دعت
المتحدثة السابقة باسم تجمع المهنيين
السودانيين (قائد الحراك الاحتجاجي)، حاجة
فضل كرنديس، إلى "تدخل دولي حاسم من أجل إنهاء الصراع الدائر حاليا بين رئيس
مجلس السيادة وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وبين نائبه في مجلس السيادة قائد قوات
الدعم السريع محمد حمدان دقلو "
حميدتي"، لأنه بدون هذا التدخل الدولي
الحاسم فقد لا تنتهي الأزمة المشتعلة في كافة ربوع البلاد".
وفي
مقابلة خاصة مع "عربي21"، فقد طالبت كرنديس بسرعة تدارك واحتواء الأزمة
الراهنة، التي قالت إنها ربما تتحول إلى "حرب أهلية طاحنة تنذر بعواقب وخيمة
للغاية على الجميع سواء داخل أو خارج السودان، لأن الكثيرين حينها حتما ستطالهم
ألسنة النيران".
وأوضحت
كرنديس أن عمليات إجلاء الرعايا الأجانب من بلادها تشير إلى أن "وتيرة الحرب
بالسودان ربما تتصاعد وتشتعل بشكل أكبر ومخيف خلال الفترة المقبلة"، متسائلة:
"أين مجلس الأمن والمجتمع الدولي من كل تلك الأحداث المؤسفة؟ وهل سيتركون
السودان يذهب نحو المجهول؟".
واعتبرت أن ما يجري في السودان حاليا "نتيجة طبيعية لانقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر الذي
نفذه البرهان وشركاؤه في الدعم السريع وبعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام
جوبا، وبالتضامن مع فلول النظام السابق وبعض دول الإقليم التي تلعب دورا في غاية
الخطورة".
تمسك
العسكر بالسلطة
وأوضحت
أنه "حين وقع الانقلاب على حكومة حمدوك كان واضحا آنذاك لهث العسكر وتمسكهم
بالسلطة، وذلك بعد اقتراب نهاية فترتهم بالمجلس السيادي وتسليم الحكم للمدنيين،
حيث كان الحرص على الحصانات والخوف من الملاحقة، والحفاظ على شركات الجيش
الاقتصادية خارج وزارة المالية.
وأشارت
إلى أن قوات الدعم السريع سعت حينها للحفاظ والسيطرة الاقتصادية على جبال الذهب
وغيرها، مضيفة أنه "بالتالي فإن ما يحدث الآن نتيجة طبيعية للانقلاب على التحول
الديمقراطي".
وشدّدت
على رفضها الكامل للحرب في بلادها، لأنها "ستنسف مُقدرات الوطن، وتُبدّد
استقراره الهش، وستؤدي إلى موت الكثيرين من أبناء الشعب السوداني بدون أي ذنب"، مشيرة
إلى أنها "تقف بقوة" في وجه عودة فلول نظام البشير للسلطة مرة أخرى، و"يجب
أن يذهب البرهان وفلوله وحميدتي وعملاؤه إلى أسوأ مزابل التاريخ"، بحسب
تعبيرها.
وحثت
كرنديس الجميع على "إدانة هذا الاقتتال الذي تمدّد من العاصمة الخرطوم إلى
ولايات السودان المختلفة، وهو الأمر الذي كبّد المواطن السوداني الكثير من الخسائر
في الأرواح، وأصبح الوضع الاقتصادي متأزما للغاية، وصار الشعب لا يجد كهرباء ولا
مياه، وتكاد تكون حياة الناس متوقفة تماما، وقد شهدنا نزوحا متزايدا من العاصمة
إلى الولايات الآمنة نسبيا".
الخاسر
الأوحد
وأردفت:
"منذ اندلاع تلك الحرب الآثمة فإننا نسمع تصريحات من الجانبين كل طرف يدعي الغلبة،
وأنه هزم الآخر، لكن الثابت والمؤكد هو أن الشعب هو الخاسر الأوحد. وكما يدعي
كلاهما (البرهان وحميدتي) فإن هذه الحرب من أجل المدنية والديمقراطية، وأستغرب كيف
للمدنية أن تأتي عبر العسكر وبفوهة البندقية".
