الكتاب: "المسألة الثقافية في الجزائر: النخب ـ الهوية ـ اللغة (دراسة
تاريخية نقدية)"
المؤلف: ناصر الدين سعيدوني
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، الطبعة
الأولى، يوليو 2021.
أصبحت المسألة الثقافية في الجزائر مجال احتكاك وتجاذب، يمكن أن
يؤديا إلى عواقب خطيرة على وحدة الجزائر مستقبلًا، ما يوجب إخضاع هذه المسألة
للتحليل، وطرح قضاياها للنقاش العلمي، بعيدًا عن المواقف العاطفية، والأدبيات
الغربية المتأثرة بمخلفات الماضي الاستعماري.
صدر عن "سلسلة قضايا" في المركز العربي للأبحاث ودراسة
السياسات، كتاب المسألة الثقافية في الجزائر: النخب ـ الهوية ـ اللغة (دراسة
تاريخية نقدية)، لأستاذ التاريخ المعاصر، د.ناصر الدين سعيدوني، الحاصل على
الدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية من كلية الآداب بجامعة إيكس-آن-بروفانس في
فرنسا. وقد جاء الكتاب في 664 صفحة من القطع المتوسط.
بدأ، سعيدوني، الكتاب، بتمهيد سعى فيه لتحديد إطار البحث، وهو
"رصد الفعل الثقافي الجزائري بسلبياته وإيجابياته، في فترة الاستقلال، مع
التركيز على رؤية نابعة من الداخل، تُثمن الإرث الثقافي الوطني، وتُفعل الرصيد
التاريخي الثقافي الجزائري، أملًا برسم صورة صادقة لواقع الثقافي الذي يتحكم اليوم
في صيرورة المجتمع الجزائري وبمآلات الدولة الوطنية الحديثة في الجزائر". ص (26)
قدم، الكاتب، نظرة في الكتابات السابقة بشأن المسألة الثقافية في
الجزائر، كما عمل على تحديد المفاهيم والمصطلحات والتعابير المحددة للمسألة
الثقافية في الجزائر، فقدم
عرض مختصر لأربعة مفاهيم وهي: الثقافة واللغة، والهوية،
والوطنية.
من صدمة الاستعمار إلى ثورة التحرير .. محاولات الإحياء وبذور الصراع
الثقافي
عالج، القسم الأول، مسألة السياسات الثقافية الاستعمارية، في
الجزائر، وما ترتب عنها من ردة فعل معاكسة، تمثلت في حركة الإحياء الجزائرية في
صورتها التقليدية والحداثية. وقد أشار، سعيدوني، إلى أهمية التعرف على الخلفية
التاريخية للمسألة الثقافية في الجزائر، في المرحلة الاستعمارية، وكذلك أثناء حرب
التحرير؛ فهذه الخلفية تحدد منطلقات المسألة الثقافية، والواقع الذي ورثته الجزائر
المستقلة.
في الفصل الأول "الاستعمار الفرنسي، وحركة الإحياء الجزائرية،
النخب التقليدية والاندماجية" درس سعيدوني، السياسات الاستعمارية وأثرها على
المجتمع وثقافته؛ إذ كان جوهر ممارسات هذا الاستعمار إلغاء الوجود التاريخي للشعب
الجزائري، وتجريده من خصوصيته بالعمل على تحطيم بنيته الاجتماعية، ومقوماته
الحضارية، وقدراته الاقتصادية.
لم تقتصر السياسة الثقافية الفرنسية المتبعة في الجزائر على مواجهة،
ومحاصرة الموروث الحضاري للشعب الجزائري فحسب، بل حاولت السلطات الفرنسية، في
بداية القرن العشرين، اتباع أسلوب الاحتواء الثقافي، بهدف استمالة بعض شرائح
المجتمع الجزائري. ويرى، سعيدوني، أن نتائج هذه السياسة الثقافية المتبعة، كانت
أثارها السلبية أشد على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، "بل كانت الجانب
الأكثر ظلامية من مخلفات الاستعمار الفرنسي، ومازالت آثارها ملموسة، حتى الآن، في
الحياة الجزائرية". ص (68)
جاء، المحور الثاني، لدراسة الأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا
الاستعماريتان، ودورهما في تفخيخ الهوية الجزائرية، حيث ألقى، سعيدوني، حزمة من
الأضواء على الخطة، التي وضعها الاستعمار الفرنسي، لتدمير الذاكرة الجماعية للشعب
الجزائري، وتحطيم انسجامه الإثني، وإنكار هويته الحضارية، من خلال إضعاف شعور
الجزائريين بانتمائهم العربي والإسلامي، ووضع أسس قومية بربرية، أرادوا لها أن
تكون مرتبطة بفرنسا فكرًا وثقافة، وقد عرفت هذه السياسة لاحقًا بـاسم
"الأسطورة البربرية".
ركز، الكاتب، على حركة الإحياء في نسختها التقليدية، في المحور
الثالث، وهي الحركة التي قام بها المصلحون الأوائل، من ذوي الثقافة الإسلامية،
والتواصل الأدبي مع حركة الإصلاح الإسلامي في المشرق. وقد كانت حركة الإحياء
التقليدية هي النواة الأصلية للحركة الإصلاحية، كما كانت حلقة الوصل بين علماء
فترة الاحتلال الأولى، الذين تعرضوا للقمع والنفي، وبين جيل الحركة الإصلاحية
المنظمة التي جسدتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بصورة خاصة.
