قالت صحيفة "
فاينانشال تايمز"، إن حلفاء القاهرة
الخليجيين أصبحوا أكثر تشددا وصرامة في تقديم الدعم المادي، لسد الفجوة في أزمة التمويل التي تعصف بمصر.
ولفتت الصحيفة في تقرير لها إلى أنه بينما تسعى
مصر جاهدة لإغراء المشترين من منطقة الخليج عبر عروض بيع الأصول، فقد انتقل حلفاء القاهرة من تقديم الدعم التقليدي إلى البحث عن صفقات تجارية أو المطالبة بإصلاحات.
ويُنظر إلى الأموال التي ترد من بيع الأصول باعتبارها ضرورية جداً من أجل تعويض النقص الحاد في العملة الصعبة وتخفيف وطأة أزمة التمويل التي تعصف بالبلاد، بينما يتشدد حلفاء القاهرة التقليديين في مقاربتهم إزاء ما يقدمونه من دعم للبلد.
ولطالما تدخلت دول الخليج الغنية بالنفط من أجل إنقاذ جارتها خلال العقد الذي بدأ باستيلاء رئيس النظام المصري، عبد الفتاح
السيسي على السلطة، ولذلك كان يتوقع لها أن تكون من أهم المشترين للأصول المصرية، لكنّ مراقبين حذروا من انعدام التوافق بين توقعات القاهرة وتوقعات صناديق الثروة السيادية للبلدان الخليجية.
وحددت القاهرة 32 شركة من شركات القطاع العام تنوي فتحها لمشاركة القطاع الخاص، إلا أنها، ومنذ التوقيع على صفقة صندوق النقد الدولي، لم تعلن عن أي عمليات بيع كبيرة.
وتاليا نص تقرير الصحيفة:
تسعى مصر جاهدة لبيع أصول الدولة من أجل تعويض النقص الحاد في العملة الصعبة وتخفيف وطأة أزمة التمويل، بينما يتشدد حلفاء القاهرة التقليديين في مقاربتهم إزاء ما يقدمونه من دعم للبلد.
كجزء من حزمة مساعدات قيمتها 3 مليارات دولار تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر/ تشرين الأول – وهي الحزمة الرابعة منذ عام 2016 – وافقت القاهرة على تقليص بصمة الدولة، بما في ذلك العسكر، في الاقتصاد. كما يُنظر إلى الأموال الواردة من بيع أصول الدولة باعتبارها ضرورية جداً لتعويض النقص الشديد في العملة الصعبة وملء الفجوة المالية التي يقدر صندوق النقد الدولي أنها ستصل إلى 17 مليار دولار خلال السنوات الأربع القادمة.
لطالما تدخلت دول الخليج الغنية بالنفط من أجل إنقاذ جارتها خلال العقد الذي بدأ باستيلاء نظام السيسي على السلطة، ولذلك كان يتوقع لها أن تكون من أهم المشترين للأصول المصرية. حددت القاهرة 32 شركة من شركات القطاع العام تنوي فتحها لمشاركة القطاع الخاص، إلا أنها، ومنذ التوقيع على صفقة صندوق النقد الدولي، لم تعلن عن أي عمليات بيع كبيرة.
يؤكد عدم تحقيق أي تقدم في هذا المجال على أن الدول المانحة في الإقليم بدأت تتخذ موقفاً أكثر صرامة، وتشمل هذه الدول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر. فلقد غدت العواصم الخليجية أقل استعداداً لتقديم الدعم المالي التقليدي، وراحت بدلاً من ذلك تبحث عن فرص للاستثمار التجاري وتلح على الحكومات بضرورة إحداث إصلاحات.
ولقد حذر المراقبون من انعدام التوافق بين توقعات القاهرة وتوقعات صناديق الثروة السيادية للبلدان الخليجية.
