الكتاب: "أطلس الصحافة العربية الفلسطينية (1907- 1993)
المؤلف: مجموعة من الباحثين
تحرير: عبد القادر ياسين
الناشر: مركز الأبحاث، منظمة
التحرير الفلسطينية 2023
لا يستغني الباحث في
التاريخ الوطني عن الصحف ، ولقد عانى الشعب
الفلسطيني، وبضمنه مؤرِّخوه، الكثير، من ضياع الصحف العربية الفلسطينية، ضمن
تعبيرات "نكبة 48 الفلسطينية"، ومن هنا تأتي أهمية الكتاب الذي بين
أيدينا، والذي يغطي مسيرة نحو مئة عام من الصحافة العربية الفلسطينية، في فترات
شديدة الحسم، بليغة الوقع والأثر.
صدر الكتاب عن مركز الأبحاث، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، في
ثلاثة عشر فصلًا، بالإضافة إلى مقدمتين، كتب إحداهما، د. منتصر جرار، مدير مركز
الأبحاث، فيما جاءت الثانية بقلم د. عماد الأصفر، مدير مركز تطوير الإعلام، بجامعة
بيرزيت. كما احتوى الكتاب على ملحق قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني، الذي صدر عن
السلطة الوطنية الفلسطينية، بتاريخ 25/6/1995.
الباب الأول- تحت الاحتلال البريطاني (1918- 1948)
احتجزت أربعة قرون متصلة من الحكم العثماني (1516- 1918) التطور
الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، والثقافي لولاية سوريا، وبضمنها فلسطين. وإن
استجدت عوامل، منذ أواسط القرن التاسع عشر، هيأت أرض فلسطين لاستقبال الصحافة، لذا
بدأ، عبد القادر ياسين، الفصل الأول "مسح صحافة حقبة الاحتلال
البريطاني"، برصد هذه العوامل، ومناقشتها.
رصد ياسين، ملابسات دخول الطباعة العربية، إلى فلسطين، وصدور أول
صحيفة باللغة العربية بعد ذلك بثلاثين عامًا، حين أصدرت السلطات العثمانية، صحيفتي
"القدس الشريف" و"الغزال"، عام 1876، ورأى، ياسين، أنه لا
يمكن التأريخ للصحافة العربية في فلسطين بهاتين الصحيفتين، بسبب صدورهما عن السلطة
الحاكمة، واقتصارهما على نشر الفرامنات، والأوامر الرسمية العثمانية.
مرت الصحافة العربية الفلسطينية بثلاثة مراحل، بما يتطابق تمامًا مع
تلك التي مرت بها الحركة الوطنية في فلسطين، لذا استعرض، ياسين، أهم الصحف التي
صدرت في كل مرحلة، في جداول، أوضح من خلالها اسم الصحيفة، وصاحب امتياز صدورها،
ومحررها، ومكان وتاريخ صدورها، ثم ناقش المتاعب، والعقبات التي واجهت الصحف والصحافيون،
في كل مرحلة، وأخيرًا استخلص ملامح صحافة كل مرحلة.
من قراءة الجداول يلاحظ أن كل الصحف، التي صدرت، خلال تلك الفترة،
صدرت في القدس، ويافا وحيفا، وقد أوضح، ياسين، سبب ذلك، في الفصل الأول من الباب
الثاني، حيث قال "ظل الجزء الجنوبي الغربي في فلسطين مركز طرد، بفعل الفقر
المدقع، والضيق في أراضيه الزراعية...، لذا استعصى إصدار صحف في قضاء غزة، بينما
تركز إصدار الصحف في المدن الفلسطينية المنتعشة اقتصاديًا، وسياسيًا، وثقافيًا،
مثل يافا والقدس وحيفا" (ص 119).
رأى، ياسين، أن الصحافة العربية الفلسطينية، في العهد العثماني
"اتسمت بالتكلف، في الشكل، والإخراج، كما في المحتوى" (ص 15).
