قال تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"
إن التحالفات التي تبنيها طهران مع موسكو وبكين تثير قلقا في واشنطن.
وبحسب معد التقرير ديفيد كلاود فإن
إيران
تعمل اليوم على إقامة علاقات أوثق مع
روسيا والصين، على أمل تخفيف مشاكلها الاقتصادية
وبناء محور جديد قوي من القوى القادرة على مواجهة الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.
وفي ما يأتي نص التقرير الذي ترجمته
"عربي21":
احتفل الرئيس الأسبق جيمي كارتر برأس السنة عام
1977 في طهران مع الشاه محمد رضا بهلوي حيث إنه أشاد بمجتمع إيران الحديث، والاهتمام بحقوق
الإنسان والقوة العسكرية. وقال لمضيفه إن "إيران، بسبب القيادة العظيمة للشاه، هي
جزيرة استقرار في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابا".
سرعان ما تحولت إيران من نظام ملكي موال لأمريكا
إلى دولة ثيوقراطية معادية للغرب بشدة، وبدأت أربعة عقود من العزلة الدولية لطهران.
خصوم واشنطن في الحرب الباردة - موسكو وبكين
- لم يحظوا إلا بقدر ضئيل من الجاذبية كحلفاء محتملين للجمهورية الإسلامية الناشئة.
كان الاتحاد السوفييتي، الذي غزا أفغانستان في نفس العام الذي حدثت فيه ثورة إيران،
"معتديا وحشيا"، بينما كانت
الصين، التي كانت تقيم علاقات أوثق مع الشاه،
"إمبريالية" على حد سواء.
تعمل إيران اليوم على إقامة علاقات أوثق مع روسيا
والصين، على أمل تخفيف مشاكلها الاقتصادية وبناء محور جديد قوي من القوى التعديلية
القادرة على مواجهة الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة. ظهرت علامة دراماتيكية على
هذا التحول في آذار/ مارس عندما توسطت بكين في اتفاق لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين
إيران والسعودية. جاء ذلك في أعقاب قرار إيران المفاجئ العام الماضي بيع مُسيّرات انتحارية
إلى موسكو لمساعدتها في حربها ضد أوكرانيا.
إنها استراتيجية كان الرئيس الإيراني إبراهيم
رئيسي يروج لها مع فلاديمير بوتين وشي جينبينغ منذ العام الماضي، ونصحها بالمقاومة
المشتركة للتهديد الذي يقول الثلاثة إنهم يواجهونه: الحصار العسكري والخنق الاقتصادي
من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
قال رئيسي في كانون الثاني/ يناير في أول زيارة
دولة لبكين من قبل زعيم إيراني منذ عقدين: "المقاومة ستحول التهديد إلى فرصة للتقدم،
بينما التراجع في وجه التهديد لن يؤدي إلا إلى الفشل".
يمكن أن يخدم انفتاح إيران على روسيا والصين استقرار
نظامها لسنوات قادمة. كان اتفاق طهران لعام 2015 مع القوى العالمية للحد من برنامجها
النووي قد خفف العقوبات طويلة الأمد، لكن إدارة ترامب انسحبت من الاتفاقية في عام
2018. وفي الخريف الماضي، شن النظام حملة قمع وحشية على حركة احتجاجية على مستوى البلاد،
وكل ذلك أدى إلى إنهاء أي احتمال للهروب من العقوبات الغربية.
بالنسبة لقادة إيران، فإن الصورة الآن واضحة:
لقد راقبوا بقلق الأنظمة في العراق وأفغانستان وليبيا واليمن وسوريا سقطت أو كادت تسقط
في العقود الأخيرة. ويقول محللون إنهم يخشون أن تكون إيران هي التالية ما لم تتمكن
من الخروج من العزلة التي تفرضها واشنطن.
وقال محمد آية الله طبار، الخبير في الشؤون الإيرانية
بجامعة تكساس: "إنه هدف سام وطموح للغاية، لكن الهدف الإيراني هو: "يمكننا
إقامة نظام دولي مواز. وهم يرون روسيا والصين شريكين رئيسيين لتأسيس هذا النظام الدولي
على المدى الطويل حتى لا تتمكن الولايات المتحدة من إلحاق الضرر بهم اقتصاديا وعسكريا".
مع وجود عضوين دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة بشكل أكثر حزما في ركنه، سيكون لإيران غطاء دولي أكبر لأنها تزن ما إذا كانت
ستصنع أسلحة نووية، وهي خطوة يرى بعض المسؤولين الإيرانيين أنها أفضل ضمان لبقاء النظام.
