نشر موقع "
ميدل إيست آي" في لندن تقريرا، أعده من العاصمة
الجزائر علي بوخليف، جاء فيه أن الرئاسة الجزائرية همشت وزير الخارجية السابق رمضان لعمامرة عدة أشهر، ورفضت استقالات ثلاثا قدمها قبل عزله.
وقال إنه عندما أعلنت قنوات تلفزيونية رسمية وخاصة في 16 آذار/ مارس عن قرب تعديل وزاري، تساءل المحللون والمراقبون عمن سيحل محل وزير الخارجية أكثر من التكهن حول 10 وزراء آخرين أعفوا من مناصبهم، ذلك أن مصير لعمامرة كان قد حدد بالفعل ومنذ عدة أسابيع.
وأضاف أن الصحافيين والدبلوماسيين في الجزائر تكهنوا وقبل عدة أشهر بأن لعمامرة ،الذي تولى منصب الخارجية في حزيران/ يونيو 2021، سيستبدل به آخر. ومن الواضح أن كبير الدبلوماسيين الجزائريين والحاضر دائما في اجتماعات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لم يكن الشخص المفضل لتبون.
ومنذ العام الأول في الحكم، 2019، ركز
تبون نظره على تعيين الشخصية الدبلوماسية المعروفة صبري بوقادوم وزيرا للخارجية، إلا أن المقربين منه رأوا في لعمامرة شخصية مناسبة أيضا للمنصب، فكوزير سابق للخارجية في عهد عبد العزيز بوتفليقة والشخصية التي تتمتع بجاذبية، اعتقدوا أنه مناسب، وله علاقات دبلوماسية واسعة. ويرى كاتب التقرير أن أصواتا معارضة بدأت تهمس بعد تعيينه بأشهر بأن لديه طموحات "رئاسية"، وتعود إلى مرحلة ما بعد إجبار بوتفليقة على التنحي عن السلطة بعد ثورة الحراك الشعبية.
ولم يتم عزله مباشرة، إلا أن المعوقات وضعت أمامه، وبحسب مصدر دبلوماسي نقل عنه الموقع، قال: "تم اتخاذ قرارات دون علمه، وأسوأ من هذا، فقد طلب من الإعلام تجاهل نشاطاته العامة". وعبر لعمامرة عن غضبه في ثلاث محاولات استقالة العام الماضي، حسب وزير سابق يعرف وزير الخارجية السابق، و"لكنه لن يتجرأ على خوض انتخابات الرئاسة لو شارك فيها تبون"، على حد قول الوزير السابق. وتم رفضت الاستقالات الثلاث، وكان لعمامرة يظهر من جديد بعد غياب أسابيع أو اشهر قضاها في جولات بدول أفريقية أو عربية. وظلت لعبة القطة والفأر بين مفوض الأمن والسلام السابق في الاتحاد الأفريقي وحاشية الرئيس تبون مستمرة لعدة أشهر، إلا أن الأحداث تسارعت في شباط/ فبراير.
ففي 8 شباط/ فبراير، كشفت الصحافة الفرنسية عن هروب الناشطة الجزائرية- الفرنسية أميرة بوراوي بمساعدة من مساعد القنصل الفرنسي من الجزائر إلى فرنسا عبر تونس. وحكم على بوراوي بالسجن لمدة عامين؛ بسبب تهجمها على الإسلام وإهانة الرئيس، وهو ما أدى لأزمة جديدة بين الجزائر وباريس، وأصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بيانا، عبرت فيه عن "غضب" السلطات الجزائرية التي اتهمت "أجهزة الدولة الفرنسية" بـ"تهريب" الناشطة إلى فرنسا. وبعد دقائق، أعلنت الرئاسة الجزائرية عن استدعاء السفير الجزائري في فرنسا للتشاور. وكان واضحا أن القرار تم اتخاذه من وراء ظهر وزير الخارجية، ودون موافقته. وبعد يوم على الخلاف بين فرنسا والجزائر، أعلن الإعلام الجزائري عن تعديلات دبلوماسية أقرها الرئيس تبون، وتشمل عددا من السفراء والقناصل في عواصم عالمية.
ويشي الإعلان بأن لعمامرة همش في العملية، إلا أن مصادر إعلامية قدمت رواية أخرى عن الأحداث. وأخبر صحافي مطلع على الأمر موقع "ميدل إيست آي" قائلا: "تقدم لعمامرة بقائمة من السفراء والقناصل التي رفضتها الرئاسة واستبدلتها بأخرى".
وأضافت مصادر أخرى سببا إضافيا يتعلق بقرار الرئيس تبون تخصيص ميزانية بمليار دولار للوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، والمرتبطة بالرئاسة وبغرض تمويل مشاريع في دول وسط أفريقيا. ولم يكن لعمامرة راضيا "ورغب بتسليم الملف للدبلوماسيين في وزارته للتعامل معه".
وصمت لعمامرة، وابتعد عن الأضواء، إلا أن انسحابه لم يطل كثيرا، حيث تلقى في 23 شباط/ فبراير نسخا من أوراق اعتماد السفراء الجدد للجزائر. وشارك في حفلة لتكريم فرق الإنقاذ التي شاركت في عمليات الدعم بعد الهزات الأرضية الكارثية في تركيا وسوريا. وغير هذه المناسبات، فقد نظم كل حفلات الاستقبال للوزراء الذين زاروا الجزائر الأمين العام للوزارة عمار بيلاني. وبدأت التكهنات تتزايد حول غياب لعمامرة، واعتقد البعض أنه مريض، إلا أن الشكوك بدأت تتبدد في 11 آذار/ مارس عندما زار الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني الجزائر بزيارة رسمية، ومرة ثانية كان بيلاني والمسؤولون البارزون في حفل استقباله إلى جانب الرئيس.
كما سبق الإعلان عن التعديل الحكومي غياب وزير الخارجية رمطان لعمامرة خلال لقاءاته الأخيرة مع ضيوف أجانب، آخرهم جوزيب بوريل، رئيس الدبلوماسية الأوروبية، الأسبوع الماضي، وهو ما فتح باب التوقعات بأن الدبلوماسي الكبير والوزن الثقيل للسلطة التنفيذية لن ينجو من التغيير.
وفي اليوم التالي، كانت الصور التي نشرتها الصحافة الجزائرية لاستقبال مسؤول السياسات الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، مثيرة للدهشة، فقد كان بانتظاره مسؤول بارز من وزارة الخارجية. ثم تغير برنامج زيارته عندما حضر في حفل غداء نظمه أصلا لعمامرة، بيلاني ممثلا لرئيسه وزير الخارجية.
كل هذا نقل التكهنات حول ما إن كان لعمامرة سيخرج من
الحكومة، وإلى متى سيخرج؟ ومن سيحل بديلا عنه؟ ولم يعين تبون بيلاني خلفا لعمامرة كما تكهنت الصحافة والدبلوماسيون بمن فيهم الذين رافقوا بوريل في زيارته. بل واستدعى تبون أحمد عطاف لتولي منصب وزير الخارجية، وهو منصب شغله ما بين 1996- 1999، وكان الدبلوماسي المخضرم البالغ من العمر 70 عاما قد خرج من الخدمة منذ 24 عاما. ويعرف عطاف برجل التسويات وكدبلوماسي تقليدي يبتعد عن الخلافات، وهي مؤهلات لم يظهرها بعد ومنذ توليه المنصب. بالنسبة لعمامرة يتوقع البعض له مستقبلا "واعدا"، فيما يرى آخرون أن مسيرته الدبلوماسية قد انتهت حتى لو حمل المستقبل "مفاجآت".