أما المرحلة الأولى من الحركة الوطنية الفلسطينية، فقد ساد فيها
المقال السياسي التحريضي، ضد الصهيونية، والاحتلال البريطاني. ومع بداية المرحلة
الثانية، ارتفع نطاق توزيع الصحف، نسبيًا، بسبب ارتفاع درجة اهتمام الشعب بما يجري
حوله، فيما تميزت المرحلة الثالثة بامتلاك أغلب الأحزاب السياسية صحفًا سياسية،
وفيها بدأ ظهور الصحف التي تعبر عن العمال العرب، في فلسطين، والتي أصدرتها اتحاد
نقابات وجمعيات العمال العرب.
مرت الصحافة العربية الفلسطينية بثلاثة مراحل، بما يتطابق تمامًا مع تلك التي مرت بها الحركة الوطنية في فلسطين، لذا استعرض، ياسين، أهم الصحف التي صدرت في كل مرحلة، في جداول، أوضح من خلالها اسم الصحيفة، وصاحب امتياز صدورها، ومحررها، ومكان وتاريخ صدورها، ثم ناقش المتاعب، والعقبات التي واجهت الصحف والصحافيون، في كل مرحلة، وأخيرًا استخلص ملامح صحافة كل مرحلة.
عمل، ياسين، في الفصل الرابع "الصحافة والحياة السياسية"،
على تحليل المعلومات الواردة في الفصل الأول، حيث، سعى، إلى استقراء وتحليل مضمون
افتتاحيات الصحف في كل مرحلة، وبالرغم من تباين توجهات الصحف وتعارضها، فقد وجد،
ياسين، أنها جميعًا وعدت بالتصدي للانتداب البريطاني، والمشروع الصهيوني، والهجرة اليهودية،
وانتقال الأراضي العربية للمستوطنين اليهود، ومؤسساتهم. ولم يجد ياسين الاختلاف
إلا في حدة الطرح، وفي المفردات المستخدمة.
كتب، الفصل الثاني"مجلة الاقتصاديات العربية"، صلاح عبد
الرؤوف، وفيه استعرض، نقديًا، مجلة الاقتصاديات العربية، التي صدرت في القدس،
أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت أول مطبوعة تعبر عن المصالح المباشرة
للبرجوازية الفلسطينية.
رصد، الفصل، كيف أنهت هبة البراق، انفراد كبار الملاك بقيادة الحركة
الوطنية الفلسطينية، وكيف بدأت البرجوازية بالتعبير عن مدى تطورها بتأسيس البنوك،
ثم بتنظيم المؤتمرات، وتأسيس الأحزاب، وكيف توسعت هذه الأحزاب في تأسيس الصحف،
التي لم يعبر أي منها عن المصالح المباشرة للبرجوازية الفلسطينية ، إلى أن جاءت
مجلة الاقتصاديات العربية، لمؤسسها فؤاد سابا.
ناقش، الكاتب، كيف تبلورت فكرة المجلة التي اتخذت من علم الاقتصاد
أرض مفاهيمية لها، ثم تناول بالنقد أهم سمات وتوجهات المجلة، من خلال عرض، ومناقشة
أبرز القضايا التي تناولتها أعداد المجلة.
أشار، عبد الرؤوف، إلى أن المجلة أولت اهتمامًا كبيرًا بفلسطين
"فتجاوزت اقتصادها، في كثير من الأحيان، وعرجت على ما تشهدة فلسطين من أحداث
سياسية... بل شاركت المجلة في بعض الممارسات السياسية، فاحتجبت في الفترة من أبريل
إلى أكتوبر 1936، مشاركة في الإضراب الكبير" (ص 46) كما أبرز، رءوف، أن
الاقتصاديات العربية "كانت على إدراك تام بحقيقة الهجرة اليهودية،
وهدفها،...، حيث اعتبرته هدما لوطن عربي قح، لإقامة وطن يهودي أجنبي على
أنقاضه" (ص 48).
انتقد، عبد الرؤوف، إسراف المجلة في عرض قضايا اقتصادية، بعيدة عن
واقع الوطن، قضايا تليق "بدولة مستقة سياسيًا، ومستقرة اقتصاديًا" (ص 46)، حيث رهنت، المجلة، الاستقلال السياسي للوطن العربي بالنهضة الاقتصادية، ورأت
استحالة تحققه دون تحقيق هذه النهضة. كما انتقد وقوعها في خطيئة التبرير
للاستعمار، بنشر مقال "هل هناك حاجة اقتصادية للمستعمرات؟"، دون تعليق
وطني من جانبها.