يقول أحد المصرفيين الدوليين ممن لديهم اطلاع جيد على ما يجري من نقاشات: "يتمثل موقف مصر في بيع الأصول بقيمة ضخمة بالنسبة لأسعار السوق، وذلك أن مصر ترى أن الأسواق الحالية تعاني من ركود ولا تمثل القيمة الحقيقية على المدى البعيد." ويضيف ذلك الشخص إن تبايناً كبيراً حصل بين الجانبين.
ويشكك المراقبون في استعداد نظام السيسي الذي يقوده العسكر في البدء بإصلاحات، بما في ذلك تحجيم مصالح الجيش التجارية، والتي توسعت بشكل ملحوظ في عهد السيسي، وتمتد من الزراعة وإنتاج الأسماك إلى الإنشاءات ومصانع الغذاء.
يقول مصرفي آخر: "إن الامتعاض والإحباط هو سيد الموقف داخل المملكة العربية السعودية، فهم يقولون هل يعتقد المصريون أننا حمقى لهذه الدرجة. يريدون رؤية إصلاحات ذات معنى ورؤية خطة إصلاح بنيوي قيد التنفيذ.".
أثناء حديثه أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في شهر يناير/ كانون الثاني، حدد وزير المالية في المملكة العربية السعودية محمد الجدعان معالم المقاربة التي تنتهجها الرياض للمساعدة، قائلاً: "كنا في السابق نقدم المنح المباشرة ونودع الأموال بلا قيد أو شرط، ونحن الآن نغير ذلك. نحتاج الآن إلى رؤية إصلاحات، فنحن نفرض الضرائب على شعبنا، ونتوقع من الآخرين أن يفعلوا نفس الشيء.".
ومؤخراً انسحب صندوق الاستثمار العام التابع للمملكة العربية السعودية، والذي كان قد تعهد باستثمار 10 مليارات دولار في مصر، من المحادثات لشراء البنك المتحد المملوك للدولة بعد أن أفضى انهيار الجنيه المصري إلى تبديد مئات الملايين من قيمته بالدولار، وذلك بناء على ما صرح به مصرفي دولي وشخص آخر لديه اطلاع على المحادثات. إلا أن صندوق الاستثمار العام رفض التعليق على الموضوع.
وكان الجنيه المصري قد فقد ما يقرب من 35 بالمائة من قيمته مقابل الدولار منذ أن وافقت القاهرة في أكتوبر/ تشرين الأول على الانتقال إلى نظام سعر صرف أكثر مرونة كجزء من الحزمة المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي.
في هذه الأثناء، رفضت سلطة الاستثمار القطرية عرضاً بتملك حصة في شركة صناعة البسكوت المملوكة للجيش.
وعن ذلك قال شخص مطلع على المحادثات التي جرت بهذا الشأن: "إن القطريين على استعداد لدفع المال، ولكن ينبغي أن يكون ذلك جزءاً من استثمار ذكي، استثمار يولد المال، أو في حالات قليلة ونادرة، ينتهي بدون خسارة على الأقل. لن يقوموا ببساطة بإلقاء المال جزافاً، بل هم يسعون لإيجاد الفرص الاستثمارية المناسبة".
أما يزيد صايغ، الباحث في مركز إتش كير كارنيغي في الشرق الأوسط فيقول إن الجيش سوف يقاوم بيع الأصول التي تدر عليه أرباحاً.
ويقول: "إلا أن القضية الحقيقية بالنسبة للمشترين تكمن في أن شركات الجيش تعتمد بشكل تام على تمويل الدولة لها، والذي يتم من خلال التدفق المضمون لعقود الشراء الحكومية ... وكذلك من خلال التسهيلات ومن خلال القدرة على تحميل الخسائر لخزينة الدولة. ولا يوجد ما يجذب المستثمرين الأجانب ما لم يحصلوا على ضمانات باستمرار هذه الامتيازات".
