منذ أكثر من عقد من الزمان حذرت الدكتورة زينب عبد العزيز، أستاذة اللغة
الفرنسية التي ذاع صيتها، ليس بسبب ما ترأسته من مناصب علمية عديدة في مجال تخصصها، ولكن بسبب نشاطها الدعوي؛ من مخطط ماسوني خطير لتخريب
الأديان، ودمجها في دين واحد
يسمى الدين الإبراهيمي.
لم يأخذ كثيرون هذا التحذير على محمل الجد لكونه خارج نطاق المعقول، واتهم آخرون
الدكتورة زينب بـ"التهويل"، لكن الأيام أثبتت أن تحذيراتها كانت جادة
جدا، خاصة حينما اجتمعت وفود من عدة دول
لافتتاح بيت العائلة الإبراهيمية، التي تضم
مسجدا وكنيسة مسيحية وكنيسا يهوديا في دولة
الإمارات العربية المتحدة.
البيت تمت الدعوة لتدشينه خلال زيارة د. أحمد الطيب شيخ
الأزهر برفقة بابا
الفاتيكان فرانسيس الثاني للإمارات عام 2019 وتوقيعهما على وثيقة "الأخوة
الإنسانية"، إلا أن ما تبع هذا الإجراء من دعوات لتوحيد الديانات السماوية
الثلاث في دين واحد، جعل الرجلين لم يشاركا في حفل الافتتاح الذي تم في شباط/ فبراير
الماضي.
على ما يبدو أن الشيخ الطيب استوعب الشَرَك الذي أرادوا إيقاعه فيه هناك، فراح يوضح موقفه بانتقاد هذه الدعوة الخبيثة في أثناء حضوره حفل افتتاح بيت العائلة المصرية، قائلا؛ إن هناك محاولة للخلط بين تآخي الإسلام والمسيحية في الدفاع عن حق المواطن المصري، وبين امتزاج هذين الدِّينين، مؤكدا أنَّ اجتماع الخلق على دِين واحد أو رسالة سماوية واحدة مستحيل، ووصفها بأنها تبدو في ظاهرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، لكنها في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد والإيمان والاختيار".
شيخ الأزهر
على ما يبدو أن الشيخ الطيب استوعب الشَرَك الذي أرادوا إيقاعه فيه هناك، فراح يوضح موقفه بانتقاد هذه الدعوة الخبيثة في أثناء حضوره حفل افتتاح بيت العائلة المصرية، قائلا؛ إن هناك محاولة للخلط بين تآخي الإسلام والمسيحية في الدفاع عن حق المواطن المصري، وبين امتزاج هذين الدِّينين، مؤكدا أنَّ اجتماع الخلق على دِين واحد أو رسالة سماوية واحدة مستحيل، ووصفها بأنها تبدو في ظاهرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، لكنها في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد والإيمان والاختيار". حتى قامت الأمانة العامة للبحوث
الاسلامية بالأزهر في منتصف
الشهر الجاري بإصدار بيان قوي، مؤكدة أن الديانة الإبراهيمية كفر صريح بالإسلام، ولا
تتفق مع أصول أي دين من الأديان السماوية ولا مع فروعه، وتُخالف صحيح ما ورد في
القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
بهذا، قلب الطيب الطاولة على من ظنوا أنهم نجحوا في خداعه، بما يمثله منصبه
كشيخ للأزهر من قامة كبيرة جدا في العالم الإسلامي، فتغيرت نبرة التفاؤل عندهم إلى
تشاؤم، وتوخى الجميع الحذر.
محاولات خداع
هناك من يحاول أن يوعز للناس بأن الفكرة جاءت فقط عقب توقيع الإمارات
والبحرين اتفاقات للتطبيع رسميا مع إسرائيل برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد
ترامب، وأن نص الاتفاق المنشور على صفحة وزارة الخارجية الأمريكية لا يتحدث عن دين
جديد، ولكن عن تآخٍ وحوار سلام بين الديانات السماوية الثلاث.
