"لم تكن ليلة الأحد (28 أيار/ مايو 2023) عادية في حياة الأتراك، فقد
شكلت محطة تاريخية قوية، مُفعمة بالفرح والانشراح بالافتخار بما ظفر به زعيم حزب
العدالة والتنمية "رجب طيب
أردوغان" وشركاؤه في "تحالف
الجمهور"، وقد مثّلت، بالموازاة، ليلة إحساس بخيبة الأمل بالنسبة للمعارضة من
الأحزاب المتحالفة، التي راهنت على انهزام أردوغان، وفوز منافسه "كليتشدار أوغلو"
ومن معه من الأحزاب المشكلة لتحالفه. فالفرق بين المتنافسين، خلافا لإقناع الدور
الأول، جاء واضحا ومهمّا، حيث فاز أردوغان، بحسب إعلان "الهيئة العليا للانتخابات"
للنتائج الأولية، بـ52.18 في المئة من مجموع الأصوات التي شملها الفرز الانتخابي، ومنافسه
حصل على 47.82 في المئة من أصوات المقترعين، وبذلك أصبح أردوغان رئيسا منتخبا لتركيا
لمدة خمس سنوات جديدة (2028).
حظيت نتائج الاقتراع الرئاسي في
تركيا بردود فعل كثيرة على المستوى الدولي والإقليمي،
ففي أعقاب الإعلان لأولي عن الفائز في الطور الثاني، تلقت الرئاسة التركية سيلا من
رسائل التهنئة من أوروبا، وأمريكا، وآسيا، والعالم العربي، أعربت في عمومها عن التطلعات
التي تتمنى على تركيا تحقيقها، في مجالات الاقتصاد، والأمن والتعاون الدولي، علما
أن بعضا من الدول الأوروبية لم تتردد وسائل إعلامها، المقروءة على وجه الخصوص، في
التعبير عن أملها برحيل أردوغان، والإتيان، عبر صناديق الاقتراع، برئاسة جديد تفتح
صفحة جديدة مع هذه الدول.
أن بعضا من الدول الأوروبية لم تتردد وسائل إعلامها، المقروءة على وجه الخصوص، في التعبير عن أملها برحيل أردوغان، والإتيان، عبر صناديق الاقتراع، برئاسة جديد تفتح صفحة جديدة مع هذه الدول
والواقع أن الرغبة في عدم تجديد الثقة في أردوغان وحزبه وتحالفه، لم تعبر
عنه بشكل صريح ومضمر أحيانا لدى بعض أوساط الرأي العام الأوروبي والغربي، بل سعت
إليه وناضلت من أجله قوى داخلية، سخّرت تحالفاتها من أجل الوصول إلى إيقاع الهزيمة
بـ"رجب طيب أردوغان". وقد وظّفت خلال الدور الثاني للاقتراع خطابات أكثر
حدة وجذرية، من قبيل العودة إلى النظام البرلماني، وإحلاله محل النظام الرئاسي
الذي كرّسه أردوغان باستفتاء شعبي عام 2017، أو التعامل بطريقة مختلفة مع ملف اللاجئين
والضغط عليهم لإخراجهم من تركيا والعودة إلى بلدانهم، كما وظّفت خطابات المعارضة فكرة
إعادة النظر في المواقف التركية المعتمدة في العالم العربي (ليبيا وسوريا تحديدا)،
وفي مناطق النزاعات عموما.
أما داخليا، فحظيت الأمور الاقتصادية والمالية والاجتماعية بأهمية بارزة،
من خلال توجيه النقد لنسبة التضخم التي وصلتها تركيا، والانخفاض الكبير في سعر صرف
الليرة، ومعدل البطالة، وتراجع الإنتاج، وتزايد الانكماش الاقتصادي، دون نسيان المآخذ
الكثيرة الخاصة بأداء إدارة أردوغان خلل الزلزال العنيف الذي ضرب إحدى عشرة محافظة
في تركيا، وخلّف دمارا في الموارد المادية والبشرية.
