الجمهور
والخطاب الشعبوي:
معظم شعوب العالم
ومنطقتنا بالذات، استرخت على العبودية الخفية بل استطابتها وتدافع عنها، وهذه
الشعوب لا تقبل التغيير بل تمجد الظالم خوفا وطمعا، وتتمنى زواله لكن لا تسعى
لذلك، بل أثبتت التجارب أن هذه الشعوب ترغب باستعادة الظالم لأنها تحس بفراغ
المظلومية، وما يتطلب رفع العجز من مسؤولية، وتستهزئ بالمصلح أو تعتبره أحيانا
خطرا عليها؛ لأنه يطالبها بأن تنفض الشعور المترسخ في النفوس بالمظلومية غير
المحددة هذه. وهي لا تعرف كيف تعيش خارج القفص، وتهاب صوت الحرية، وترى أنها
ستتحمل مسؤولية نفسها بدل أن يتحمل الظالم مسؤولية ظلمها.
إننا حتما سنجد
من يخاطب هذه المشاعر، يجتمع له جمهور غفير ويتمتع بكلامه الذي يصف مظلوميتهم ويشتم
الظالم، بل يتفنن في ضرب الأمثال، أما من يتحدث عن التطور المدني التنموي والنهضة
الحضارية، فقد تجد متسعا من المكان لتسترخي فيه بل وتنام أيضا؛ لأنه سيحدثك عن أمور
ربما تتطلب منك أمرا أصلا أنت مقرر ألا تفعله.
الخطاب الشعبوي لا
ينتج أفكارا ولا يؤدي إلى عمل بل هو انتقاد وشكوى، حيث ينفس الخطيب أو المحاضر أو
أيّا كان عن المتلقي، فيرتاح المتلقي ولا ينتج تحسينا للحال. وكنا نرى هذا في أنحاء
العالم بخطب أو محاضرات بعض الخطباء والدارسين للواقع، رغم أنهم لا يختلفون من حيث
المضمون عن أبسط الناس في تشخيصه بأكثر من الأسلوب وطريق التعبير.
الخطاب الشعبوي لا ينتج أفكارا ولا يؤدي إلى عمل، بل هو انتقاد وشكوى، حيث ينفس الخطيب أو المحاضر أو أيًّا كان عن المتلقي، فيرتاح المتلقي ولا ينتج تحسينا للحال.
الرعوية
وبث الكراهية:
نوع آخر من
الخطاب وخاصة عندما يستشعر بعض القائمين على الأحزاب أو الدين بحالة من قلق
الجمهور وأسئلة كبيرة تصعب إجابتها، خصوصا رجال الدين على المنابر والقداسات في
الكنائس، ومع غزو الإلحاد أو الهروب من الضبابية في التساؤلات إلى دين آخر، فيحتاط
البعض وخصوصا مع المغتربين في البلاد الأجنبية التي تواجه الشذوذ والمثلية، أو
السؤال عن الثقافة العامة المنقولة إلى البلاد الأخرى، مع الجهاز المعرفي
للمهاجرين، فيبدأ بضخ نوع من الانتقاد للأديان الأخرى في تلك البلاد، أو ما يحتويه
الجهاز المعرفي للمهاجرين، بكتابة تاريخ وهمي وتلقينه ليكون حقيقة عند المتلقي
وفيه كراهية لكل ما غيره، للشذوذ كخطر وليس كمرض، وللأديان في المحيط، كالإسلام مثلا،
بل يجري نوعا من التبرئة لبعض آخر من الأديان، التي لا تشكل خطرا لكسب المصداقية،
وتجنيد إحساس المظلومية معه، فتجد إنسانا جميلا مهذبا يتحول إلى كتلة بشعة عندما
يتكلم عن الآخر، بل يتحدث عن الإنسانية والمحبة، لكن ردود فعله وقوله على أي أذى، يصيب مخالفه هو رد فعل خال من الإنسانية بشع مقيت بالكراهية.