في الفصل الثالث، ألقت، د. إلهام الشمالي، الضوء على العوامل التي
أسهمت في إحداث نهضة في الصحافة الأدبية العربية في فلسطين، ومنها حملة محمد علي
1831 ـ 1840؛ انتشار الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية، في المدن الفلسطينية؛
البعثات العلمية والطلابية؛ وظهور المطابع.
قسمت، الشمالي، الفصل إلى عدد من المحاور، رصدت في المحور الأول
أحوال الصحافة، في فلسطين، منذ الحكم العثماني وحتى العام 1948، وربما كان من
الأجدى الاستغناء عن هذا المحور لتكرار المعلومات الواردة فيه، مع تلك التي وردت
في الفصل الأول.
خصصت الشمالي المحور الثاني، لأهم الصحاف الأدبية في تلك الفترة،
فرصدت ملابسات ظهور كل صحيفة، وتوجهاتها، ثم قامت بتحليل الموضوعات التي تناولتها
هذه الصحيفة. وقد وجدت الشمالي أن الصحافة الأدبية استطاعت مواصلة تطوير حياة
الفكر، والثقافة الفلسطينية، حيث كان العديد من محرري وكتاب الصحف الرئيسيين من
الأدباء.كما أن معظم الصحف والمجلات أطلقت على نفسها "الأدبية" وإن عالجت الجانب السياسي والتاريخي والعلمي
والفكهاي والاجتماعي.
من النكبة إلى "النكسة"
(1948- 1967)
توقفت الصحافة الفلسطينية عن الصدور، بفعل نكبة 1948؛ والاوضاع
الاقتصادية، والاجتماعية التي خلفتها؛ ذلك أن الصحف اليومية الرئيسية الثلاث كانت
تصدر في مدينة يافا، التي وقعت في يد العصابات الصهيونية المسلحة.
كتب، الفصل الأول، "صحافة قطاع غزة من 1948 إلى 1967"، عبد
القادر ياسين، وقد بدأ ياسين الفصل بإلقاء الضوء على الأحوال الاقتصادية
والاجتماعية في قطاع غزة، بعد قيام الدولة الصهيونية عام 1948، وكيف تسببت هذه
الأحوال في بقاء أسباب غياب الصحافة على حالها، وإن أضيف لها عامل الأحكام
العرفية، التي رزح القطاع تحتها؛ طوال حكم الإدارة المصرية، ناهيك عن المنافسة
القوية للصحف المصرية، التي لا قبل لصحف القطاع بها.
قسم ياسين تلك الفترة إلى مرحلتين بدأت الأولى عام 1948، وانتهت
بالعدوان الثلاثي 1956، فيما امتدت الثانية من الجلاء وحتى الاحتلال عام 1967.
من خلال رصده للصحف التي صدرت في قطاع غزة، وجد، ياسين، أن المرحلة
الأولى لم تشهد سوى ميلاد صحيفة واحدة منتظمة، كما رصد انتشار الصحافة السرية،
خاصة على أيدي الشيوعيين، نتيجة لثقل الرقابة. أما المرحلة الثانية فقد أصدر فيها
حزبان، صحفا خاصة بهم، بعد أن كان إصدار الصحف في المرحلة الأولى وقفًا على أبناء
العائلات الكبيرة، كما ارتفع عدد الصحف المنتظمة إلى أربعة.
مع وقوع الاحتلال الإسرائيلي، عام 1967، توقفت الصحف العربية في الضفة والقطاع عن الصدور، وغابت المنابر الوطنية، لفترة من الزمن، انطلاقًا من الإجماع الوطني، بمقاطعة كافة دوائر الاحتلال الإسرائيلي ومؤسساته، لانتفاء الشرعية عنه، واعتقادًا من القوى االوطنية بأن فترة الاحتلال لن تطول، أسوة بما حدث إبان العدوان الثلاثي، عام 1956، رغم الاختلاف الواضح بين العدوانين.