لم تستطع تحالفات المعارضة وحدّة خطاباتها التأثير في الناخب التركي الذي جدد ثقته في الرئيس المنتهية ولايته. والحقيقة أنه على امتداد إحدى وعشرين سنة متتالية ومتعاقبة في الزمن، لم يتعرض أردوغان لأي هزيمة، علما أن حزبه خاض 17 عملية اقتراعية بين برلمانية ورئاسية واستفتاء
لم تستطع تحالفات المعارضة وحدّة خطاباتها التأثير في الناخب التركي الذي جدد
ثقته في الرئيس المنتهية ولايته. والحقيقة أنه على امتداد إحدى وعشرين سنة متتالية
ومتعاقبة في الزمن، لم يتعرض أردوغان لأي هزيمة، علما أن حزبه خاض 17 عملية اقتراعية
بين برلمانية ورئاسية واستفتاء.. فقد ظل النصر حليفه، ويُنتظر أن يظل كذلك في القادم
من الأعوام، ما لم يتعرض حزب العدالة والتنمية لكبوات في أدائه السياسي، ونتائج
سياسات الاجتماعية. لذلك، جاء خطاب الشرفة ليلة 28 أيار/ مايو 2023 واضحا من حيث
رسائله وتطلعاته، سواء بالنسبة للداخل، أو تجاه العالم. فبلغة واضحة وكلمات دقيقة،
قدّم أردوغان مرافعة عن النصر الذي حققه حزبه بمعيّة تحالفه.
فمما يمكن استخلاصه من خطاب النصر، تقديم أردوغان نفسه رئيسا لجميع
الأتراك، وليس للذين صوتوا لصالحه، وهي رسالة ذكية، من حيث تنبيه المعارضة إلى
أهمية التعاون الإيجابي والفعّال من أجل الوطن ككل، أي تركيا التي نعتها الخطاب بـ"الجديدة"،
أو "مئوية تركيا الجديدة"، في إشارة إلى أن الدولة التركية الكمالية
الحديثة، التي أعلن عنها عام 1924، ستغلق قرنها الأول بعد سنة، لتنطلق المئوية الثانية
لركيا الجديدة. والواقع أن خطاب الشرفة، وإن جاء مرتجلا، قدم خريطة طريقة للولاية
الجديدة لأردوغان، وهو علاوة على الجمهور الذي تابعه بالآلاف مباشرة، خاطب الأتراك
داخل منازلهم بمحافظاتهم ومدنهم وقراهم وأريافهم، ووجه رسائله إلى محيطه الدولي
والإقليمي.
فقد حصر حصيلة تجربة حزب العدالة والتنمية منذ العام 2002، التي نقلت
البلاد نحو الأفضل، وإن تعرضت خلال السنتين الأخيرين لبعض الصعوبات، وفرضت الحضور
التركي كفاعل على الصعيدين الولي والإقليمي. وعمّ الاختيار الديمقراطي في تركيا،
لذلك وصف أردوغان فوزه بأنه انتصار لكل الأتراك وللديمقراطية التركية، كما شدد
خطاب النصر على استمرار تركيا على طريق تقوية الاقتصاد الإنتاجي، والحد من التضخم
وانعكاساته على القدرة الشرائية للمواطنين، ودعم قطاعات الصحة والتعليم ولأجور،
والعدالة الجنائية، مُشيرا إلى إرادة تركيا في الاستمرار محافظة على استقلاليتها وسيادتها
تجاه صندوق النقد الدولي.
خطاب الشرفة، وإن جاء مرتجلا، قدم خريطة طريقة للولاية الجديدة لأردوغان، وهو علاوة على الجمهور الذي تابعه بالآلاف مباشرة، خاطب الأتراك داخل منازلهم بمحافظاتهم ومدنهم وقراهم وأريافهم، ووجه رسائله إلى محيطه الدولي والإقليمي
ولم يفت خطاب الشرفة الحديث عن ملف اللاجئين وأسلوب حل مشاكلهم، لا سيما المهاجرين
السوريين، وقضايا الإرهاب ولأمن والاستقرار. ولم يفت أردوغان، بسلاسة ولغة بلاغية،
دغدغة أحاسيس الأتراك الحاضرين مباشرة والمتابعين بالمشاهدة لخطابه، من خلال
التعبير عن حبه لتركيا والأتراك، وسعيه المتواصل لرفعة تركيا وكرامة الأتراك.
لا يختلف اثنان في أن الديمقراطية انتصرت في تركيا، بمشاركة ملايين
المصوتين، في أمن وسلامة واحترام كامل لصناديق الاقتراع، كما انتصر أردوغان وحزبه
وتحالفه. ودون شك انتصر حلف المعارضة بخوضه
انتخابات معقدة وصعبة وتاريخية، والقادم
يصعب توقعه على وجه التدقيق، فالأتـراك منذ تأسيس الدولة الكمالية الحديثة (1923) وضعوا
أسس النظام الحاضن للجميع، وقد تصارعوا وسيبقون متصارعين من أجل ترسيخ الدولة
الديمقراطية العلمانية في ربوع بلادهم.