في الوقت
الذي تشهد فيه السياسة الفرنسية الرسمية تأييدا للاحتلال في المحافل الدبلوماسية والسياسية،
فقد أرسلت سفارة الاحتلال في باريس برقية عاجلة لوزارة الخارجية في تل أبيب، حذرت فيها
من أن الصحفيين والأكاديميين الذين دعموا الاحتلال لسنوات طويلة بدأوا بالتحدث ضد
حكومته.
تتركز
الانتقادات الفرنسية على التغييرات في النظام القانوني، وعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين،
فيما ذكرت آراء إعلامية وسياسية لساسة فرنسيين أن التطرف يهدد مستقبل
إسرائيل.
إيتمار
آيخنر المراسل السياسي لصحيفة "
يديعوت أحرونوت"، كشف أن السفارة الإسرائيلية
في
فرنسا تحذر من ضعف الدعم المقدم للدولة، وفقا لبرقية أرسلها المتحدث باسمها سيمون
ساروسي لوزارة الخارجية في تل أبيب، كتب فيها أنه "في الأسابيع الأخيرة اكتشفنا
ظاهرة مقلقة للصحفيين والمحررين والأكاديميين والمعلقين الفرنسيين، المعروفين بموالاة
إسرائيل، لكنهم يعبرون عن أنفسهم بطريقة انتقادية لأول مرة، وشوهدوا وهم ينتقدون إسرائيل،
وقد جاءت معظم الانتقادات على التغييرات القانونية وعنف المستوطنين في الضفة الغربية".
وأضاف
في تقرير ترجمته "عربي21" أن "تحذير ساروسي جاء بعد أن زار رئيس الوزراء
بنيامين نتنياهو باريس بداية شباط/ فبراير، والتقى بالرئيس إيمانويل ماكرون، في أول
رحلة سياسية له منذ تشكيل الحكومة، وكشفت صحيفة "لوموند" بعد الزيارة أن
الأخير حذر ضيفه من نجاح خطته القانونية، فيما زعم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أن
"إسرائيل تنتحر"، بسبب تطرف مجتمعها الذي يهدد مستقبلها".
وذكرت
البرقية عددًا كبيرًا من الأمثلة، ومنها أن "آلان بيرشون المحرر السابق لصحيفة
"لوموند"، الوحيد المؤيد لإسرائيل فيها، نشر مقال رأي انتقد التغييرات القانونية،
وقارنه بالمجر، مع أن "لوموند" تتميز بلهجة عدوانية تجاه إسرائيل، لكن بيرشون
دأب على نشر أعمدة أسبوعية منذ سنوات يهاجم فيها مرارًا إيران والحركات الإسلامية،
بينما هو يدافع عن إسرائيل، ونشرت الصحيفة عريضة وقعها عشرات المثقفين، معظمهم يهود،
حذروا من أن النظام السياسي الإسرائيلي في خطر، وفي طريقه لأن يصبح استبداديا ماكرا وغير
ليبرالي".
أما
لوك دي باروش المحرر الاقتصادي لأكبر أسبوعية في فرنسا "لو بوانت"، وهي نظيرة
إيكونوميست في إنجلترا، فإنه "يعتبر من أكثر الأصوات انتقاداً لإيران وحزب الله
في الإعلام الفرنسي، ولا يخفي عادة تعاطفه مع إسرائيل، لكنه نشر مقالاً افتتاحياً انتقد
فيه بشدة "هجمات المستوطنين"، و"حرية العمل" التي يمنحها الجيش
الإسرائيلي لهم، وأشار إلى أعمال الشغب التي قام بها المستوطنون في حوارة قبل أسبوعين،
وتم فيها إحراق عشرات المنازل والسيارات".
وأكدت
البرقية أن "كاثرين دوبريون من صحيفة الاقتصادية " LES
ECHOS "، أحد أهم المواقع في فرنسا، ويقرؤه عدد
غير قليل من كبار الشخصيات في العالم الاقتصادي، فقد بدأت الحديث عن التغييرات القانونية،
والتأكيد على تأثيرها السلبي على الاقتصاد، وهناك عدد قليل من الصحفيين الذين كتبوا
بشكل إيجابي عن إسرائيل على مر السنين، لكنهم في الأسابيع الأخيرة غيروا الطريقة التي
يعبرون بها عن أنفسهم تجاهها".
وأوضحت
أن "ديفيد كليف الأكاديمي اليهودي الفرنسي العامل في المنظمات اليهودية، وعادة
ما يتحدث بإيجابية عن إسرائيل، فقد هاجم في صحيفة لوفيغارو ما حصل في بلدة حوارة،
وانتقد بشدة أعمال شغب المستوطنين، مؤكدا أنها مرتبطة بصعود الحكومة الجديدة، التي
تغير الأوضاع إلى الأسوأ، سواء في القضية الفلسطينية أو التغييرات القانونية".
تختم
البرقية الدبلوماسية الإسرائيلية حديثها لوزارة الخارجية بالتأكيد على أن "دعم
هؤلاء الصحفيين والأكاديميين الموالين لإسرائيل ساهم على مر السنين في تسويق صورتها
الإيجابية في فرنسا، وقد يؤدي التغيير السلبي في تقاريرهم إلى الإضرار بشكل كبير بصورتها
في فرنسا على المدى الطويل".
تتزامن
هذه البرقية الإسرائيلية مع رفض الحكومة الفرنسية استقبال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش،
الذي دعا لمحو بلدة حوارة الفلسطينية، خلال زيارته باريس الأسبوع المقبل، وقررت الحكومة
عدم إيفاد أي مسؤول حكومي رسمي للقائه، حيث ستقتصر زيارته على لقاءات مع أعضاء الجالية
اليهودية هناك، ما يكشف عن إصابة الغربيين عموما بالصدمة وهم يرون ما ترتكبه دولة
الاحتلال من جرائم ضد الفلسطينيين، وتغييرات قانونية كفيلة بتغيير وجه الدولة إلى كيان
شمولي استبدادي يتعارض مع المفاهيم الغربية الليبرالية.