وقالت
كرنديس إن "البرهان، واللجنة الأمنية، هم مجرد أدوات لنظام البشير بالجيش،
والمأساة أن معظم الجيش السوداني صار مؤدلجا ويتبع لفلول النظام البائد، ولكنه
-رغم ذلك- لا يخلو من الشرفاء الذين نعوّل عليهم في إصلاح وتطهير الجيش من كتائب
الظل وغيرهم ممن يقودون الحرب الآن".
مرحلة
اللاعودة
ورأت
كرنديس أن "الخلافات بين البرهان وحميدتي وصلت إلى مرحلة اللاعودة، وذلك
استنادا إلى قانون الغابة الذي يُمارس الآن بالسودان، حيث إن كل طرف يصرح بأنه لن
يتراجع حتى يقضي تماما على الآخر، مدعيا أن هذا من أجل الشعب والديمقراطية، بينما
الشعب لا ناقة له ولا جمل في هذه الحرب، وهو الضحية فيها، والديمقراطية من كليهما
براء".
ولفتت
إلى أن "أول تدخل عسكري في السياسة السودانية كان عبر انقلاب 17 تشرين
الثاني/ نوفمبر 1958، ومنذ ذلك التاريخ أعطى العسكر لأنفسهم حق التدخل والتنافس
على الحكم في بلادنا، مما جعل بلادنا الشاسعة الغنية بثرواتها وبشعبها ترزح تحت
حكم العسكر المستبد الفاسد، الذي يرتكب بحق شعبه المجازر والانتهاكات الفظة لحقوق
الإنسان".
ورأت
أن "ما يحدث الآن هو تنافس شيطاني على كراسي السلطة لا غير، حيث يريد البرهان
إعادة نظام البشير كحاضنة سياسية له بعدما انتفض ضده كل الشعب السوداني بثورته
السلمية، وحميدتي يريد السلطة لتحقيق حلمه الشخصي والسلطوي برئاسة دولة كالسودان،
من أجل أن يحمي ثروته الهائلة مسنودا ببعض الدول ذات المصالح بالسودان".
وشدّدت
على أن "حميدتي هو صنيعة النظام البائد، وكان حليفا وثيقا للبرهان في السابق،
وامتدت علاقتهما لما يقارب العقدين من الزمان، وقاما معا، لصالح نظام البشير،
بارتكاب معظم جرائم الإبادة بدارفور، وبالرغم من أن الوثيقة الدستورية التي صدرت
عام 2019 لم تنص على وظيفة نائب مجلس السيادة، إلا أننا وجدنا البرهان يخلق هذا
المنصب لحميدتي ليكون نائبه بمجلس السيادة".
صراع
سلطة مقيت
وأكملت
المتحدثة السابقة باسم "تجمع المهنيين": "كثيرا ما صرّح البرهان
بأن قوات الدعم السريع وُلدت من رحم الجيش، وبالتالي فإن حميدتي هو الابن المدلل
للجنة الأمنية، وكل ما حدث هو صراع سلطة مقيت وخبيث".
ونبهت
إلى أن "حميدتي يلعب تحت مظلة توقيعه على الاتفاق الإطاري بزعم ترسيخ
الديمقراطية، لكني أعتقد جازمة أنه بعد نهاية هذه الحرب لن تكون هناك مساحة لعودة
الحكم الديمقراطي، لأن المنتصر منهما سينفرد بالحكم، خاصة أن التاريخ لم يسجل حكم
ديمقراطي عبر البندقية وقتل الشعب الأعزل".
وأقرت
بأن جميع الأطراف بلا استثناء مسؤولون عن تعثر المرحلة الانتقالية في السودان.
وقالت:
"أنا لن أبريء أي جهة؛ فالجميع يتحمل المسؤولية سواء كانوا سياسيين أو عسكر
أو نظام بائد؛ فالأخطاء الكبيرة التي ارتكبها السياسيون منذ كتابة الوثيقة الدستورية
2019 جعلت من العسكر شركاء في الحكم، وبالتالي أعطتهم شرعية دستورية (اللجنة
الأمنية والدعم السريع)، متجاهلة الشرعية الثورية التي كفلها لهم الشارع، وكان ذلك
الأمر قاصما للظهر".
