عشرون عاماً مرت على
الغزو الأمريكي للعراق، بمآلاته الحزينة وانكسارات
البلد القاسية وانسلاخه عن محيطه العربي (الذي تآمر ضده)، وارتمائه في أحضان إيران..
عشرون عاماً عجاف نسفت حضارة بلد عريق يشهد أقوى نموذج للتنمية والنهوض في العالم
العربي، وكما فعل التتار في
العراق عام 1258، فعل الأمريكان في عاصمة دولة الخلافة
الإسلامية (العباسية).
فقد دمروا دولة ذات سيادة فقتلوا وأحرقوا تراثها العريق، فلم تسلم حتى
الآثار العراقية من إجرامهم فأحرقوها وسرقوا ما تبقى منها، ونهبوا ثروات العراق وذكوا
روح الطائفية البغيضة بين أبنائه ليشعلوا نار الفتنة في البلاد، ولتصبح الطائفية
الحاقدة العنوان السياسي الأبرز للنظام الجديد الذي وضعه "بول بريمر"،
الحاكم الفعلي للعراق بعد احتلاله. وقد قالها صراحة في لقاء متلفز أن الشيعة في
العراق يمثلون ما يقرب من 70 في المئة ومع ذلك يحكم العراق منذ إنشائه السنة، وأنه
آن الأوان لإصلاح هذا الخطأ وإعادة التوازن في البلاد، فحوّل هذا الخبيث الماكر،
العراق إلى ساحة للإرهاب والاقتتال الداخلي، فغاب السلم الأهلي والتجانس الاجتماعي
الذي عاش في ظله العراقيون قروناً وأزمنة عديدة..
دمروا دولة ذات سيادة فقتلوا وأحرقوا تراثها العريق، فلم تسلم حتى الآثار العراقية من إجرامهم فأحرقوها وسرقوا ما تبقى منها، ونهبوا ثروات العراق وذكوا روح الطائفية البغيضة بين أبنائه ليشعلوا نار الفتنة في البلاد، ولتصبح الطائفية الحاقدة العنوان السياسي الأبرز للنظام الجديد الذي وضعه "بول بريمر"
لقد دمر بريمر مؤسسات الدولة العراقية، وفكك الجيش والأمن وسرح أفرادهما من
الضباط والجنود لتحل محلهما المليشيات الشيعية البغيضة ذات الولاء لإيران، وليصبح
القتل على الهوية في بلد كان يمثل نموذجاً وطنياً لا تعلو فيه إلا لغة الوطن
الواحد والشعب الواحد.
وضع بريمر قائمة من المطلوبين من قيادات الدولة العراقية من وزراء وقادة
عسكريين وعلماء لتصفيتهم، ومما يدمي القلوب استهداف علماء العراق بالخطف والقتل،
وقد هاجر الكثير منهم لينجوا بحياتهم، ومع ذلك لم يسلم البعض منهم من التصفية أيضا
وهو خارج العراق، فقد كان المطلوب هو رأس هؤلاء العلماء (أدمغتهم) وما وصلوا إليه
من سر صنع القنبلة النووية، ناهيك عما عانت منه البلاد من مخلفات الحرب
واليورانيوم التي قذفت به الصواريخ الأمريكية على الأراضي، فتعرضت التربة العراقية
للسموم والإشعاعات وتسببت المخلفات بتفشي الأمراض بين الكثير من العراقيين!!
لقد عانى الشعب العراقي من جراء هذا الغزو الأمريكي الهمجي الكثير من
المآسي، وزاد عليها ما كان يحدث في المعتقلات والسجون الأمريكية في العراق من انتهاكات
لا إنسانية حدثت على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام العالمية، وسجن أبو غريب شاهد
عيان عما حدث في تلك المرحلة المظلمة من تاريخ العراق!
لقد نسفوا كل أواصر المجتمع العراقي ليعيش الشعب في فوضي وبؤس وفقر وقحط؛
في بلد غني سرقه حكامه الجدد الذين جاءوا على ظهر الدبابات الأمريكية، ولقد أظهرت
وثائق ويكيليكس حجم الثروات الضخمة لتلك العصابة التي دمرت العراق، وعلى رأسها
"نوري المالكي"، رئيس الوزراء الأسبق، حيث نُهبت مئات المليارات من
الدولارات.
الخلاصة أن العراق بعد الغزو الأمريكي الهمجي، وهبوط تلك الزمرة الفاسدة من
العراقيين الذين تربوا وترعرعوا في الحظائر الأمريكية والإيرانية، بالبراشوت على
حكم البلاد، لم يعد هو العراق التي عهدناه وعرفه العالم كله بعلمه وحضارته وسماحته،
بل
أصبح حطام دولة منقسمة على نفسها كما أرادها أعداء الأمة وعلى رأسهم الصهاينة،
فقد كان يُراد للعراق أن تتحول من دولة حضارية رائدة وقائدة في الأمة إلى دولة
فاشلة مفككة، وهو ما ورد في بعض تقارير الأمم المتحدة..
لم تبدأ المؤامرة الكبرى على الأمة بغزو العراق في 19 آذار/ مارس عام
2003، ولكنها بدأت منذ عام 1990، حينما أعطت السفيرة الأمريكية في العراق في ذلك
الوقت "ايريل جلاسبي"، الضوء الأخضر للرئيس العراقي "صدام
حسين" لغزو الكويت، ليقع بغروره وصلفه في الفخ الأمريكي الذي أعدته له بحنكة
ومهارة عالية المخابرات الأمريكية (CIA)، ولتعود الجيوش الأجنبية
متمثلة في الجيش الأمريكي إلى الأراضي العربية بعد أقل من نصف قرن من مغادرة
الجيوش البريطانية والفرنسية المنطقة العربية، وبطلب من حكام الخليج بذريعة
الحماية من الوحش العراقي الذي اصطنعته أمريكا بنفسها، ليتم تنصيب القوة الأمريكية
بشكل راسخ في قلب أهم منطقة منتجة للطاقة في العالم!
