أصدر
القضاء التونسي، صباح الخميس، أمرا يقضي بسجن رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل
راشد الغنوشي، بتهمة "ارتكاب مؤامرة للاعتداء على أمن الدولة"، على خلفية تصريحات سابقة له.
وتمت إحالة 12 شخصا من ضمنهم الغنوشي على التحقيق بتهمة "ارتكاب مؤامرة للاعتداء على أمن الدولة الداخلي والاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا"، طبق المادتين 68 و 72 من المجلة الجزائية التي تصل فيها العقوبة إلى الإعدام.
القانون التونسي
وتنص المادة 68 من المجلة الجزائية التونسية على أنه "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام مرتكب المؤامرة الواقعة لارتكاب أحد الاعتداءات ضد أمن الدولة الداخلي المبيّنة بالفصول 63 و 64 و 72 من هذه المجلة. ويكون العقاب بالسجن مدة عامين إذا لم تتبع المؤامرة بفعل تحضيري لتنفيذ الاعتداء".
وتضيف المادة 72 أنه "يعاقب بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي".
عقوبة الإعدام
ويواجه الغنوشي مجددا عقوبة قد تصل إلى الإعدام، حيث تعرض للاعتقال في الثمانينيات، وحكم بالإعدام في التسعينيات خلال فترة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة..
وبسبب اتهامات بتورطه في أعمال "إرهابية" من قبل السلطات التونسية، كاتهامه بحرق عدة مراكز تعليمية، وخطف مسؤولين، فقد استهدفت الحركة من قبل القضاء التونسي ووقف الغنوشي عدة مرات أمام المحاكم، وحوكم في أول مرة بأحد عشر سنة سجنا قضى منها ثلاث سنوات من 1981 حتى 1984 بعد خروجه في إطار عفو عام، ولكنه عاد ثانية للاحتجاجات والنشاط السياسي.
حوكم ثانية بالأعمال الشاقة والسجن المؤبد في 27 أيلول/ سبتمبر 1987، لكن هذا الحكم لم يكن كافيا بالنسبة للرئيس بورقيبة، الذي قدم في ذلك الوقت مطلبا للرفع من الحكم إلى عقوبة الإعدام.
ولم يتم تنفيذ هذا الحكم بسبب انقلاب 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1987 من قبل الرئيس الجديد زين العابدين بن علي الذي أمر بإطلاق سراح الغنوشي في 14 أيار/ مايو 1988، في إطار المصالحة الوطنية التي أطلقها عقب وصوله إلى السلطة.
وغادر الغنوشي البلاد عقب الحملة الأمنية التي شنها ابن علي ضد حركة النهضة، وتمتع بحق اللجوء السياسي في بريطانيا في آب/ أغسطس 1993، بعد أن حكمت عليه المحكمة العسكرية بتونس غيابيا في 28 آب/ أغسطس 1992 مع قيادات أخرى من حركة النهضة بالسجن مدى الحياة بتهمة التآمر على أمن الدولة ورئيسها.
وأجبرت الأحكام القضائية الغنوشي على البقاء في المنفى في لندن لمدة 21 سنة بين 1989 و 2011، قبل العودة إلى بلاده إثر سقوط نظام الدكتاتور الراحل ابن علي في 14 كانون الثاني/ يناير 2011.
استقلالية القضاء
والاثنين، داهمت قوات الأمن التونسي منزل الغنوشي بالعاصمة تونس، واقتادته إلى جهة غير معلومة، قبل أن يصدر النائب العام أمرا بحبسه.
وجاء الاعتقال بعد يوم واحد من تصريحات الغنوشي، وقال خلال اجتماع في مقر جبهة الخلاص إن هناك "إعاقة فكرية وأيدولوجية في تونس، تؤسس في الحقيقة لحرب أهلية.. لأن تصور تونس دون هذا الطرف أو ذاك.. تونس دون نهضة.. تونس دون إسلام سياسي.. تونس دون يسار.. تونس دون أي مكون من المكونات، هو مشروع حرب أهلية".
وأضاف أن "هذا إجرام في الحقيقة، ولذلك (فإن) الذين استقبلوا هذا الانقلاب باحتفال لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين، بل هم استئصاليون، بل هم إرهابيون، بل هم دعاة لحرب أهلية"، بحسب قوله.
ولاحقا، اقتحمت قوات الأمن المقر المركزي لحركة النهضة عقب مؤتمر صحفي للحزب بشأن اعتقال الغنوشي، وقررت إغلاق المقر ومنع الاجتماعات داخله لمدة ثلاثة أيام من أجل تفتيش محتوياته.