الرعوية هذه هي
من أسباب البحث عن فرص مغادرة المكان وفقدان الشعور بالانتماء، رغم الحنين الطبيعي
للوطن، ولكن بلا من يكرهه فيه.
الانتماء مسالة تأتي
ليس للأرض وإنما للبيئة ككل، ومنها المجتمع الذي تزرع فيه الكراهية دون قصد، وإنما
للمحافظة على الرعوية، وهذا أمر تحس بالأسف له عندما تطالع وسائل التواصل
الاجتماعي كتويتر وفيسبوك، وتجد أن كل المخالف شيطان رجيم، وأن الملاك هو هذا المسخ المليء
بالكراهية، وتجد هذه المسوخ من كل الأديان والطوائف لا تكاد تميزها في تطرفها عما
تتكلم هي عنه بالذم، ولكن لا تشعر بأنها تحمل ذات الصفات. فمنظومة تنمية التخلف كما
كتبت مرارا، شعارها "نحن نحب
الظلم ونحب أن نظلم، ولكن نكره الظلم حين يقع
علينا"، و"إن منع الظالم عن ظلمه يعده الظالم ظلما له".
الانتماء مسالة تأتي ليس للأرض وإنما للبيئة ككل، ومنها المجتمع الذي تزرع فيه الكراهية دون قصد، وإنما للمحافظة على الرعوية، وهذا أمر تحس بالأسف له عندما تطالع وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك، وتجد أن كل المخالف شيطان رجيم، وأن الملاك هو هذا المسخ المليء بالكراهية.
فالتحريض وبث ما
يؤدي إلى الكراهية ينبغي أن يراجع حتما من الناس المؤثرين، الذين يقودون المجتمع؛ لأنه
ضد الإنسانية، عندما تحطم استئناس الإنسان وأخيه الإنسان. والاستئناس ضروري حتى
بين العائلة والأسرة الواحدة، إن فقد التكافل والمحبة، ولا يفيد أمر لإحياء الميت
اللهم بإعادة تنظيم الأسرة، انطلاقا نحو المجتمع.
الاستئناس:
الاستئناس من الإنسان،
آدم أنس حواء، قبل أن تكون هنالك أحاسيس ببعضهما كجنس مختلف، لذا فكل ما ظهر بعد الإحساس
بأنهما جنس مختلف لا قيمة له إن فقد الاستئناس، فلا حب ولا رغبة، ولا تعاون ولا
تكافل بلا استئناس. فلو أخذنا الأسرة، منذ بدأ التكوين فستجد أن الاستئناس هو الأساس،
فالجمال راحل مع الكبر، والمتع تتضاءل مع مواجهة الحياة، وكل الحياة في حركة ويبقى
الدافع للالتئام والتعاضد هو الاستئناس، الذي إن فقد فإن من أسهل الأمور الاستغناء
عن جميلة الجميلات، وألطف الرجال معاملة ووسامة وغنى من أموال وأملاك، ومع
الاستئناس يبقى الجمال رغم الزمن ويبقى الغنى وإن امتد الفقر.
والاستئناس
مزرعته النفس عابرة للزمكان، فمهاجر
الوطن مع المحبة لا يهجر معارفه وقد أنس
إليهم، فالمكان لا يفقد المحبة والتآلف وكم منا ما زال يتواصل مع مهاجر قد يختلف
عنه بالعقيدة والدين والقومية وما كان يجمع بينهما إلا الاستئناس، وهنا ترتقي عظمة
الإنسانية التي هي بداية الخلق للآدمية، حيث لم يك إلا آدم وحواء لا يجمعهم إلا
الاستئناس، فلم يأتهم إبليس ليريهما أنهما مختلفان.
هذه الحقيقة التي
ينبغي البناء عليها من الدعاة والوعاظ في خطبهم والقداسات وفي محاضرات النخب، مهما
تغير معتقد من معك. حافظ على أنسك لأنك بهذا فقط تكون آدميا كما خلقك الله إنسان.