أضحى
السودان
حديث الأسافير والقنوات الفضائية هذه الأيام جراء القتال الدائر في قلب العاصمة
الخرطوم منذ الخامس عشر من نيسان/ أبريل المنصرم، قتال مهما قيل عنه يصعب وصفه؛
لما يحمله من أجندات خفية تستهدف البلد وسيادته.
ونعتقد جازمين أن
ما يدور أمر دبر له بليل منذ وقت طويل، على غرار ما تم في دول أخرى في الإقليم.
وقد لا نستغرب إذا
علمنا أن مشروع الشرق الأوسط الكبير وسياسة تفكيك المجتمعات التي تمارس منذ بداية
الألفية الثانية ما زال مهندسوها يسعون لتنفيذها، فنتائج ما عرف بثورات الربيع
العربي ماثلة للعيان في كل من سوريا وليبيا واليمن وقبلها العراق الذي تم تدميره
ليعود إلى العصر الحجري، وحتى تونس الخضراء التي حسبناها قد نجت من ما حصل في تلك
الدول ها هي تحن لنفس المصير. واليوم جاء الدور على السودان لما يمثله من موقع
جيوسياسي وموارد اقتصادية ضخمة؛ تؤهله أن يكون في مصاف الدول المتقدمة إذا تم
استغلالها وحدث استقرار سياسي.
من هنا، فإن
الجغرافيا كانت سببا في معاناة إنسانه منذ فجر الاستقلال، فصراع الموارد والهوية
بين مكوناته الاجتماعية وأقاليمه أدت الدور المحوري في إيقاف عجلة التنمية فيه.
وبالعودة إلى عنوان
المقال، فقد صرح السيد فولكر، رئيس البعثة الأممية للسودان تحت الفصل السادس، التي جاءت بطلب من رئيس وزراء حكومة الفترة الانتقالية السابق الدكتور عبد الله
حمدوك، في مقابلة مع إحدى القنوات الفضائية في ٣٠ من نيسان/ أبريل الماضي، بأنهم
يسعون لاستضافة لقاء مباشر بين
البرهان وحميدتي من أجل التوصل إلى هدنة، ومن ثم إيجاد
آلية واضحة لتنفيذها، بمشاركة طرفي النزاع وأطراف دولية وإقليمية ومحلية، ثم اتفاق
لوقف إطلاق نار مشروط. وأضاف قائلا؛ إن كل من يرفض وقف إطلاق النار سوف يكون معزولا، ولن يتم الاعتراف به حتى لو انتصر في الحرب، وسوف نفرض عليه العقوبات، والحديث
لفولكر طبعا.
حديث المبعوث الأممي
هذا يذكرنا بما كان يجري في العراق وسوريا وتحيّن الفرص لفرض إرادتهم على شعوب تلك
الدول، وحتى نفند الأمر فإننا بحاجة إلى تفكيك ما جاء في حديثه، ففي الفقرة الأولى
قال: "استضافة لقاء بين البرهان وحميدتي"، وهنا ساوى بين الاثنين، وأقصد
هنا الصفة الاعتبارية لأن البرهان يمثل شرعية الدولة القائمة الآن، بالإضافة إلى أنه
القائد العام للجيش الرسمي للسودان، وأن السيد
حميدتي قائد لفصيل عسكري يفترض فيه أنه
تابع لأمر القائد العام وفق المرسوم الذي صدر في ٣٠ تموز/ يوليو ٢٠١٩م، الذي ألغى
المرسوم الجمهوري السابق الذي بموجبه كانت تتبع هذه القوات إلى رئاسة الجمهورية.
ونحن نعتقد أن
المساواة بين البرهان وحميدتي مقصودة لذاتها؛ لأن السيد المبعوث الأممي ربما رأى
في قائد الدعم السريع السيد حميدتي حصان طروادة لتنفيذ ما يرمي إليه. وفي حديثه عن
الهدنة ذكر آلية المراقبة وحشد لها المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي، ونحن نعلم أن
كل هذه الأطراف التي قال إنها ستراقب الهدنة إن حدثت، كانت وما زالت طرفا واحدا؛
متحدة في رؤيتها بضرورة تفكيك الجيش وداعمة للعملية السياسية المسماة بالاتفاق الإطاري.
فالمجتمع الدولي
الذي يمثله فولكر من أولويات ما يجب أن يقوم به، هو تفكيك المؤسسة العسكرية وبناء
جيش جديد على أنقاضها، والإقليم الذي يقصده هو بعض دول الجوار التي باركت ما عُرف
بالاتفاق الإطاري، وبعضها ضالع فيما يجري الآن من خلال الدعم لاستمرار القتال بصور
مختلفة على الأرض. أما المحليون المقصودون هنا، فهم جماعة "قحت- المجلس المركزي"،
ولا ندري أي مجلس مركزي هو المعني هنا؛ لأننا نشاهد أولاد الإمام عروة الصادق والمنصورة
وبعض من يطلقون على أنفسهم الناطقين باسم قحت؛ أمثال سلك وجعفر حسن وغيرهم ممن ترك
البلد وفرّ بجلده متكئا على جوازه الأجنبي. وهذه الأطراف الثلاثة التي ذكرها السيد
المبعوث الأممي، تجمعها رغبة التفكيك كما قال أحد متحدثي قحت؛ السيد ياسر سعيد
عرمان، من أن الدعم السريع يصلح أن يكون نواة للجيش الوطني، الذي يمكن البناء عليه
طبعا بعد تفكيك الجيش وهيكلته تحت غطاء تفكيك التمكين ونظام
الإسلاميين الذي حكم
ثلاثين عاما.
كما أن عدم الاعتراف
وفرض العقوبات على الطرف المنتصر إذا رفض ما تفضل به السيد فولكر؛ نابع من أن ما
يجري على الأرض هو رجحان كفة الجيش على الدعم السريع الذي عوّل عليه كثيرا.
تبقى أن نشير إلى
أن السودان الذي يقف أبناؤه في وجه ما خطط لهم، لن يستسلم، وأن ما قيل عن مؤامر
الفلول والكيزان والإسلاميين، أمر وإن كان موجودا بحكم الواقع الذي كان قائما قبل
الثورة الشعبية في كانون الأول/ديسمبر المجيد مقدور عليه؛ لأننا نعتقد أن لا مستقبل للمؤتمر
الوطني في هذه المرحلة، وأن الإرادة الشعبية التي اقتلعته قادرة على أن تضع حدا
لطموحاته، هذا فضلا عن أنه يجب على السودانيين إدارة حوار حقيقي فيما بينهم؛ لا
يقصي أحدا بمن فيهم الإسلاميون الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء والفساد، حوار يؤسس
لانطلاقة حقيقية نحو الديمقراطية والدولة المدنية التي رفع شعاراتها شباب ديسمبر (حرية..
سلام وعدالة) وسقط من أجل ذلك الشهداء.
وقديما قال أحد
شعراء الفراسة في السودان في مطلع قصيدة مغناة من التراث الشعبي عن البطولة
السودانية وأصالة الشعب الطيب: "وارثين الشهامة
من عهد بعيد ناروم ما تموت اسأل ناس أبوك يا
وليد".