ويقول مصرفي مطلع على النقاشات مقره دبي إن الصندوق السيادي التابع لأبو ظبي، وهو الذراع الاستثمارية لدولة الإمارات العربية المتحدة في مصر، أوقف مشاريعه داخل البلد. ويقول ذلك الشخص: "لا توجد شهية لأي شيء ذي بال في الوقت الحاضر".. ويضيف أن ذلك من شأنه أن يتغير بعد الزيارة التي قام بها رئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى القاهرة هذا الشهر. رفض صندوق أبوظبي السيادي التعليق على الأمر.
لم تزل الإمارات العربية المتحدة ملتزمة بمساعدة القاهرة، ولكن من المرجح أن تلجأ أبوظبي إلى إيصال الدعم عبر برنامج صندوق النقد الدولي، بحسب ما يقوله أشخاص مطلعون على الأمر.
هوت مصر في الأزمة العام الماضي بعد أن سحب مستثمرو السندات الأجانب ما يقرب من 20 مليار دولار من الدين المصري، وكان ذلك قريباً من زمن غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/ شباط وما رافق ذلك من قلق بالغ إزاء تداعيات الحرب على الأسواق الصاعدة. كانت السلطات حتى ذلك الوقت تعتمد على الاستثمارات الأجنبية في سنداتها لتمويل عجزها الحالي في المديونية.
وأجبرت القاهرة على التحول نحو صندوق النقد الدولي وحلفائها في الخليج، فما كان من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر إلا أن أودعت ما مجموعه 13 مليار دولار في البنك المركزي.
في مؤشر على التحول في مقاربة بلدان الخليج إزاء المساعدات، قال جهاد آزور، مدير برنامج صندوق النقد الدولي في الشرق الأوسط، في تصريح لصحيفة ذي فاينانشال تايمز في فبراير إن الصندوق زاد من التعاون مع دول الخليج، بما في ذلك في تصميم البرامج.
وقال: "نتعامل معهم بوتيرة أكبر للتأكد من أن التمويل الإضافي الذي يقدمونه يساعد في تنفيذ الإصلاحات التي يهدف البرنامج إلى تحقيقها".
وكان الصندوق قد قال في أكتوبر/ تشرين الأول إن دول الخليج تعهدت بدفع ما مجموعه 41 مليار دولار لكل من مصر والأردن والباكستان واليمن على شكل دعم رسمي واستثمارات، وقد دفع من ذلك ما يزيد على 22 مليار دولار حتى تاريخه.
في العام الماضي، أنفق كل من صندوق الاستثمار العام السعودي وصندوق أبوظبي السيادي ما يقرب من 4 مليارات دولار في شراء الحصص الحكومية في الشركات المصرية، بما في ذلك مصرف ومصنع للأسمدة الكيماوية بالإضافة إلى شركات تعمل في مجال النقل والتكنولوجيا.
بموجب الاتفاق الذي أبرم مع صندوق النقد الدولي، تتوقع مصر تمويلاً إضافياً بما قيمته 14 مليار دولار من "شركائها الدوليين والإقليميين"، بما في ذلك "من خلال الاستثمار القائم في الأصول المملوكة للدولة"، حسبما صرح به الصندوق.
ولكن في ظل حالة القلق التي تسود أوساط المستثمرين، ونظراً لما يتعرض له القطاع الخاص من إعاقة بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، وبسبب الهيمنة التي يفرضها الجيش، فلا يوجد أمام القاهرة سوى طرق محدودة جداً لتوفير رأس المال خارج نطاق بيع أصول الدولة للحلفاء في الخليج، كما يقول أحد المحللين.
يقول فاروق سوسة، الاقتصادي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط لدى غولدمان ساكس: "إذا كنت لا تريد الاستمرار في تراجع قيمة عملتك وتقليص وتيرة النمو من أجل خفض الطلب على الدولار، فإن الخيار الوحيد هو زيادة المعروض. والسبيل الوحيد المتاح أمام مصر على المدى القريب هو جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة عبر بيع الأصول".