أما الفصل الثاني الصحافة في الأردن فقد كتبه، عادل عشماوي، وقد آثر،
عشماوي، دراسة تطور الصحافة في الأردن، خلال تلك الفترة، وفق مراحل ثلاث: تمتد
الأولى منها ما بين نكبة 1948، وحتى توحيد الضفتين، الشرقية والغربية لنهر
الأردن(مايو 1950)؛ بينما تمتد المرحلة الثانية إلى التحولات الدراميتيكية في
الأردن (ربيع 1957)، ومن هذه التحولات إلى نكسة 1967، حيث المرحلة الثالثة.
رأى عشماوي أن كل حقبة، من هذه الحقب الثلاث، اتسمت بظروف، وأحوال
تاريخية مختلفة ومتغيرة باستمرار؛ جعلت صدور الصحف خلالها، متأثرًا بما يحيط بها
من ملابسات، ما استدعى سن قوانين، وأنظمة، تحكم وتنظم الحركة الصحافية هناك.
رصد عشماوي الصحف الجديدة التي صدرت، وتلك التي عاودت الظهور، في الأردن، بعد توقفها في فلسطين، في
كل مرحلة رصد دقيق، في جداول ورسوم بيانية، كما قدم تحليل لكل البيانات التي وردت
في هذه الجداول.
تناول، غسان الشهباني، في الفصل الثالث "الصحافة والحركة
السياسية في فلسطين المحتلة"، ودورها في التصدي للحركة الصهيونية. في بداية
الفصل أشارالشهباني إلى أن "نضال عرب 1948، تمحور، منذ النكبة، حول قضيتين :
المساواة، والمشاركة في نضال شعبهم... وحول هذين المحورين ، والنظرة إليهما تبلورت
السياسة، وتم إفراز الأطر والتظيمات، ونشأت الصحف" (ص 138).
قسم، الشهباني، تيارات الحركة العربية في فلسطين المحتلة إلى أربعة
تيارات رئيسية: يرى التيار الأول منها أن الحل يكمن في دولتين على الأراضي
الفلسطينية؛ أما الثاني فيتعامل مع الأقلية العربية الفلسطينية باعتبارها امتداد
قومي، وثقافي، وسياسي للحركة القومية العربية، ثم لحركة التحرير الفلسطينية؛ فيما
اعتمد التيار الثالث بالأساس على زعامات تقليدية عشائرية، وهو تيارلا يمتلك فكرًا
واضحًا، وأميل للتصرف كأقلية؛ فيما برز التيار الرابع الإسلامي في أواخر السبعينات.
خصص، الشهباني، جزء كبير من الفصل لرصد وتحليل هذه التيارات الأربعة،
بينما لم يبذل الجهد نفسه عند رصده للصحف
التي صدرت في فلسطين المحتلة، حيث لم يقسمها طبقًا للمراحل الزمنية، أو طبقاً
للصحف التي تنتمي لكل تيار.
تحت الاحتلال الإسرائيلي
مع وقوع الاحتلال الإسرائيلي، عام 1967، توقفت الصحف العربية في
الضفة والقطاع عن الصدور، وغابت المنابر الوطنية، لفترة من الزمن، انطلاقًا من
الإجماع الوطني، بمقاطعة كافة دوائر الاحتلال الإسرائيلي ومؤسساته، لانتفاء
الشرعية عنه، واعتقادًا من القوى االوطنية بأن فترة الاحتلال لن تطول، أسوة بما
حدث إبان العدوان الثلاثي، عام 1956، رغم الاختلاف الواضح بين العدوانين.
عُني الفصل الأول، الذي كتبته، انشراح عاشور، برصد حركة الصحافة
الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة، بعد يونيو 1967، حسب المراحل الزمنية التالية:
المرحلة الأولى من 1967- 1973، والثانية من 1974- 1978، والثالثة 1979- 1987،
أما المرحلة الأخيرة 1988-1991، وقد أوضحت، عاشور، أن كل مرحلة من هذه المراحل
مثلت حلقة كاملة، اتضح ما خفي من أمورها.
أولت، عاشور، اهتمامًا بتوضيح المعالم الاقتصادية، والاجتماعية،
والسياسية لكل مرحلة، وتأثيرها على منحنى إصدار الصحف. وقد جاء الفصل غنيًا
بالمعلومات، وبالتحليل.