أما حركة الإحياء في نسختها الاندماجية، فقد خصص لها، سعيدوني،
المحور الأخير من الفصل. حيث أشار إلى أن المدرسة الفرنسية في الجزائر، هي التي
أفرزت هذه الحركة. فأغلب أعضائها تعلقوا بالمُثل الفرنسية، واعتبروا أن اللغة
الفرنسية وسيلة اندماج الجزائر في الكيان الفرنسي.
في الفصل الثاني "الحركة الوطنية الجزائرية: التيارات السياسية
الجزائرية المؤسسة للمسألة الثقافية" استعرض، سعيدوني، الوضع الثقافي في
الجزائر قبل الثورة والاستقلال، وذلك بالرجوع إلى برامج التيارات السياسية
المكوّنة للحركة الوطنية الجزائرية، والتي يمكن التعرف، من خلال مواقفها المختلفة،
إلى تناقضات المشهد الثقافي الجزائري، التي أسست للانشطار والتصادم، اللذان لا
يزالان يطبعان النخب الثقافية من حيث تصورها ومنظورها الأيديولوجي إلى اليوم.
كيف فهم ديغول، الذي كان خصمًا عنيدًا للثورة، أن الحرب لا تُحسم عسكريًا، وإنما بسياسة اقتصادية واجتماعية وثقافية تؤثر في أوساط الجزائريين، أو ما يطلق عليه اليوم وصف القوة الناعمة، والتي كانت تهدف لخلق قوة متعاونة مع فرنسا انطلاقًا من التعدد الإثني، واللغوي، والاجتماعي الناتج من سيرورة التاريخ الجزائري.
بهدف الإلمام بهذه التيارات، وتحديد مكانها في المشهد الجزائري قبل
ثورة التحرير، صنّفَ، سعيدوني، توجهاتها إلى توجهين رئيسين: الأول توجّه تحرري
بتياريه الإصلاحي ووالاستقلالي، واللآخر توجه اندماجي بشقّيه الليبرالي والشيوعي.
خصص، الكاتب، محورًا لدراسة كل توجه بالتفصيل، أما المحور الثالث،
فقد استعرض فيه، سعيدوني ثلاثة حوادث لخص فيها المواقف السياسية في جزائر ما قبل
الثورة، بما لها من انعكاسات على المسألة الثقافية، وهي: المؤتمر الإسلامي (1936)،
بيان الشعب الجزائري (1943)، وحوادث 8 مايو (1945)، حيث كانت، هذه الحواث بمنزلة
محطات التقاء وافتراق في الحركة السياسية الجزائرية؛ فقد شكلت بداية إجماع جزائري
على مطالب محددة، وعكست التزامًا نسبيًا للتوجهات المختلفة بثوابت وتوجهات سياسية،
كما أنها حملت، في الوقت ذاته، بذور الاختلاف في القناعات والتصورات، والتي كان
لها أثر مباشر في الفضاء الثقافي الجزائري في جزائر الاستقلال.
في الفصل الثالث "الثورة التحريرية، وإشكالية الثورة، والثورة
المضادة" سعى، سعيدوني، لتحديد معالم الفضاء الثقافي الجزائري، وطبيعة
الفاعلين فيه من المثقفين، الذين كان لهم دور في التأثير في المشهد الثقافي، وذلك
بطرح إشكالية الثورة والثورة المضادة منطلقًا للمسألة الثقافية، بالإضافة إلى
تناول تعامل منظومة الحكم الرسمية في الجزائر مع الشأن الثقافي.
بدأ، الفصل، بمحور عن الثورة الجزائرية، وكيف رسمت هذه الثورة،
والثورة المضادة لها ملامح الجزائر المستقلة. وكيف فهم ديغول، الذي كان خصمًا
عنيدًا للثورة، أن الحرب لا تُحسم عسكريًا، وإنما بسياسة اقتصادية واجتماعية
وثقافية تؤثر في أوساط الجزائريين، أو ما يطلق عليه اليوم وصف القوة الناعمة،
والتي كانت تهدف لخلق قوة متعاونة مع فرنسا انطلاقًا من التعدد الإثني، واللغوي،
والاجتماعي الناتج من سيرورة التاريخ الجزائري.
ركز، سعيدوني، على مفهوم الثورة المضادة، التي كانت بمثابة عملية استرجاع
للماضي الاستعماري، تعاكس ما حققته الثورة من مكتسبات، لما لها من دور محوري في
رسم ملامح المسألة الثقافية في الجزائر. ولفهم دوافعها، والنتائج التي أسفرت عنها،
سعى سعيدوني، للإجابة عن عدد من الأسئلة، وهي: هل الثورة الجزائرية في أساسها حرب
استقلال لطرد الدخيل، أما إنها حرب "تحرير" من أجل بناء المجتمع، وإقامة
الدولة على أسس جديدة؟ هل استكملت الثورة عملية بناء كيان الدولة الجزائرية؟ هل
تمكنت الثورة من حسم مسألة الهوية، وتصفية تركة الاستعمار الفرنسي؟