كنا سابقا ننشغل بالصراعات السياسية في العالم العربي،
انقلاب هنا، وانقلاب هناك،
فوضى هنا، وفوضى هناك، وحرب أهلية هنا، وحرب هناك، وتطاحن بين نظام ومعارضة في غير بلد.
100 عام من الفوضى المتواصلة، من الفساد والدموية وضياع حقوق الإنسان، وغياب التنمية في أغلب الدول العربية، بما فيها تلك الثرية مثل العراق التي يعاني شعبها اليوم من الفقر، وصولا إلى ليبيا الثرية أيضا، التي تغيب عنها كل مشاريع التنمية، ومهددة بالانقسام، مرورا بالسودان الذي يقف على أعتاب حرب أهلية، وانقسام كبير، قد يؤدي إلى قيام مملكة دارفور، مقابل جمهورية الخرطوم، بعد أن تمت التهيئة لكل أسباب هذا الخراب الدموي المؤلم جدا.
علينا فقط ألا نتشاغل فقط بكل هذه الرؤوس الحامية في العالم العربي، التي جرت شعوبها إلى كل هذا الخراب، ونسأل عن الإنسان العربي، وحين نرى أن أكثر نسبة لجوء في العالم، مصدرها العالم العربي، نشعر بعار كبير، فملايين العراقيين والسوريين واليمنيين وغيرهم، فروا عبر البحار، وتركوا دولا ثرية، لأصحاب الرؤوس الحامية، الذين لم يسقط من جنودهم جندي واحد في حرب مقدسة، بل كلها حروب الضلالة والجاهلية الأسوأ كثيرا من الجاهلية الأولى.
في تقارير التنمية الدولية، تتدنى أرقام العالم العربي، برغم كل هذه الثروات المكدسة، حيث إن لا بلد عربيا يعاني فعليا من الفقر، لكن الرؤوس الحامية، والارتباط بأجندات خارجية، والتضحية بدم الناس، أدى إلى كل هذه الحالة، حيث تتدنى نسب التعليم وتتراجع خدمات الصحة وتتغول السلطات على مواطنيها، والحكم في أنظمة كثيرة، يبدو فرديا، تتم مساندته بفكرة أيدولوجية للتغطية على الفردية، أو بدعم من حزب أو قبيلة، أو لون طائفي، أو مذهبي.
100 عام من الانتحار الذاتي في المنطقة، شعوب تعاني الأمرين في شؤون حياتها، وبعد مرور 100 عام من التاريخ، نكتشف أن أغلب الدول لا نموذج لديها في الحكم، فلا هي دولة المواطنة، ولا هي دولة المشروع الممتد لاعتبارات قومية أو دينية أو اقتصادية، والنتائج نراها اليوم بشكل واضح، إذ إن ضحايا هذه العقود، لا يعدون ولا يحصون، ولا يكفي إحصاء القتلى والجرحى والمشردين، بل علينا إحصاء الأحياء الذين نظنهم من الأحياء لكنهم قيد الموت، بسبب الفقر والتجهيل وغياب الحقوق، والعيش تحت التهديد الداخلي أو الخارجي.
لماذا لم تتمكن أغلب الدول العربية من صناعة نماذج مستقرة دون أزمات، والسؤال هنا سياسي وفكري، يجيب عليه كثيرون، والمفارقة هنا، أن النخب التي تقول؛ إن الاستبداد هو الذي أدى إلى كل هذه النتائج، يسكتون عند الأدلة أيضا على أن التعددية في العالم العربي، وما يسمى الديمقراطية،
كانت أداة أيضا لتعزيز الاستبداد، وسببا في الجدل والاختلاف بين مكونات كل بلد، وكأنه مكتوب على هذه المنطقة ألا تقف على قدميها أبدا، ويصير الحل توهم المؤامرات الخارجية فقط، لتبرير كل أسباب الخراب الداخلي، وكل هذه الهشاشة التي لا دواء لها.
الذي يتوجب الإشارة إليه هنا، إن إحصاء خسائر العالم العربي على صعيد الموارد والإنسان العربي، سيولد كارثة نفسية، كما أن الاعتراف بكون بنية الإنسان العربي، لم تساعد أيضا في صياغة المستقبل، عززت الاستبداد، أو استبدلته باستبداد من نوع جديد، كما أن قراءة الأرقام، تثبت أن المستقبل سيكون أصعب بالتأكيد، لأن تراكم كل هذا الخراب، لا يمكن أن يثمر عن مستقبل مختلف، بل سيؤدي إلى مضاعفة الفوائد والفواتير على كل أهل المنطقة.
تقول الأخبار، مثلا: ”أعلنت نقابة أطباء السودان، أن عدد ضحايا الاشتباكات من المدنيين وصل إلى 479 قتيلا وأكثر من 2500 مصاب، وذلك خلال 3 أسابيع من القتال”.
والخبر يمر مرور اللئام، ولا أحد يتصور حجم الخسائر المعنوية، وآلام العائلات، والرغبة بالثأر، وإلى أين يمكن أن تتضاعف هذه الأرقام، فالإنسان العربي مجرد رقم في الإحصاءات التي تعدد الخسائر، دون عواطف، أو قراءة لمستقبل أرقام كهذه لا تبشر بأي خير.
هذه الشعوب مجرد حطب في الموقد المشتعل.
(
الغد الأردنية)