جاءت
الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية في ظروف دولية غير مستقرة، ومعادلات إقليمية
حملت متغيرات غير تقليدية، ما يزيد من عوامل الخطورة والتهديد من ناحية مدى
الاستقلالية، وكذلك مستويات الاستقرار للنظام السياسي التركي، أيا كان من سيعتلى
سدة قيادته، مما يعطي هذه الانتخابات مزيدا من الأهمية، ويضع نتائجها النهائية على
إحداثيات ترقّب العديد من الجهات الدولية والإقليمية؛ كونها ستحدد بوصلة الجمهورية
التركية السياسية، ناهيك عن مآلاتها المحلية، التي بدأت بعض ملامحها بالتبلور قبل انتهاء
المعركة الانتخابية ومعرفة الفائز.
ففي حين تنمّ العملية الانتخابية عن محنة حقيقية للنظام الحاكم؛ كونها تضعه أمام
أهم وأصعب اختبار لمجمل مراحل أدائه، فإنه وإن مرّ بنجاح، سيكون قد حصل منها على
منحة يتمثل بعضها في تلك المنطقة الرمادية التي سمحت باستظلال النظام السياسي
التركي فيها، الأمر الذي يبرر تراجع تكثيف جهوده في بعض القضايا والمسارات المحيطة
بانكفائه تجاه العملية الانتخابية في ظل استقطابات حادة تشهدها الساحة الدولية،
مما يعني حصوله عمليا على هوامش مناورة أوسع، ولو بالمتجهات الزمانية على الأقل، مع
تزايد أهمية هذه المواقف الرمادية عندما يتعلق الأمر بالانحيازات التي سعت القوى
الكبرى لدفع
تركيا إليها؛ من خلال استراتيجيات تتراوح بين الشد والجذب، لتأتي
العملية الانتخابية كمستقطع مرحلي، قلل من حرج النظام ومنع وضع استقلالية
سياسات
الائتلاف الحاكم أمام تحديات ملموسة فيما لو واصل في أي اتجاه، خصوصا من نواحي
تأثر مساعيه لتشكيل فيزيائية سياسية مستقلة للجمهورية التركية، الأمر الذي يزيد من
حدة تركيز القوى المهتمة بهوية الفائز النهائي في الرئاسة التركية؛ كونه إما سيبني
على ما سبق أو سيذهب باتجاهات جديدة كليا للسياسة الخارجية التركية.
ركيا الطامحة لتشكيل استقلاليتها عبر سياسات جلية التوجه اتبعها العدالة والتنمية ومن معه في الحكم، لم يسبق لها أن عاشت ما عايشته من ظروف في نطاقها الحيوي في مرحلة ما قبل الانتخابات منذ بداية محاولاتها تطبيق هذه السياسات، الأمر الذي جعل تلك السياسات نفسها محل إعادة نظر تكتيكية من قبل التحالف الحاكم نفسه؛ لأغراض مرتبطة بإعادة ترتيب الأوراق ومقاومة الضغوط، وكمناورة تؤكد الهدف، ولكنها لا تستعجل قطف الثمار.
ولكن تركيا الطامحة لتشكيل استقلاليتها عبر سياسات جلية التوجه اتبعها
العدالة والتنمية ومن معه في الحكم، لم يسبق لها أن عاشت ما عايشته من ظروف في
نطاقها الحيوي في مرحلة ما قبل الانتخابات منذ بداية محاولاتها تطبيق هذه السياسات، الأمر الذي جعل تلك السياسات نفسها محل إعادة نظر تكتيكية من قبل
التحالف الحاكم نفسه؛ لأغراض مرتبطة بإعادة ترتيب الأوراق ومقاومة الضغوط، وكمناورة
تؤكد الهدف، ولكنها لا تستعجل قطف الثمار، في خضم مناخات دولية لا تساعد على إنضاج
هذه الثمار، إذ تشهد الساحة الدولية المزيد من الضبابية والسيولة، أظهرتا تداخلات
غير واضحة المآلات، ناهيك عن مساعي بعض الأطراف لإفساد هذه الثمار أو تقويض الوصول
لجنيها في غمرة هذا الغموض، مما يزيد من حدة الاستقطاب داخليا، ناهيك عما يحمله من
تهديدات لاستقلالية الدور التركي خارجيا، حال نجاح القوى المناوئة للسياسات الحالية
لتركيا في خلق إشكالات تنعكس على مستويات حيوية هذا الدور.
