يكشف
نبأ وفاة ابنة معتقل في
السجون المصرية حرقا داخل مركبة، خلال ذهابها لزيارة والدها
المعتقل، عن حجم معاناة أسر المعتقلين للوصول إلى أماكن السجون لزيارة ذويهم.
وقال
حساب "حقهم"، إن الطالبة هاجر محمود عبد الرحيم "20 عاما"، ابنة
المعتقل محمود عبد الرحيم، توفيت إثر حادث انفجار سيارة في أثناء ذهابها لزيارة والدها
المعتقل بسجن جمصة قرب البحر المتوسط بمحافظة الدقهلية بدلتا النيل، وذلك مع إصابة
والدتها بحروق خطيرة.
المثير
وفق الحساب، المهتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي برصد أزمات المعتقلين في مصر، أن النيابة
العامة وإدارة مستشفى دمياط تعنتتا في استخراج تصريح دفن جثمانها، واشترطوا دفنها بعد
منتصف الليل.
منظمات
حقوقية مصرية قدرت عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا بـ120 ألف سجين، منهم حوالي 65
ألف معتقل سياسي، وبإجمالي 82 ألف سجين محكوم عليهم، و37 ألف محبوس احتياطي.
بعض
ذوي المعتقلين وحقوقيون تحدثوا لـ"عربي21"، عن معاناة لا تنتهي تواجهها أسر
المعتقلين، ما بين التكلفة المادية بإعداد الوجبات، وتوفير الدواء، وأجرة السفر، والإرهاق
البدني والنفسي، ومواجهة التعنت الأمني بالوقوف منذ الفجر وحتى الليل، وهو ما ينتهي
بمنع الزيارة في النهاية، أو إتمامها لـ5 دقائق لا أكثر.
"قمة
القهر والظلم"
(إ.
ع)، (والدها وشقيقاها
معتقلون)، تقول لـ"عربي21": "نحن كأسرة بها معتقلون
نعاني أيما معاناة حتي نزور أبي بسجن جمصة، حيث تبدأ رحلتنا قبل الزيارة بيوم من تجهيز
للأكل وتغليفه وتحضير ما يطلبه، ولا تنام أعيننا ليلة الزيارة؛ لأننا نخرج قبل الفجر".
وتضيف:
"يأخذ الطريق ذهابا أكثر من 4 ساعات، وكذلك العودة، وعندما نصل تبدأ معاناة أخرى
من حمل الحقائب الثقيلة وركوب ما يسمى الطفطف أو المشي على أقدامنا، حتى نصل بوابة
السجن، ونظل واقفين بصف طويل لساعتين، حسب أهوائهم (الأمن)".
وتتابع:
"ثم ندخل ونضع الحقائب على السير للتفتيش، ومن ثم تفتيشنا ذاتيا مرتين بشكل قذر
أقرب للتحرش، ثم ندخل قاعة الحجز، وبالطبع يؤخرون الحجز السياسي بعد الجنائي".
وتواصل:
"إذا تأخرنا عن العاشرة صباحا، لا يقومون بحجز الزيارة لنا، ثم ننتظر دورنا، ونقف
على بوابة القاعة التي نرى فيها أبي، ونظل منتظرين لنصف ساعة أو ساعة حتى ندخل، ثم ينادون على أسماء المعتقلين، حتى ندخل بالحقائب لنقوم بوضعها على السير مرة أخرى للتفتيش، وتفتيش
ذاتي مرة أخرى".
"ثم
نأخذ حقائبنا التي رموها على الأرض، ونقوم بتسجيل الاسم ليقوموا بالتفتيش الأخير حقيبة
حقيبة، وطبعا هناك أشياء ممنوع دخولها، ولكن في النهاية حسب الشخص الذي يفتش، فقد يتعنت
أحيانا كثيرة في إدخال أشياء مسموح بها".
وتضيف:
"ثم ننتظر في مكان جانبي حتى يخرج الجنائيين من زيارتهم، ثم نحمل الحقائب وندخل
قاعة الزيارة، ثم ننتظر لنصف ساعة أو ساعة حتى يأتي أبي ونراه، وهم بالطبع يفضلون الجنائيين
علينا دائما ويميزونهم عنا".
ومن
خلال مشاهداتها في الزيارة، تؤكد أن "معظم الموجودين شباب محكوم عليهم أحكاما كبيرة،
في منظر تشيب له الولدان، ويمثل قمة القهر والظلم".
وتختم
حديثها: "تنتهي الزيارة، ونعود أدراجنا، ونستقل الميكروباص، لنعاني من مشقة الطريق، ونعود ليلا ويكون أنهكنا التعب من قلة النوم في يوم طويل شاق، ولا يهونه سوى لقاء أبي".
"اللعنة
على السجان"
إيمان،
شابة لم تتعد بعد عامها الـ(26)، (زوجة معتقل وشقيقة معتل وتوفي والدها في المعتقل)،
تقول لـ"عربي21": "عشت فرحة الزيارة وانكساراتها مع أبي، حتى توفي مع
الإهمال الطبي في محبسه العام الماضي، ومع زوجي وأخي ما زلت أعاني من فرط الفرحة والخوف
من سلب السعادة وعدم إتمام الزيارة".
