انتقدت صحيفة "الغارديان" البريطانية بشدة
اعتقال السلطات
التونسية لرئيس حركة النهضة راشد
الغنوشي، واصفة ذلك بـ"اللحظة
حالكة".
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها إن البلاد تسودها حالة من الخيبة
العميقة منذ سنين، وذلك بعد وصول الإصلاحات الاقتصادية إلى طريق مسدود، واستشراء الفساد، وتدهور الوضع الاقتصادي. بالرغم من ذلك، كان البلد يمثل رمزاً مهماً، وإن لم يكن مكتملا للحرية:
فهو لم يكن فقط مهد الربيع العربي، وإنما كما بدا الأمر، قصة النجاح الوحيدة فيه. انتقلت
تونس من الحكم الاستبدادي لزين العابدين بن علي إلى
الديمقراطية بمجتمع مدني مزدهر
ووسائل إعلام نشطة، بينما ارتكست بلدان أخرى نحو الفوضى وسفك الدماء والقمع الوحشي.
وكان صعود حركة النهضة، التي تحولت من حركة إسلامية إلى حزب سياسي في التيار العام،
برهاناً على أن التطرف العنيف لم يكن السبيل الوحيد للوقوف في وجه الحكم السلطوي.
وتضيف الصحيفة: إلا أن تونس أخفقت في تضمين الديمقراطية سيادة
القانون، وفشلت على سبيل المثال في إقامة محكمة دستورية. ساعد السخط العام على الوضع
في البلد في اكتساح شخص من خارج المنظومة السياسية، وهو أستاذ قانون محافظ، نتائج انتخابات
2019. أمل مؤيدوه في أن يعالج الفساد، ويتعامل مع المشاكل المستحكمة، ويعطى دفعة منشطة
للاقتصاد. وحتى حينما عطل البرلمان في 2021، وأطاح برئيس الوزراء، واستولى على السلطة
القضائية، وفرض قانون الطوارئ، كان ما زال ينعم بدعم كبير.
وهذا العام شن حملة اعتقالات، شملت السياسيين والنقابيين ورجال
الأعمال والقضاة والصحفيين، فيما وصفته منظمة العفو الدولية بالمطاردة والتصيد لأسباب
سياسية بحتة.
ويوم الاثنين، داهم العشرات من عناصر الشرطة منزل الغنوشي،
زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان السابق، واعتقلوه بحجة تصريح قال فيه "إن تونس من دون النهضة، ومن دون الإسلام السياسي، ومن دون اليسار، ومن دون أي مكون آخر، إنما هي مشروع
حرب أهلية".
ويوم الخميس، تم وضع الرجل رهن الحبس؛ تمهيداً لمحاكمته بالتآمر
على أمن الدولة، وهي تهمة يمكن، على الأقل نظرياً، أن تحمل في طياتها عقوبة الإعدام.
والآن، بات مسؤولو النهضة يخشون من إجراء وشيك بحظر الحزب.
يستخدم قيس سعيد ألفاظاً شريرة، تضمنت وصف المعارضين بالسرطان
الذي يعالج بالكيماوي. فهو يعتقد، أو يريد من التونسيين أن يعتقدوا، أن البلد يواجه
مؤامرة كبيرة يتورط فيها الجميع من اليساريين العلمانيين إلى الإسلاميين، بل وحتى المفكر
الفرنسي بيرنارد هنري ليفي. وليس صعباً رؤية لماذا وصفه البعض بأنه "القذافي دون
البنزين". يذكر أن المهاجرين واللاجئين والتونسيين من أصحاب البشرة الداكنة تعرضوا
لهجمات بشعة بعد أن قام بالترويج لنسخة تونسية من "نظرية الاستبدال العظيم"، التي يتبناها في الغرب العنصريون من منتسبي التيار اليميني المتطرف، الأمر الذي جعل
البعض يخشى من احتمال وقوع المزيد من الأحداث الدموية.
بالنسبة لمن هم ناشطون سياسياً، تتزايد تكلفة المعارضة يوماً
بعد يوم. لا يجد التونسيون العاديون بدائل سياسية جديرة بالاهتمام، ولذلك لا يبدو من
وجهة نظرهم أن الأمر يستحق الخروج إلى الشوارع، وكثيرون يرون أن ما هم فيه من أوضاع
رديئة إنما هو وليد الثورة التي شهدتها بلادهم. أما البلدان الغربية، فقد اختارت على
المدى القصير الاستقرار ودعم الجهود التي تبذل من أجل تقليص الهجرة إلى أوروبا، وبذلك
تكون قد أخفقت في رؤية -ناهيك عن التصرف بناء على- الانحطاط المتسارع في الوضع السياسي
والحقوقي في البلاد. والغريب في الأمر أنه على الرغم من أن انتخابات كانون الأول/ ديسمبر
شهدت ثاني أخفض نسبة مشاركة في العالم منذ عام 1945 -حوالي 11 بالمئة- وصفت وزارة
الخارجية الأمريكية تلك الانتخابات بأنها "خطوة أولية بالغة الأهمية نحو استعادة
المسار الديمقراطي في البلد."
ولكن ها هي الولايات المتحدة وغيرها من الدول تتحدث أخيراً
بلغة أشد صرامة. وأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي بتاتاً. يجب عليهم الآن أن يركزوا
على وسائل التأثير. كما أن قيس سعيد يعرض للخطر قرض صندوق النقد الدولي، الذي تحتاجه
تونس بشكل ملح. ثم إذا كان القمع لم يجد نفعاً في عهد حكم بن علي، فمن باب أولى ألا
يجدي نفعاً في عهده.