في نهاية الفصل رأت، عاشور، أن الصحافة الفلسطينية، في الضفة وقطاع
غزة، نجحت في أن تؤدي جزءًا من رسالتها، في تعبئة الجماهير، تجاه القضايا
الاجتماعية والسياسية الملحة، ولكنها "فشلت في أن تعكس حياة الضفة
والقطاع" (ص 166) بسبب الرقابة الإسرائيلية، فضلًا عن تدني المستوى المهني
لقلة الكفاءة، وضعف الاتزام بالقواعد الأساسية للعمل الصحفي.
في الفصل الثاني "شهادة في التجربة الصحافية تحت الاحتلال"
قدم لنا، علي الخليلي، نموذج عملي للكتابة الصحافية تحت الاحتلال، من خلال تجربته
في إنشاء "كلمة الفجر" التي مثلت الافتتاحية اليومية لصحيفة الفجر.
بدأ، الخليلي، الفصل بشرح المأزق الذي وقعت فيه القوى الوطنية، بعد
الاحتلال، والسؤال الكبير الذي واجهته، وهو كيف لها أن تعمل على إصدار صحف وطنية،
ولو في الحد الأدنى؛ من خلال مقص الرقيب العسكري الإسرائيلي، وعبر قوانين ولوائح
انتدابية بريطانية، صعبة جدًا؛ إضافة إلى ما استخدمته إسرائيل من قوانين أخرى
لتشديد هذه الصعوبة.
في شهادته، جعلنا، الخليلي، نشعر معه
بصعوبة الكتابة تحت سقف الاحتلال، حيث وصف بدقة، العراقيل والصعوبات التي واجهت
الإعلام المقروء، والتي جعلت مسألة الكتابة تبدو مستحيلة، وكيف تمكن، من خلال
تجربته، في إنشاء "كلمة الفجر" تحويلها إلى شئ ممكن ومتوازن.
أحدثت هزيمة 1967، انعطافًا هامًا في مفاهيم المقاومة، ما حدا بصحافتها إلى الاتفات لدور الشعب الفلسطيني في معركة التحرير، وضرورة إبراز الهوية الوطنية الفلسطينية. وقد كان للتعدد التنظيمي في الساحة الفلسطينية أثر كبير في تحديد طبيعة ثقافة المقاومة، فقد زاوجت بين الهم الفلسطيني والفكر التنظيمي.
حكى لنا، الخليلي، عن المعارك التي خاضوها، ليستبدلوا الإفتتاحية
بكلمة "نعتذر" حين كان الرقيب الإسرائيلي يرفض الرأي الموجود في
الافتتاحية بشكل عام، حيث كان الرقيب يرفض كلمة نعتذر، أيضًأ، لأن بها تحقق
الجريدة رأيًا واضحًا جدًا" إن السلطات الاحتلالية ترفض إظهاررأينا لكم، أيه
القراء. وهذا بحد ذاته، رأي صريح"، (ص 176).
خصص، محمد كريّم، الفصل الثالث لرصد "صحافة المقاومة في دول
اللجوء"، وقد أشار كريّم، إلى أن الفترة قبل العام 1967، شهدت تشكل أنوية
صحافة المقاومة الفلسطينية، في الخارج، حيث لجأت بعض التنظيمات الفلسطينية إلى
المنشور السري؛ لتعذر إمكانية إصدار أي تنظيم لصحافة علنية.
أحدثت هزيمة 1967، انعطافًا هامًا في مفاهيم المقاومة، ما حدا
بصحافتها إلى الاتفات لدور الشعب الفلسطيني في معركة التحرير، وضرورة إبراز الهوية
الوطنية الفلسطينية. وقد كان للتعدد التنظيمي في الساحة الفلسطينية أثر كبير في
تحديد طبيعة ثقافة المقاومة، فقد زاوجت بين الهم الفلسطيني والفكر التنظيمي.
قسم، كريّم، الصحف، التي صدرت بعد عام 1967 إلى عدة أنواع؛ أولًا
الصحف والنشرات المركية في التنظيمات الفلسطينية؛ وثانيًا الصحف والنشرات غير
المركزية، وصف الاتحادات والنقابات المهنية؛ فالصحف المتخصصة؛ وأخيرًا الصحف
الخاصة.