لكن التحذيرات التي أطلقها مراقبون كُثر، منهم أستاذ الدعوة الإسلامية
والأديان بجامعة الأزهر د. إسماعيل علي، والدكتورة زينب عبد العزيز التي أسلفنا
الحديث عنها، عن هذا المخطط، حدثت قبل عقدين من الزمان، وقبل وصول ترامب للسلطة في
أمريكا، وبالتأكيد قبل التطبيع "الرسمي" الإماراتي مع إسرائيل، يلقي
ظلالا من الشك عليها، يؤيدها ما سرده الإعلام الغربي من دلائل على أن دينا جديدا
يتشكل في الأفق.
التحذيرات التي أطلقها مراقبون كثر عن هذا المخطط، حدثت قبل عقدين من الزمان وقبل وصول ترامب للسلطة في أمريكا، وبالتأكيد قبل التطبيع "الرسمي" الإماراتي مع إسرائيل، يلقي ظلالا من الشك عليها، يؤيدها ما سرده الإعلام الغربي من دلائل على أن دينا جديدا يتشكل في الأفق.
والتاريخ يثبت ذلك، ففي 27 تشرين الأول/ أكتوبر 1986 دعا بابا الفاتيكان
السابق إلى إقامة صلاة مشترَكة من ممثلي الأديان السماوية الثلاثة، وذلك بقرية أسِيس
في إيطاليا، ثم كرر هذه الدعوة مرات أخرى باسم "صلاة روح القدس"، ونفس
الأمر فعله بابا الفاتيكان الحالي عام 2021 في أثناء زيارته إلى مدينة أور العراقية.
ويقول الدكتور إسماعيل علي: "نقرأ منذ 1811 عن "الميثاق الإبراهيمي
الذي يجمع بين المؤمنين في الغرب، وذلك قبل أن يتحوّل اسمُ إبراهيم إلى اصطلاح
بحثيٍّ لدى المؤرّخين، رسّخه لويس ماسينيون في مقالة نشرها عام 1949، ثمّ تحوّلت الديانات
الإبراهيمية إلى حقل دراسات مستقلة بنفسها".
الكاسب والخاسر
كثير من المراقبين يرون أن الدعوة الإبراهيمية -في بُعدها الذي يصفها بأنها
مجرد دعوة للاحترام المتبادل وتعظيم نقاط الالتقاء بين الديانات الثلاث-، لا يصب
إلا في مصلحة اليهودية، حيث إنها هي الدين الذي يؤمن به الآخران، وأن الخاسر هو
الإسلام لكونه الدين الذي لا يؤمن به كليهما، بينما هو يؤمن بهما.
ولعل تلك الرؤية وما قد يكون خطط له خفية من التحول التدريجي من
"الحوار بين الكيانات المنفصلة" إلى "المزج في كيان واحد"؛ هو
ما جعل الشيخ الطيب يتراجع، فيما يرى آخرون أن الخاسر الأكبر حينئذ ستكون المسيحية،
حيث إن اليهود والمسلمين متفقون دونها تقريبا في معظم المسائل اللاهوتية، وهناك
تشابه كبير في الفقه والحدود بينهما، ومن ثم فإن فرص التفاهم معها ستكون الأقل.
وبين هذا وذاك، يأتي فريق ثالث يرى أن الغانم الأكبر هو الإسلام، حيث ستمنحه
فرصه ذهبية لشرح مبادئه السامية للعالم بعيدا عن حملات التشويه، ما يمكنه من محو
الصورة النمطية التي صنعتها الدعاية المتطرفة عنه في العالم، وبأنها دعوة للمباهلة
بهدف إظهار الحق وإزهاق الباطل، تمكينا لقوله تعالى: "قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ
نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا
بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ
بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (آل عمران:64).
وكذلك هي فرصة لتقديم رؤية إسلامية للوصايا التي قدمها اليسوع عليه السلام
لأحد كتبته في الإنجيل بقوله: "إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ:
اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (مر 12: 29).
ورأى هؤلاء أن الفهم العميق للبيت الإبراهيمي في منظوره كمنبر للتفاهم
والحوار بين الأديان، سيقود الجميع في النهاية إلى الإسلام، وأن ذلك ما قد يكون دفع
بابا الفاتيكان إلى عدم حضور حفل الافتتاح.
على كل حال، يجب أن نأخذ في الحسبان أن فكرة التآخي على ما فيها من مثالية،
هي ذاتها الشعار الذي تستخدمه الماسونية لتحقيق مآربها الشريرة، لا سيما لو تحولت
لدين جديد، كما قد يتم الترويج لها مستقبلا.