وشملت القضية 12 شخصا من ضمنهم رئيس حركة النهضة، فيما سيتستمر التحقيق مع رئيس مكتب الغنوشي، أحمد المشرقي، وعضو مجلس شورى الحركة، يوسف النوري، مقابل إطلاق سراح البقية.
وعقب إصدار حكم السجن، فقد انتقد المحامي وعضو هيئة الدفاع عن الغنوشي، مختار الجماعي، المحاكمة مشككا في استقلالية القضاء.
وكتب الجماعي على "فيسبوك" أن "وسائل إثبات متلاعبا فيها، ومكتب تحقيق مجرحا فيه، إجراءات باطلة وأبحاث بدون ضمانات، وحديث عن الإيقاف قبل بدء التحقيق لا يمكن إلا أن تنتج بطاقة إيداع (حبس)".
وعرفت بداية السنة الجديدة في تونس ارتفاعا ملحوظا بعدد جلسات الاستماع والتحقيق والمحاكمات للوجوه البارزة في المعارضة من قبل القضاء، وفي مقدمتهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس "جبهة الخلاص الوطني" أحمد نجيب الشابي.
وفي تصريح سابق لـ"
عربي21"، قال رئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان مراد المسعودي، إن "النظام الفردي القائم مني بهزيمة كبرى في الانتخابات التشريعية الأخيرة من خلال نسبة مشاركة كارثية عبر بواسطتها الشعب التونسي عن رفضه للنظام السياسي الذي أعده قيس سعيّد في دستوره والذي يجعل البرلمان مؤسسة صورية معدومة الدور في الحياة السياسية ومجرد وظيفة تابعة لسلطة رئيس الجمهورية على غرار السلطة القضائية".
وشدد المسعودي على أن "هذا الرفض عبر الانتخابات تعزز برفض قانون المالية الذي حمل الشعب التونسي أعباء جبائية إضافية دون زيادة في الأجور وفي ظل التضخم المالي والاقتصادي غير المسبوق، ما أنتج حالة من الرفض لاستمرار هذا النظام الذي قوض كل أسس الدولة الديمقراطية وأسس لديكتاتورية ناشئة محورها رئيس الجمهورية، وقد اجتمعت كل الأحزاب والمنظمات الوطنية على هذا الرفض لأول مرة وقد لجأ النظام القائم إلى كيل التهم لرؤوس المعارضة من خلال محاكمات الرأي وإثارة بعض القضايا ضد رموز المعارضة لترويعهم وإحباط مساعيهم".
وعن علاقة عزل الرئيس سعيّد لقضاة العام الماضي بالمحاكمات السياسية في البلاد، قال المسعودي، وهو من ضمن القضاة المشمولين بقرار العزل، إن "قضية عزل القضاة يعتبرها النظام ورقة رابحة أقام بها الدليل على قدرته على مكافحة ما يسمى بالفساد، وهي ورقة تم استعمالها لإنجاح الاستفتاء رغم أنها تعتبر حقيقة فضيحة لم يشهد لها مثيل أي نظام سياسي باعتبار أنه تم عزل القضاة الذين رفضوا الانصياع لتعليمات السلطة التنفيذية في ما يتعلق بالانتقام من خصومها السياسيين والمتمسكين باستقلال السلطة القضائية وحيادها دون ملفات تبرر ذلك وهو ما أقرته المحكمة الإدارية من خلال إيقاف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية".
وتابع القاضي المسعودي: "وزارة العدل امتنعت عن تنفيذ هذه الأحكام وعمدت إلى تلفيق تهم للقضاة عبر ملفات مفبركة قائمة أساسا على تقارير أمنية مغرضة وغير ممضاة أو شكايات كيدية قديمة تم حفظها، وذلك لإيهام الرأي العام ومغالطته وإقناعه بأن وزارة العدل ورئيس الجمهورية يحاربان الفساد، وفي الحقيقة فإنهما يسعيان إلى تطويع القضاء وإخافة القضاة لاستعمالهم في المعركة ضد خصومهم السياسيين".
وتوقع القاضي زيادة عدد المحاكمات وصدور أحكام بالسجن خلال الفترة القادمة، قائلا إن ذلك "سيكون نتيجة لتعنت النظام القائم وإصراره على سياسة القمع وضرب الحريات، وهذا التمشي لن يزيد المعارضة والشعب إلا إصرارا على وضع حد له".