ولدى سموتريتش ورفاقه رؤية استراتيجية واضحة وطويلة المدى، وقد صرحوا بها علناً، وكتبوها، وكرروها مرات لا تحصى، ولذلك لم يكن تصريحه العنصري بوجوب محو قرية حوارة الفلسطينية زلة لسان، بل تعبير حقيقي عما يجول في خاطره من أفكار دموية تجاه الفلسطينيين، بدليل أن جذوره السياسية منذ فترة طويلة قادمة من منظمة إرهابية يهودية تسمى "فتيان التلال".
ليئور أكرمان الضابط السابق في جهاز الأمن العام- الشاباك، أكد أن "سموتريتش انخرط في السياسة المحلية، والسيطرة على الصهيونية الدينية، وقد نشر في مجلة "حشيلوح" ما وصفها بـ"خطة الحسم" لحلّ الصراع مع الفلسطينيين، بحسب تخيلاته بالطبع، ونصّت الخطة أن إسرائيل يجب ألا تستمر في "إدارة الصراع" معهم، بل تقديم ثلاثة بدائل أمامهم، أولها مغادرة فلسطين المحتلة، وثانيها العيش فيها بوضع "مقيم"، لأنه حسب الشريعة اليهودية يجب أن يكونوا أقل شأناً، وثالثها إذا رفضوا الخيارين، فسيعرف الجيش ما يجب فعله".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
معاريف، وترجمته "عربي21" أنه "عندما سئل سموتريتش عما إذا كان ينوي قتل العائلات والنساء والأطفال، أجاب "في الحرب كما في الحرب"، مما يعني أن وزير المالية هذا، وكبير أعضاء مجلس الوزراء، والمسؤول عن الخزانة العامة والعلاقات الاقتصادية للدولة مع العالم، هو متعصب مسيحاني يعمل انطلاقا من رؤية أيديولوجية محددة لتفكيك إسرائيل بشكلها الحالي، وحلّ السلطة الفلسطينية، وربما الأردن والعراق، والتأسيس لمملكة يهوذا الكتابية حسب الشريعة اليهودية، وفقًا لحدود مفصلة في التوراة".
وأكد أن "هدف سموتريتش من خطته العنصرية هو إنشاء مملكة يهوذا، دون فصل بين السلطات، ونظام قضائي مستقل، ومفاهيم الحرية والتعددية وحقوق الإنسان، واعتبار الشاباك والجيش والشرطة معادية للجمهور، ولأنه يعلم أنه لا توجد محكمة ستسمح له بتنفيذ خطته، فإنه يعمل مع رفاقه لتحييد النظام القانوني، مع العلم أن خطته في المجال الفلسطيني تشبه المادة المتفجرة المحترقة بسرعة كبيرة".
وكشف أن "نية سموتريتش لتولي الإدارة المدنية بالضفة الغربية تنبع من رغبته بتأميم الأنظمة العسكرية فيها، لتحقيق الإلغاء الكامل للسلطة الفلسطينية، وإنشاء مستوطنات جديدة، وتجنب منح تصاريح بناء للفلسطينيين، كي يفهموا أنه لن تكون لهم دولة فحسب، بل لن يكون شعب فلسطيني، وبالنظر للطلب من الحاخام العسكري للجيش أن يكون تابعًا للحاخامات بدلاً من رئيس الأركان، فإن الجيش يفقد قيم القيادة الموحدة التي يقوم عليها، مما يساهم بشكل كبير بتفكيك النسيج الاجتماعي الهش في إسرائيل".
وحذر أنه "على صعيد العلاقات الخارجية، فإن أفعال سموتريتش تضع العالم ضد اسرائيل، فالدول الأوروبية بدأت حملة إدانات، ووقف تمويل المشاريع والاستثمارات في إسرائيل، والتهديد بمستقبل التحالف مع الولايات المتحدة، حيث تدهور الوضع معها، ووصل لمستويات لم يسبق لها مثيل، وأصدر الرئيس جو بايدن إدانة شديدة لا لبس فيها لتصريحات سموتريتش، واعتباره شخصية غير مرغوب فيها في البيت الأبيض، ولم تمنع الولايات المتحدة، بطريقة نادرة، من إدانة إسرائيل في مؤسسات الأمم المتحدة".
وختم بالقول أنه "لا يمكن إنكار أننا على شفا حرب أهلية، فالانقسام والاستقطاب الذي زرعه سموتريتش والمتطرفون الآخرون في الحكومة وصل بالفعل للشوارع بكامل قوتها، والمجتمع الإسرائيلي يقف عند مفترق طرق، واختبار وجودي حقيقي، لأن التغييرات القانونية التي تستهدف بنية النظام السياسي مناسبة جدًا لخطط سموتريتش وأصدقائه لتطبيق نوع جديد من نظام يجسد التوراة والشريعة اليهودية، خاصة العنصرية".
ما من شك أن هذه التحذيرات المتصاعدة تجعل المستقبل الذي تسير نحوه دولة الاحتلال في غياب شخص بالغ مسؤول يوقف العمليات التخريبية التي تقودها الشخصيات المتطرفة في الحكومة، يجعل الأمر مقلق للغاية، لأنه يعبّد الطريق نحو نظام سياسي اسرائيلي أقل تقدمية وابتكارية وتعددية وتسامحا، ومزيدا من الديكتاتورية العنصرية وعدم التسامح مع الأقليات والسكان المحرومين، وفي غياب اقتصاد وصناعة عالي التقنية، مما سيجعل دولة الاحتلال أمام مستقبل متخلف غير بعيد.