وأكد
المتحدثة السابقة باسم "تجمع المهنيين"، أن "التنافس المحموم على
كراسي السلطة لم يكن وفق الكفاءات، بل وفق المحاصصات الفجّة، وبالتالي فرّط
السياسيون في السلطة الانتقالية، ثم رأينا التدخل السافر للجنة البشير الأمنية
وسيطرتهم على ما قيمته 81 بالمئة من الاقتصاد السوداني، ما جعلها تُحكم قبضتها على
المشهد السياسي، ومن ورائهم فلول النظام السابق".
وتابعت:
"الجانب الثاني من العسكر، وأعني هنا قوات الدعم السريع، تطلع للانفراد
بالسلطة من خلال تأجيج الصراع القبلي بواسطة الإدارات الأهلية المتنافرة
والمتناحرة، ولا ننسي الحركات المسلحة التي نقلت كل جيوشها إلى قلب العاصمة جعلت
من الخرطوم عاصمة عسكرية بها كثير من التفلتات الأمنية، بالرغم من هذا الكم من
الجنود. وكان انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر نتيجة حتمية ومتوقعة لكل هذا العبث
والحرب القائمة الآن".
إبعاد
البرهان وحميدتي
وهاجمت
الدعوة السابقة التي أطلقها البرهان لتنحي جميع الأطراف من المشهد، مؤكدة أن
"هذه دعوة حق أُريد بها باطل؛ فالبرهان لم ولن يتنحى عن كرسي السلطة إلى أن
يموت، لأن السلطة تُشكّل له الحصانة اللازمة من الملاحقات الدولية عبر المحكمة
الجنائية لارتكابه جرائم حرب بدارفور سابقا، ولأن فلول النظام السابق يُشكّلون له
حاضنة، وبالتالي هو يحافظ لهم على كل مكتسباتهم بالسودان، ويُعبّد لهم طريق العودة
لكرسي السلطة مرة أخرى".
ورأت
المتحدثة السابقة باسم "تجمع المهنيين"، أن "حل الأزمة يكمن في
إبعاد الرجلين تماما عن السلطة، لكن من منطلق الأحداث اليوم سيقضي أحدهما على
الآخر بعد أن يقضي على الشعب والبنية التحتية للدولة، ونسأل الله أن يجنب السودان
شرهما".
وحول
مدي تأثر قضية شرق السودان بالتطورات الأخيرة، أضافت: "شرق السودان يعاني
مثله مثل بقية ولايات البلاد، لكنه يتميز بوجود الميناء الرئيسي للسودان به، ويكمن
الاختلاف في موقعة على البحر الأحمر بإطلالته، وقربة من باب المندب وقناة السويس
يجعله من أهم المناطق في القرن الإفريقي. لذا، نجد أن فلول النظام السابق، وعبر
منسوبهم رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة محمد الأمين ترك،
يحاولون فرض سيطرتهم عليه".
وأشارت
كرنديس إلى أنه "نظرا للأهمية الاستراتيجية لموقع شرق السودان أصبح منطقة
صراع ومطامع للدول الكبرى؛ فكل جهة تريد إنشاء قاعدة حربية عليه، حتى دويلات
الإقليم تريد التمدد بالسودان عبره، ولكن للسودان فتية وثوار يعرفون كيف يحمونه من
المطامع الكيزانية والإقليمية والدولية، ولدي السودان شرفاء عسكريون يدافعون عنه
بعقيدة وطنية، وسوف يخرجون من رحم الجيش الواحد لينهون هذا الاحتراب والدمار
الجاري".
وختمت
المتحدثة السابقة باسم "تجمع المهنيين"، حديثها بالقول: "أعتقد
جازمة بأن بعض الدول الكبرى، ودول الإقليم، تتصارع على السودان من أجل مصالحها
فقط، وكأن الشعب السوداني ضيف على أرضه. لذا، أؤمن بأن حل هذه الأزمة هو حل سوداني
سوداني، يوجد على الأرض أو يوجد في رحم الغيب، وإيماني سيظل بأن السودان حر مستقل غني بأبنائه رغم المحن والأزمات الطاحنة".