وقع كل حكام الخليج في المصيدة الأمريكية على علم، وفتحوا خزائنهم لتصب في الخزائن الأمريكية، ليخلصهم الأمريكيون من ذلك الوحش الكاسر العراقي
و
وقع كل حكام الخليج في المصيدة الأمريكية على علم، وفتحوا خزائنهم لتصب في
الخزائن الأمريكية، ليخلصهم الأمريكيون من ذلك الوحش الكاسر العراقي. بدأها بوش
الأب فكانت حرب الخليج الثانية أو ما عرفت بحرب تحرير الكويت التي حطمت الجيش
العراقي تماماً، ليبدأ بعدها حصار العراق حصاراً شديداً ظالماً، تم فيه تدمير
البنية الأساسية للدولة عامة وللإنسان العراقي خاصة، وقلبوا في الأوراق القديمة،
فأصدر قراراً أممياً بحظر الطيران العراقي على إقليم كردستان تمهيداً لفصله عن
العراق، تحت ذريعة هجوم الجيش العراقي بالأسلحة الكيميائية ضد الأكراد عام 1988،
في مدينة حلبجة الكردية في إقليم كردستان، بعد خضوعها لسيطرة الجيش الإيراني خلال
الأيام الأخيرة من الحرب الإيرانية العراقية. وقد خلص التحقيق الطبي التي أجرته
الأمم المتحدة، إلى استخدام غاز الخردل في الهجوم إلى جانب مهيجات عصبية مجهولة
الهوية، في حين أن بعض المؤشرات أو المعطيات تشير إلى أن الجيش الإيراني هو من
استخدمها حيث كان يحتل بلدة حلبجة في ذلك الوقت، إلا أنه تم تحميل نظام صدام مسؤولية
ذلك الهجوم!
لم يكتف حكام الخليج ولا الصهاينة بكل ما أصاب العراق من
دمار وهلاك وما
جري للشعب العراقي من بؤس وظلم، إلا إنهم يريدون رأس الوحش العراقي فلا يزال يؤرقهم
في محياهم ومنامهم ويقض مضاجعهم، والتقت الإرادتان الأمريكية والخليجية للتخلص من
صدام حسين نهائياً، فأكمل بوش الابن ما بدأه بوش الأب وكان الغزو الأمريكي الذي
بدأ من القواعد العسكرية الأمريكية في دول الخليج، في الوقت الذي رفضت فيه دولة
تركيا استخدام أراضيها لضرب العراق، لكن الدول العربية وافقت وبدأ الزحف البري من
الأراضي السعودية والكويتية، واستخدمت قناة السويس لنقل الأسلحة الأمريكية أثناء
الحرب لضرب العراق!!
لقد شُنت الحرب على العراق بعد محاولات تزييف قام بها وزير خارجية أمريكا
في ذلك الوقت "كولن بأول"، أمام مجلس الأمن، بحجة امتلاك العراق أسلحة
دمار شامل، وهو ما ثبت كذبه وبهتانه لاحقاً عبر وثائق ويكيليكس ووثائق عرضت في
مجلس العموم البريطاني أثناء استجواب "
توني بلير"، رئيس الوزراء
البريطاني آنذاك، الذي ساند بوش الابن في حربه الظالمة ضد العراق، والتي جاءت
بقرار أمريكي خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن..
بعد أن تخلصت أمريكا والصهاينة ودول الخليج من صدام، أهدت أمريكا العراق على طبق من ذهب إلى إيران، وهذا ما قاله وزير الخارجية السعودي الراحل "سعود بن فيصل"، معاتباً الولايات المتحدة الأمريكية بعدما انسحبت من العراق وسلمته لإيران!
وبعد أن تخلصت أمريكا والصهاينة ودول الخليج من صدام، أهدت أمريكا العراق على
طبق من ذهب إلى إيران، وهذا ما قاله وزير الخارجية السعودي الراحل "سعود بن
فيصل"، معاتباً الولايات المتحدة الأمريكية بعدما انسحبت من العراق وسلمته
لإيران!
ولكن لا تلومن إلا أنفسكم، هكذا تآمرتم على العراق وأردتم التخلص من وحش
العراق فجاءكم البعبع الإيراني من البوابة الشرقية التي كان يحميكم منها صدام،
وحاصرتكم إيران من العراق وسوريا ولبنان شمالاً إلى اليمن جنوباً، فهل من مفر؟!
عشرون عاماً مضت على نكبة العراق، بل نكبة الأمة كلها، والتي لا تقل مأساة
عن نكبة فلسطين التي ألمت بالأمة وكسرتها، فكلتاهما حلقتان في سلسلة طويلة من
الانكسارات بدأت منذ سقوط الخلافة الإسلامية قبل نحو قرن، وما زالت مستمرة حتى
الآن ولا يعلم غير الله متى ستنتهي وماذا ستخبئه لنا الأقدار من نكبات أخرى أو
انتصارات تعيد للأمة أمجادها وتقضي على تلك النكبات..
عشرون عاماً مرت على الغزو الأمريكي للعراق الذي أعاد البلاد إلى العصور
الوسطي، وهو ليس ببعيد عن نكبة البلد إبان الغزو التتاري في 13 شباط/ فبراير عام
1258، فهو قريب منها وشبيه لها تماماً!!
twitter.com/amiraaboelfetou