بيد أن التكتيكي لدى التحالف الحاكم، قد يكون بمنزلة الاستراتيجي لدى التحالف
المنافس الذي يتزعمه
كليتشدار أوغلو؛ كون الاستدارة نحو الغرب مجددا والتخلي عن كل
مغريات قيادة الشرق، هو المضمون الحقيقي الأوضح لخطاب تحالف كليتشدار أوغلو المعلن، الذي لا يلتفت لأهمية الاستقلالية في تحديد مكانة ودور الجمهورية التركية؛ بقدر
ما يرنو لإسقاط تأثيرات عودة التحاقه بالغرب على طبيعة الثقافة والهوية للشخصية
التركية، في محاولة للانعتاق من كل التغيرات المفاهيمية التي شهدتها فترة حكم
العدالة والتنمية، من أجل تحويل إرث منافسه لرماد متطاير في ذرى اللحاق بركاب
الغرب.
إن فوز أحد التحالفين في الرئاسة والبرلمان في ذات الوقت، يعني بالضرورة صبغ
السياستين الداخلية والخارجية للنظام بصبغته، وهو ما يقترب منه تحالف الجمهور في
جولة الإعادة حال فوز الرئيس
أردوغان، خصوصا فيما يتعلق بالتحديات التي كانت مدار
السجال الانتخابي بين التحالفين الكبيرين، إذ برزت قضايا مثل اللاجئين والمسألة
الكردية والمعضلة الاقتصادية؛ كعناوين مهمة في هذا السجال على صعيد قضايا الداخل،
وكذلك لم تغب العلاقات الخارجية بأطراف هنا أو هناك عن تداولات الطرفين، كل وفق ما
يراه وما يسعى لتحقيقه، مما قد يعزز أو يحسر علاقات تركيا مع أطراف دولية، وفق
توجهات أحد الفريقين حال فوزه.
ففي حين سيمضي تحالف أردوغان قُدما في تثبيت دور تركيا المستقل، عبر العودة
لممارسة سياسات التنقل والنفاذ بين خطوط تباينات القوى الكبرى، دون حسم اصطفافه
بالمطلق كاستراتيجية لتعظيم مكاسب دولته، يتضح أن تحالف كليتشدار أوغلو قد ينسف كل
مطامح الاستقلالية، ويركز على مراعاة التناغم مع السياسات الغربية عموما والأمريكية
على وجه الخصوص، في ظل ما يشاع عن أن هذا التناغم هو ثمن دعم أمريكا لوصوله إلى
سدة الحكم، في ما يشبه صفقة غير معلنة تؤكد مسبقا ضمور الاستقلالية للنظام السياسي
التركي ككل، في ظل رهانات كليتشدار أوغلو الخارجية وارتهانات سياساته اللاحقة
لاستحقاقات التناغم المزمع حال فوزه، وهو ما يؤشر لتغيرات غير معلومة المدى في
سياسات أحزاب المعارضة، التي عرفت تقليديا عبر القياس على فترات حكمها السابقة على الأصعدة كافة.
صحيح أن العملية الانتخابية الناجحة هي بمنزلة إنجاز ديمقراطي صحي يقيس مدى
رضا المواطن عن السياسات التي اتبعت سابقا، باعتمادها مجددا أو منح الثقة لغيرها
لاعتبارات متعددة، إلا أن العملية الانتخابية وكأي عملية سياسية، قد تحمل بين
ثناياها أو في مجمل نتائجها المزيد من المخاطر والفرص، أو كليهما معا في ذات الوقت.
فعندما يتعلق الأمر بفوز أحد الطرفين بالرئاسة وفوز الآخر بالبرلمان، قد يجد
الأتراك أنفسهم أمام نظام سياسي متضاد التوجهات، هجين الرؤى والبرامج، وكذلك مختلف
في مستويات التناغم مع الخارج، ما يزيد احتمالية إنتاج المزيد من التجاذبات
والمناكفات، التي ستنعكس حتما على مستويات استقرار النظام السياسي للجمهورية
التركية برمتها؛ كون هذه الوضعية ستقلل، وإن بشكل متفاوت، من مساحات تطبيق كل فريق
لتصوراته في إدارة الشأن العام داخليا وخارجيا، وهو ما ينبئ عن احتمالية تدوير
الزوايا بغية تغيير التركيبات التحالفية، كمحاولة من الجميع للحفاظ على الاستقرار
ما أمكن، عبر تجديد أسس الاصطفافات، حين تدرك جميع مكونات المعادلة السياسية
التركية وصول النظام إلى هذه الحالة، ولكون نقيض ذلك يعني اهتزاز الاستقرار، ما
يضع النظام السياسي للجمهورية ككل أمام سيناريوهات مؤلمة بالغة التكاليف.
القضايا الداخلية والسياسات الخارجية للجمهورية التركية، باتت لصيقة بمستويات ما ستفرزه العملية الانتخابية من مستويات الاستقلالية والاستقرار لنظامها السياسي، ففي حين ضمنت السياسات التي سبقت الانتخابات زيادة هذه المستويات وصولا لترشح تركيا لدور القائد الإقليمي، فإن العملية الانتخابية المعادة قريبا، ستمثل مجسات اختبار دقيقة لمدى أصالة متغيري الاستقلالية والاستقرار في النظام السياسي للجمهورية التركية، في ظل ما قد يرشح من تحولات وثيقة الصلة بطبيعة ومستوى الدور التركي توصله إلى حد الانشغال بذاته.
ذلك أن غياب الاستقرار أو اهتزازه، سيكون أثره ملموسا في انحسار مستويات
التنمية كافة، أو تأثرها بشدة على الأقل، ولكون الاستقرار يتكامل ويتبادل التأثير بدوره
مع الاستقلالية، والعكس، فإن غيابه يجبر الجميع على الانكفاء والتركيز في مماحكات
الداخل، ما سيفتح مساحة لتغول الخارج وزيادة محاولات تأثيره على مسارات السياسة
التركية ومكوناتها وإمكاناتها.
إن القضايا الداخلية والسياسات الخارجية للجمهورية التركية، باتت لصيقة
بمستويات ما ستفرزه العملية الانتخابية من مستويات الاستقلالية والاستقرار لنظامها
السياسي، ففي حين ضمنت السياسات التي سبقت الانتخابات زيادة هذه المستويات وصولا
لترشح تركيا لدور القائد الإقليمي، فإن العملية الانتخابية المعادة قريبا، ستمثل
مجسات اختبار دقيقة لمدى أصالة متغيري الاستقلالية والاستقرار في النظام السياسي
للجمهورية التركية، في ظل ما قد يرشح من تحولات وثيقة الصلة بطبيعة ومستوى الدور
التركي توصله إلى حد الانشغال بذاته، وصولا للتوظيف حال اختار التبعية للغرب من
جديد، أو مضيّه قدما نحو جمهورية ثالثة بنكهة عثمانية.
ففي حين سيذهب الرئيس أردوغان باتجاه إقرار النظام الرئاسي للحكم في تركيا، يعلن كليتشدار أوغلو أن إقرار النظام البرلماني أحد أهداف أجندته الرئاسية، إذ
سيذهب الرئيس أردوغان باتجاه تثبيت النظام الرئاسي للحكم في تركيا، ويعلن كليتشدار
أوغلو أن إقرار النظام البرلماني أحد أهداف أجندته الرئاسية حال فوزه، لتتعاظم
بذلك مفصلية هذه الانتخابات من ناحية مجمل التوجهات، ولما قد تحمله من فرص وما
يتوقع أن يرشح عنها من مخاطر.