لا يزال الموعد
الذي حدده رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بين منتصف حزيران/ يونيو ونهايته، قائما بالنسبة إليه، لتأمين عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وإذ يستمّر برّي بالتعبير
عن ارتياحه لكل ما يجري، يتبدى ارتياحه من فشل المعارضة في الاتفاق على اسم مرشح
واحد فيما بينها، خصوصا أن القوات
اللبنانية تتهم رئيس التيار الوطني الحرّ جبران
باسيل بتعطيل مسار التفاهم؛ لأنه لا يريد الذهاب إلى خيار يؤدي إلى اختلاق أزمة مع
حزب الله.
بالمقابل، فإن
الجهات الخارجية لا تزال لا تعول على موعد حزيران/ يونيو، باعتبار أنه لم يتم
تحقيق أي تقدّم حتى الساعة، فيما الأمور تبدو أنها لا تزال معقدة، ويعتقد
دبلوماسيون أن اعلان بري عن موعد حزيران/ يونيو، مردّه خوفه من عقوبات بدأت
واشنطن تلوح بها تجاهه.
بالتوازي، كان
لمناورة حزب الله العسكرية رسالة أساسية ذات طابع سياسي وعسكري. وهذه المناورة هي
في إطار مراجعة الحزب لدوره وأدائه
في لبنان والمنطقة، من هنا، لا بد من قراءة فحوى رسالة المناورة العسكرية وسببها الرئيسي، التي توضع في إطار عرض العضلات واستعراض القوة العسكرية والجاهزية، للدخول في أي
مواجهة قد تلجأ إليها حكومة بنيامين نتنياهو، التي أخذت
إسرائيل لأماكن خطرة؛ نتيجة
خلفيتها السياسية والدينية.
لذا، فإن مناورة
الحزب هي رسالة تحذير لأي محاولة عسكرية قد يلجأ إليها الجانب الإسرائيلي، من خلال
تأكيد الحزب بأنه جاهز لأي معركة محتملة، انطلاقاً من أن المناورة اتخذت طابعا هجوميا، ولم تبق فقط في الإطار الدفاعي، وهذا يتضح من خلال السلاح الذي جرى استعراضه،
والعمليات الرمزية التي قامت بها مجموعات وقوات حزب الله، بالإضافة إلى فحوى شعار
المناورة، "العبور"، أي اقتحام مستوطنات شمال إسرائيل.
وهذه المناورة
ألقت بثقلها على الجانب الإسرائيلي، وسط نقاشات حادة في إسرائيل، وتحديدا بين النخب
السياسية. وهذا النقاش أدى لتخبط حكومي، مع تسريبات عن عقد اجتماع للحكومة المصغرة
لمناقشة تداعيات مناورة حزب الله، والتطورات على الحدود الشمالية مع سوريا ولبنان،
بالتزامن مع تصريحات تصعيدية قام بها مسؤولون في الجيش الإسرائيلي حول ضرورة توجيه
هجمة باتجاه الحزب، قبل أن تؤدي إلى حرج داخلي في الداخل الإسرائيلي، فيما يعتبر
الخبراء أن هذه التصريحات في إطار تصعيد كلامي لا ينفصل عن تصعيد نتنياهو الإعلامي.
وثمة إشارات إسرائيلية
تدرك أنّ الرد العسكري على الحزب سيستتبعه حتما فتح الجبهات المحيطة، التي وجّهت
رسالتها الصاروخية المشتركة في وقت سابق. وعمدت إسرائيل إلى توجيه ضربة قاسية للقيادة
العسكرية الميدانية لحركة الجهاد الإسلامي الموالية كليا لإيران، من دون أي
مقدمات أو وجود أسباب مباشرة. كذلك باشرت في إجراءات أمنية دفاعية في المنطقة
المحاذية للشريط الحدودي مع لبنان، وبتحصين المنازل القريبة، أضف إلى ذلك إشارات إسرائيلية
استخباراتية تم توجيهها لكي يرصدها حزب الله بأن إسرائيل على بَيّنة من ترتيبات
ميدانية جديدة، اتخذها مع أطراف حليفة.
وبعيدا عن
الجانب الإسرائيلي في المناورة، لا يمكن القفز فوق الحيّز اللبناني منها، حيث يبدو
أنها أخذت أكثر من سياق في الداخل اللبناني، خصوصا لجهة التوقيت والمكان، أي بعد القمة
العربية بحضور بشار الأسد، وعقب الاتفاق السعودي الإيراني، حيث يسعى حزب الله لإظهار
تفوقه في لبنان، في إطار تأكيده أن صراعه الأساسي والعقائدي هو بالأصل مع إسرائيل.
ومن ثم، فإن سلاحه هو خارج أي نقاش وأي سياق حول أي تسوية يمكن البحث عنها
للأزمة اللبنانية.
وثمة من يعتقد أن
الحزب يريد من هذا الاستعراض العسكري في إظهار الحضور العسكري الأساسي هو في
الداخل اللبناني، مع ما يحكى عن انسحابات متتالية في اليمن وتفكيك الحواجز
والمعسكرات في سوريا، ما يؤسس لقاعدة استراتيجية تقول؛ إن الثقل العسكري للحزب عاد
إلى لبنان. ومن ثم، لم يعد الحزب بحاجة إلى القيام بمناورات عسكرية في سوريا، مع
إعادة تشكيل غرفة العمليات المشتركة مع حماس والجهاد الإسلامي.
هذه العودة سيسعى
الحزب للاستفادة منها داخليا في إظهار القوة والحضور، على الرغم من أن الاستعراض
العسكري والمناورة استدعت سجالات سياسية كبيرة، أدت إلى تزايد في تعميق الانقسام
والشرخ الداخلي، وخاصة مع قوى المعارضة التي لا تزال تطالبه بضبط سلاحه والذهاب
لحوار وطني على استراتيجية، فيما الحزب سيبقى على موقفه الثابت، الذي يقول بوضوح؛ إن هذا الأمر غير مطروح في أي المرحلة مقبلة.
وعليه، فإن حزب
الله سيسعى أيضا للاستفادة من كل الوقائع الإقليمية والدولية ومسار تحسن العلاقات
السعودية الإيرانية لترجمتها إيجابيا عليه وعلى حلفائه، من خلال تمسكه بترشيح
سليمان فرنجية، وسط محاولات مستمرة في إقناع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل
بالذهاب بهذا الخيار بضمانات سياسية، من خلال تأمين النِصاب وليس من خلال الكتلة
العونية لفرنجية، وهذا السياق معطوف على استخدام الحزب للخلافات بين مكونات
المعارضة بعدم الاتفاق على مرشح لمواجهة سليمان فرنجية.
وهذا ما سيبقي
موقف الحزب أقوى من مواقف القوى الأخرى، لا سيما أن الحزب يسوّق إعلاميا أن
التحولات الإقليمية كلها ستصب في صالحه، ويتعاطى مع الاستحقاقات انطلاقا من قاعدة
أن المسار القائم سيقود إلى وصول سليمان فرنجية لقصر بعبدا، لكن وفق قاعدة الحزب
الذهبية؛ هي "الصبر الاستراتيجي".