في الفصل الرابع، قدم عبد القادر ياسين، شهادته عن صحيفة
"المعركة"، التي بدأ التفكير فيها في اليوم التالي لبداية الاجتياح
العسكري لجنوب لبنان، حين التقى أربعة مثقفون هم: الأمين العام لاتحاد الصحفيين
العرب (1972- 1980) حنا مقبل؛ الروائي، وعضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب
الفلسطينيين رشاد أبو شاور؛ الكاتب، والناقد د. أحمد أبو مطر؛ والكاتب، والمؤرخ
الفلسطيني، عبد القادر ياسين.
كشف، ياسين، عن تفاصيل اتفاقهم، على دعوة المثقفين العرب إلى اجتماع،
للتدراس في أمر بلورة خطة عمل للمثقف العربي في هذه المعركة المصيرية. ثم حكى عن
الاجتماع الذي حضره ما يربو على أربعين مثقفًا من أقطار عربية شتى، في مقر
العلاقات الخارجية لحركة فتح، وكيف تم الاتفاق على إصدار جريدة يومية، تحت اسم
"المعركة".
نجح، ياسين، في أن ينقل لنا كل ما تعلق بالصحيفة، التي صدر منها ستون
عددًا، حيث يمكن للقارئ أن يتخيل شكل الصفحات، وألوانها، وتفاصيلها، حيث غطى ياسين
كل ما تعلق بالصحيفة والمشاركين فيها، كما
لم يغفل، أن ينقل لنا، الصراعات السياسة اتي كانت تدور آنذاك.
ألقى، عبد القادرياسين، الضوء، في الفصل الخامس، على المجلة غير
الدورية " الجنى" التي اعتنت بالثقافة الشعبية الفلسطينية، وأصدرتها
لجنة البحوث والتوثيق، التابعة لمركز المعلومات العربية للفنون الشعبية.
خصص ياسين الفصل، لمراجعة العدد الثالث من المجلة، الذي صدر في أغسطس
1995، وخُصص للتاريخ الشفوي الفلسطيني، والذي رأى ياسين أن سبب اختيار موضوع
التاريخ الشفوي يرجع لكونه "منهج بحث ديموقراطي، يفسح المجال أمام أوسع قطاع
من الناس، للمشاركة في كتابة تاريخهم" (ص 196).
سعى، ياسين، لتقديم مراجعة دقيقة، لكل المقالات والموضوعات، التي
نشرت في ذلك العدد، وأشار، ياسين، إلى أن تخصيص هذا العدد من مجلة الجنى للتاريخ
الشفهي الفلسطيني، جاء بهدف تحفيز وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني، والباحثين على
ضرورة الاهتمام بالموضوع.
الإضاءة الأخيرة
ألقت، منى أسعد، الإضاءة الأخيرة، على التشريعات الصحفية الفلسطينية،
منذ العهد العثماني، وحتى حقبة الاحتلال الإسرائيلي.
ناقشت، أسعد، التشريعات الخاصة بالصحافة، في كل حقبة، وكيف تأثرت هذه
التشريعات بالأحوال السياسية في كل مرحلة، ومن ثم تأثرت أحوال الصحافة.
ثمة بعض الملاحظات البسيطة، على الكتاب، منها تكرار الأجزاء الخاصة
بمراحل الحركة الوطنية، وبالظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لكل مرحلة، في
أكثر من فصل، وكان من الممكن أن يبدأ كل باب بمقدمة تمهد لباقي الفصول.
وبعد، فقد أصاب، د. عماد الأصفر، في مقدمة الكتاب، حين أثنى على
الباحثين المشاركين في هذا الكتاب، وقال "قد أبدع الأساتذة ـ بارك الله جهدهم
ـ في تتبع، ورصد، وتوثيق، وتحليل صحافتنا الصادرة في هذه المراحل، ورغم صعوبة ذلك
بسبب غياب أو قلة المصادر وانقطاع الأجيال وغياب التوثيق واستيلاء الاحتلال
الإسرائيلي على كثير من المكتبات والأرشيفات، فلقد تمكنوا من الإحاطة بأبرز
المحطات وأغلبية الصحف وأفلحوا في تعريفنا بالصحافيين الأفاضل من جيل المؤسسين،
تاركين لنا مرجعًا مهمًا يمكننا من مواصلة البحث في ثنايا هذه الصحف لاستجلاء واقع
الحياة في تلك الأيام، سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا".