مع
دخول الحرب الروسية-الأوكرانية مرحلة جديدة من التوتر والسخونة حول العالم،
وانخراط مختلف قوى العالم فيها، تبدي الأوساط
الإسرائيلية قناعتها بأنها أمام
المشكلة الجيوسياسية الأكثر حدّة في العالم، ما زاد من تورط دولة
الاحتلال فيها،
سواء بالنسبة للمواقف السياسية منها، أو الحديث المتزايد عن الدعم العسكري
لأوكرانيا مع تصاعد المطالب الأمريكية والغربية.
المنتدى
السياسي الإسرائيلي "دور موريا" عقد مائدة مستديرة حضرها علماء في مجال
العلوم السياسية والأمن وصحفيون وخبراء في الأمن القومي وأعضاء كنيست وممثلو
المنظمات غير الحكومية، ناقشوا نتائج دراسة عن "مواقف الإسرائيليين من حرب
روسيا وأوكرانيا"، وتم إجراؤها الشهر الماضي 2023 من قبل معهد الأبحاث متعدد
التخصصات Mind Pool".
صحيفة
معاريف نشرت مقتطفات من هذه الدراسة، ترجمتها "عربي21"، ذكر فيها مدير
المركز التحليلي الدولي لولا كولبينا أن "هناك اختلافات بين الموقف من الصراع بين
الإسرائيليين الذين ولدوا في إسرائيل، ومن هاجروا لإسرائيل من بلدان الاتحاد
السوفييتي السابق، وهذا واضح من حقيقة أن المتحدثين الروس لديهم ميل أعلى بثلاث
مرات لمتابعة هذا الصراع العسكري بشكل مستمر مقارنة بالإسرائيليين الأصليين في
الدولة".
وأضافت
أن "الاستطلاع الذي أجرته الدراسة كشف أن 58 بالمئة من الإسرائيليين نادرا ما
يتابعون الحرب، 9 بالمئة فقط منهم يتابعونها طوال الوقت. وفي ما يتعلق بالموقف
الرسمي للدولة، فقد انقسمت آراء الإسرائيليين، حيث اعتقد 57 بالمئة أن إسرائيل
محايدة، أو ليس لها موقف رسمي واضح، و63 بالمئة يتفقون تمامًا مع موقفها الرسمي،
وقال 80 بالمئة إن مشاركتها في الصراع يجب أن ينعكس باستيعاب المهاجرين، و79 بالمئة
يعتقدون أنه بتقديم المساعدات الإنسانية، أما الخطر الأكبر بالنسبة لإسرائيل فهو
إذا انجرفت إلى الصراع، فسوف تتدهور العلاقات مع روسيا".
وأشارت إلى أنه "تم ذكر هذا الخطر من قبل 56 بالمئة من المستطلعين، فيما حذر 9 بالمئة من
خطر تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، و3 بالمئة فقط مع أوكرانيا، فيما شكلت
الذاكرة التاريخية الدينية عاملا مهما في تشكيل الموقف بين الإسرائيليين الذين يتحدثون
الروسية، خاصة الأرثوذكسيين المتطرفين، حيث لا تشكل أوكرانيا دولة تثير مشاعر
إيجابية، وبالتالي فإن الرغبة بدعمها ليست موجودة، بسبب الأحداث التاريخية المتعلقة بإبادة اليهود،
مقابل أن الغالبية العظمى من الإسرائيليين ليس لديهم ارتباط إيجابي بروسيا".
وأضافت
أن "الأغلبية الإسرائيلية واسعة النطاق لا توافق على أن ترسل إسرائيل أسلحة لدعم
أوكرانيا، فيما أيد 90 بالمئة ضرورة قبولها لاجئيها، و70 بالمئة لا يوافقون على
قطع علاقاتها الدبلوماسية مع روسيا، و44 بالمئة لا يؤيدون فرض عقوبات اقتصادية
عليها. ورغم الضغوط الخارجية على إسرائيل أن تبقى محايدة، وأن يقتصر تدخلها على
المساعدات الإنسانية؛ فإن المشكلة الرئيسية تكمن في ضغوط الولايات المتحدة عليها،
ورغم أن موجة اللاجئين من أوكرانيا لها تحمل مخاطر اجتماعية واقتصادية، فإنه في ظل
ظروف معينة قد تصبح مورداً هاماً لها".
مديرة
برامج التعبئة في المنتدى منار باسول، قالت إن "الإسرائيليين يحاولون
باستمرار تجنب مشاركة إسرائيل في هذا الصراع، أما عضوة الكنيست تاتيانا مازارسكي
المشاركة في النقاش، فأكدت أنه رغم السلوك غير الودي لأوكرانيا تجاه إسرائيل، فإنه عندما يتعلق الأمر بالمساعدات العسكرية لها، فيجب على إسرائيل مراعاة مصالحها،
وضمان أمنها، وبناء علاقات مع دول الجوار، أما المحامي والخبير السياسي الحاخام
مايكل فينكل، فأكد أنه لا يمكن للسياسة الأوكرانية تمجيد الشخصيات التاريخية
المشاركة بإبادة اليهود في أوكرانيا".
ليف
ماشين الباحث بجامعة رايخمان، وخبير شؤون روسيا وأوروبا الشرقية، قال إن
"تهديد تدهور العلاقات مع روسيا لأمن إسرائيل متعدد الطبقات، أهمها الانتهاك
المحتمل للتفاهمات الحاصلة في سوريا، واحتمال تقديم المساعدة العسكرية لإيران، بما
فيها توريد أسلحة نووية، فضلا عن علاقات روسيا الجيدة مع دول الخليج العربي،
والعمل الوثيق للدبلوماسيين الروس مع حماس والسلطة الفلسطينية".
يتزامن
هذا الانتقاد الإسرائيلي لسياسة الاحتلال من حرب أوكرانيا مع ما تبديه من
"تمنّع" في استجابتها للمطالب الغربية بالتورط الكامل في الحرب، بزعم
أنها لا تعد نفسها عضوا في أي تحالف عسكري رسمي، بل إنها تسعى لتحقيق مصالحها وحدها،
فضلا عن أن الصراعات المتفجرة المتعددة وحالة عدم الاستقرار المستمرة في ساحتها
الداخلية، تجبرها على تجنب فتح نزاعات جديدة في الخارج، خاصة مع قوة عظمى مثل
روسيا.