قال تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد
كوينسي لفن الحكم المسؤول، وهو مركز أبحاث في واشنطن، إن الصين وروسيا تقتربان الآن
من طهران بسبب العداء المشترك للولايات المتحدة والبراغماتية قصيرة المدى. وقال:
"لديهم قواسم مشتركة في عدم الرغبة في رؤية الولايات المتحدة أحادية القطبية هي
السمة المميزة للنظام العالمي".
واشنطن متنبهة لما يحصل.
قال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية
المشتركة، للكونغرس الشهر الماضي حول إيران وروسيا والصين: "لن أسميه تحالفا بالمعنى
الحقيقي للكلمة لكننا نراهم يقتربون من بعضهم البعض وهذا أمر مزعج. هذه البلدان الثلاثة
معا ستكون إشكالية لسنوات عديدة قادمة".
نشأت فكرة أن إيران يجب أن تجد حلفاء وشركاء اقتصاديين
خارج الغرب لأول مرة في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد، وهو محافظ تولى المنصب عام
2005 سعيا للتمييز بين سياساته وسلفه الموالي للغرب، محمد خاتمي. رأى فيلق الحرس الثوري
الإسلامي، الذي ظهر كصوت قوي بشكل متزايد داخل القيادة الإيرانية، روسيا كمورد محتمل
للأسلحة المتقدمة والصين كمصدر للتكنولوجيا.
ولكن عندما بدأ الإيرانيون في متابعة ما يسمى
باستراتيجية "النظر إلى الشرق"، لم يأخذها أحد على محمل الجد، بما في ذلك
الصين وروسيا. داخل إيران، رأى بعض رجال الدين المحافظين في ذلك خيانة لعقيدة أساسية
لثورة 1979.
وعارض المعتدلون في إيران وأعضاء النخبة الثرية،
الذين طالما اعتبروا أنفسهم مرتبطين اقتصاديا وثقافيا ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة
وأوروبا الغربية، التقارب الوثيق مع الصين وروسيا. بدا أن آمالهم قد آتت ثمارها في
عام 2015 عندما توصلت إدارة أوباما وطهران إلى اتفاق للحد من برنامج إيران النووي مقابل
تخفيف العقوبات.
عندما انسحبت إدارة ترامب من الصفقة وفرضت عقوبات
أكثر صرامة، بدأ خليفة الخميني كمرشد أعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، بتأييد علاقات
أوثق مع موسكو وبكين علنا. قال خامنئي لمجموعة من الأكاديميين في عام 2018: "يجب
أن ننظر إلى الشرق، وليس الغرب".
قال بارسي: "لقد استنتج الإيرانيون، صوابا
أو خطأ، أن الولايات المتحدة لن تقبل إيران أبدا. كان هناك تقارب حول وجهة النظر القائلة
بأن العمل مع الغرب ليس خيارا".
أتاح اندلاع حرب أوكرانيا العام الماضي لطهران
أفضل فرصة أمام الحرس الثوري الإيراني لوضع توجيهات خامنئي موضع التنفيذ. كان الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين، الذي يخوض حربا طاحنة ضد عدو مسلح بشكل جيد، في حاجة خاصة إلى
الأصدقاء.
قال محللون إن قرار طهران تزويد روسيا بمُسيّرات
كانت المرة الأولى التي تتدخل فيها في حرب لصالح دولة ذات غالبية غير إسلامية منذ ثورة
1979. كما أنها تخطط لبناء مصنع في روسيا لإنتاج الطائرات بدون طيار ويقال إنها تفكر في
بيع الصواريخ الباليستية.
في المقابل، طلبت إيران طائرات مقاتلة وأسلحة
متطورة أخرى من موسكو وتسعى لتوسيع التجارة والاستثمار. وتأمل طهران في أن تتمكن موسكو
من مساعدة جهودها لتحديث قواتها المسلحة التقليدية، ما يزيد من المخاطر بالنسبة لإسرائيل
أو الولايات المتحدة إذا قرروا مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.
بالنسبة لإيران، فإن "كل ما يساعد بوتين
على مواصلة هذه الحرب جيد، وكل شراكة تحافظ على استمرار آلة الحرب هي تفضيلية"،
كما قال ألكسندر جابوف، الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. وتقدم موسكو
"أسلحة متطورة ربما لا تستطيع إيران الحصول عليها في أي مكان آخر".
لم ير رجال الدين المحافظون في إيران ذات مرة
فرقا كبيرا بين الاتحاد السوفييتي الملحد والغرب المنحل. لكن منذ الحرب الباردة، أقامت
موسكو وطهران علاقة ملائمة بدأت في عام 1991 عندما وافقت روسيا التي تعاني من ضائقة
مالية على بناء مفاعل نووي إيراني في بوشهر. وكانت العلاقة متقطعة وحذرة، مع تقدم العلاقات
التجارية والعسكرية ببطء. لكنها اكتسبت زخما على مدار العقد الماضي حيث تعاونت روسيا
وإيران في تقديم المساعدة العسكرية للرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية التي
استمرت 12 عاما في بلاده.
إن تبني بوتين للتدين، وتسامحه مع الإسلام وقيمه
المحافظة عموما، سهّلت تعامله مع طهران. وقد اجتذب بقوة خامنئي، الذي زار موسكو لأول
مرة منذ عقد في عام 2015، والتقى الاثنان مرارا منذ ذلك الحين. لقد ربطوا علاقاتهم
بسبب عدائهم المشترك لما يصفونه بالهيمنة الأمريكية.
يقول محللون إن تعزيز العلاقات مع بكين أثبت أنه
أكثر صعوبة مما هو مع موسكو، لكن هذا الهدف أكثر أهمية بالنسبة لطهران.
خلص مجتمع الاستخبارات الأمريكية في تقرير تقييم
التهديد لعام 2023: "بينما تتحدى روسيا الولايات المتحدة وبعض القواعد في النظام
الدولي في حربها للعدوان الإقليمي، فإن الصين لديها القدرة على محاولة تغيير النظام
العالمي القائم على القوانين في كل مجال وعبر مناطق متعددة".
والصين هي أكبر زبون للنفط لإيران وسوق رئيسي
يمنع اقتصادها الخاضع لعقوبات شديدة من الانهيار. واستوردت الصين رقما قياسيا قدره
1.2 مليون برميل يوميا من النفط الإيراني في كانون الثاني/ ديسمبر، بزيادة 130% عن
العام السابق، وفقا لشركة بيانات السلع الأساسية "Vortexa". غالبا ما تكون هذه
المشتريات بخصم كبير من الأسعار الدولية.
وقعت بكين اتفاقية تعاون اقتصادي وأمني مدتها
25 عاما مع طهران في عام 2021 للاستثمار في مجالات مثل الطاقة النووية والموانئ والسكك
الحديدية والتكنولوجيا العسكرية وتطوير النفط والغاز. توفر بكين أيضا تقنيات متطورة
تستخدمها إيران لتشديد السيطرة على سكانها المضطربين.
بعد سنوات من نبذ النزاعات الفوضوية في الشرق
الأوسط، تلعب بكين دورا دبلوماسيا أكثر نشاطا في المنطقة. ويقول محللون إنها تشارك
طهران في رغبتها في مواجهة نفوذ الولايات المتحدة، لكنها تخشى أن يؤدي التحالف الوثيق
مع الجمهورية الإسلامية إلى تعريض علاقاتها الأوسع في الخليج للخطر. بكين هي الشريك
التجاري الأكبر للسعودية وأكبر مشترٍ لنفطها، وهو اتجاه من المتوقع أن يتسارع فقط. وبدأت الرياض في استيراد تكنولوجيا الصواريخ الحساسة من الجيش الصيني.
رغم كل المؤشرات على تعميق العلاقات، تظل القيود
المفروضة على تعاون إيران مع روسيا والصين كبيرة. يقول محللون إن الاستثمار المباشر
من قبل الشركات الروسية والصينية في إيران لا يزال ضئيلا. لا يزال كلا البلدين يخشيان
أن يؤدي ربط اقتصاداتهما بشكل وثيق للغاية بإيران إلى جعلهما هدفا للعقوبات الأمريكية
على إيران.
بالنسبة للولايات المتحدة، يثير نجاح إيران في
الخروج من عزلتها مخاوف جديدة. يقول هنري روما، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة
الشرق الأدنى، إن تواصل طهران مع الصين قد وفر شريان حياة اقتصاديا قلل من الحاجة الملحة
لإبرام اتفاق نووي مع الغرب من شأنه أن يرفع العقوبات. وقال "من الواضح أن هذا
قوض المصالح الأمريكية". في الوقت نفسه، فإن وعد روسيا بيع مقاتلات متطورة إلى
طهران هذا العام قد يجعلها تهديدا عسكريا أكبر بكثير للولايات المتحدة وحلفائها في
الشرق الأوسط.
العلاقات الإيرانية المزدهرة مع موسكو وبكين لن
تحولها إلى عملاق قادر على إخراج الولايات المتحدة من المنطقة أو تدمير إسرائيل، كما
تعهدت منذ فترة طويلة بفعل ذلك. لكن التحالفات الجديدة قد تطيل إلى أجل غير مسمى حياة
النظام الذي بدا قبل أشهر فقط وكأن خياراته تنفد.