يجد المرء نفسه ملزما في البداية بالإقرار بأن للرئيس التركي رجب طيب
أردوغان أخطاء لعلها معروفة فضلا عن إيجابياته الكبرى المعروفة، كما أن للإسلاميين
-مع التحفظ على المصطلح لحد ما- إيجابيات لعل القاصي وغيره يعرفها، فقد ساهموا
خاصة في الدول العربية والإسلامية في توعية الشعوب بدينها، وتظل لهم عليها أيادٍ
بيضاء لا ينكرها إلا غير منصف، فمتى سُمِحَ لهم بالتواجد والحركة أعانوا المظلوم -ما
أمكنهم- وحملوا عن المعوزين، ودافعوا عن المهمشين بمشروعات خيرية، يذهبون للمناطق المتضررة،
يُعلون من الجانب الإغاثي..
والإقرار بحقيقة ما سبق يأتي دائما من أنفس محبة للخير، تتمنى بقاءه أبد
الدهر، ولكن يبقى أن المزاوجة بين المجهود الذي يعد فرديا من إعاني وإغاثي ومن قبل
المشاركة في التعريف بالدين على نحو أقرب للصحيح؛ لا تنفي أن أداء
الإسلاميين -أو
المعروفين بهذا المصطلح- في سبيل نهضة ورفعة الأوطان من المحيط للخليج وداخل الوطن
الإسلامي الذي نرجو أن نعيش حتى نراه واحدا، وأن هذا الأمر الخاص بالأداء الجمعي
داخل الوطن الواحد من أجل نهضته؛ فيه قصور شديد لدى الإسلاميين، اللهم إلا ما كان
من أمر
تركيا ورئيسها أردوغان الذي يمثل تجربة إسلامية تحمل شعارا ناجحا وسط طوفان
فشل عارم للإسلاميين المحدثين والمعاصرين، للأسف الشديد.
قصَدنا تركيا في وقت محنة عارمة في مسقط رأسنا فوجدنا فيها الملاذ والأمن
وما زلنا، وإن كنا ضمن مَنْ يعانون لأسباب ليس مقامها وما من سبيل للاستفاضة فيها،
فإنما وهبتنا السلطات إقامة تطورت وتكفّل رب العباد بالبقية. ويبقى أن الشاهد أننا
لم نكن من أصحاب المصالح أو المغانم الدنيوية العاجلة التي لا تكاد تكون شيئا في
الآخرة، وإنما قصْدنا هنا كلمة حق.
رأينا أردوغان شعلة مضيئة يوفقها رب العباد لكي تبقى تجربة إسلامية ناجحة
في الأرض.. بدأت المقولة في نفس الكاتب وترجمتها الكلمات المكتوبة منذ محاولة
الانقلاب الفاشلة منتصف تموز/ يوليو 2016م. ربما يعترض معترض خاصة من المحتفظين
بصورة شبه نمطية عن التدين.. ربما يعترض البعض على نسبة أردوغان للإسلاميين،
لتجربته المنفتحة على حماية وتجميع كل ألوان طيف المجتمع تحت مظلة واحدة.
يبقى لدينا أن مصطلح "إسلاميين" يحمل سلبية ما، وإنما تقبلنا
المصطلح على عمومه لانتشاره؛ وربما من بال الإعذار بأن الخطأ المنتشر خير من
الصواب المهجور -بحسب البعض- ولكن السبب الرئيسي لتقبله فهو أنه لا التجربة على
مستواها الخارجي تستحق البحث عن مصطلح بديل والتنكر له، ولا المصطلح يستحق التبرير
أو التعديل، ويكفي في هذا السياق أن نذكر أمرين:
1- التيار السياسي الإسلامي الرئيس في
مصر وصاحب مظلة حزب "الحرية
والعدالة" بعد فشله وتكالب داخلي وإقليمي وعالمي عليه، وعدم كونه جديرا بفهم
معنى وتبعات ترشحه لحكم دولة مركزية كمصر، أو استعداده للبقاء في الحكم، وبعد أن
لاحقته القوة الغاشمة فبعثرت مجهوداته؛ صار يستشعر اليوم أن الحكم والسلطة
والسيادة السياسية في مصر ما تزال له؛ حتى بعد إسقاطه عسكريا بعشر سنوات. ويا له
من شعور ويا لها من انسحابية من مواجهة الحقائق والتعامل معها في المبتدأ والختام
اللحظي على الأقل حتى الآن!
2- أحد البرلمانيين الأكاديميين المحسوبين على التيار السابق الذكر صرح منذ
أيام قليلة على حسابه الموثق على إحدى شبكات التواصل؛ بأنه يرى ويشاركه جمع في
ورشة حول أحداث السودان وتونس أن الأمة الإسلامية مفعول بها خاصة العرب، وقد
تكالبت الأمم عليها. هذا على سبيل المثال وضمن آلاف التصريحات المعلنة له أو للتيار.
وفي النقطتين السابقتين يستشهدون -كالعادة وكما قضت الضرورة لديهم- بنصوص
دينية من آيات كريمة وأحاديث شريفة ثم كلمات السلف الصالح؛ يُلوى عنان معانيها
لتناسب مرادهم، فقد كانت نفس اختياراتهم سابقا لضرورة التصدي للحكم منذ سنوات، ثم
أخذت تشير لمواجهة الظالمين وحكم الله عليهم بالإذلال. وهي نصوص ومواقف صحيحة لكنها اقتطعت من سياقها، ثم لما سقطت التجربة -للأسف الشديد- باتت تشير للتصبر وغزوة
أحد!
والملاحظتان الخاصتان بمصر نجد مثلهما فيما يخص تجارب عربية وإسلامية أخرى
منسوبة للإسلام، ولا أحد يراجع نفسه أو يتروى ليعرف أن الدافعية لحمل لواء أو مشعل
يضيء بذاته ويواجه باسم الإسلام غير متوافر، وإن الله تعالى لم يكن بحال ليسمح
لمبتدئين في عالم
السياسة، وإن كانوا عابدين أو طرف منهم من المجيدين على المستوى
الشخصي، وإن كان فيهم مخلصون يتفانون في خدمة الشعوب، لكن هذا لا يكفي لحكم الدولة،
لم يكن الله ليأذن لمن لم يتملك الأدوات بأن يسود في الأرض باسمه، فلا يُحسب
تقصيره على نفسه بل على الإسلام!