وتضيف:
"كل شهر، أنتظر زيارة زوجي محمود، المحكوم عليه بالسجن 14 عاما، دون جريمة ارتكبها،
ولمدة 5 سنوات مضت، أحمل معي نجلي الصغير الذي ولد وهو في محبسه، وأعد الأيام كي تحل
ليلة الزيارة التي لا نوم فيها لكل أفراد الأسرة، حماي وحماتي وأشقاء وشقيقات زوجي،
وحتى طفلي".
وتوضح أنها تشتري اللحوم وتصنع الطواجن والحلويات، وتحرص على جلب العلاج الشهري لكل الآلام
المحتملة بداية من الصداع وحتى المغص، وتؤجر سيارة تكلفتها لا تقل عن 1000 جنيه في
المشوار البعيد هناك، حيث سجن وادي النطرون، (غرب البلاد).
وتؤكد
أن "تكلفة الزيارة قد تصل لـ3 أو 4 آلاف جنيه"، وتشير إلى أن هذا المبلغ
يمثل مشكلة كبيرة لها، وتوفره بصعوبة، حيث تفتح محل بقالة لتعيش من ريعه، ولكن المشكلة
بحسبها "في عدم وصول تلك الأشياء إلى زوجها"، مؤكدة أنهم "يتعاملون
مع أناس بلا ضمير".
وحول
أصعب المواقف التي قابلتها، توضح أنه "كان وصولي إلى السجن باكرا في شهر آب/ أغسطس
الماضي، وحدثت مشادات، وتعنت أمن السجن معي، وتم تأخير الزيارة حتى انتهاء موعدها وحرماني
من رؤية محمود، وعدت مقهورة حزينة ألعن السجان الذي بكيت أمامه كثيرا، ومن أمره بحرماني
من زوجي".
"يتعمدون
إذلالهم"
وعن
معاناة أسر المعتقلين الذين حالفهم الحظ في السماح لهم بزيارة ذويهم المعتقلين، يقول
الحقوقي المصري والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين الدكتور أشرف عبدالغفار، إنها
"معاناة فوق طاقة البشر، وأشك بوجود أحد يشعر بمأساتهم إحساسا حقيقيا".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، يؤكد أنه "لا يمكن الصمت على ما يحدث من جرائم تفتك
ليس فقط بالمعتقلين والمعتقلات ولكن بعائلاتهم"، موضحا أن "حادث الابنة الفقيدة
هاجر، أحد الأمثلة الكثيرة، فهناك أزمات لا تُعد ولا تُحصى من كثرتها أصابت المعتقلين
وذويهم".
ويشير
إلى جانب آخر من الأزمة، ويضيف: "بالأمس تحدثت مع ابن أحد المعتقلين وسألته عن
والده؛ فأخبرني أنهم لم يروه منذ العام 2016، بسبب منع الزيارة، ولا يعرفون أين هو،
وذكر أن شقيقه الأصغر مصاب بالسكر، وأفرج عنه شريطة المكوث بقسم الشرطة يوميا مدة
12 ساعة".
ويرى
عبدالغفار، أن "مصر وشعبها لم يمرا بجبروت وظلم مثلما مرا به الآن"، ويلفت
إلى أن "هذا الحاكم يحاول التفوق على جمال عبدالناصر في الإجرام، وللأسف لم يجد
هذا الحاكم المغتصب الظالم من يوقفه أو يهدده، لا دوليا ولا إقليميا ولا محليا، ولا حتى
من أصحاب القضية".
ويؤكد
أنه "يظن أنه سيقضي على هذا التيار الذي هو جزء لا يتجزأ من الشعب المصري"،
ويضيف: "ولا أدري أسباب صمت كل من ذكرت؛ خاصة أنه بكل يوم نسمع عن شهداء سقطوا
في السجون جراء الإهمال الطبي المتعمد".
ويتابع:
"ولا حرمة لأهلهم وذويهم، وهم يتعمدون إذلالهم لمجرد أن يسافروا مسافات بعيده لكي
يلتقوا بالمعتقل ويجلسوا معه، فإذا بهم بعد معاناة ساعات يلتقون به لخمس دقائق".
ويختم
بالقول: "كل هذا يحدث وآخرون لا يدرون أين معتقلهم حتى يزوروه، والبعض لا يعرف
هل والده أو زوجها حي أم ميت، والمختفون قسريا مأساة أخرى لا تقل عن مأساة المعتقلين؛
ولابد من الحراك والعمل لمواجهة هذا الظلم والجبروت".
"عقاب
فوق العقاب"
من جانبها
تقول الحقوقية المصرية هبة حسن، إن "معاناة أسر المعتقلين للأسف تزيد وتستمر ولا
تنتهي، فإن كان المعتقلون يعانون في محبسهم من
انتهاكات وظلم وإهمال وتعنت؛ فالعائلات
تعاني على التوازي أضعاف ذلك".
المدير
التنفيذي لـ"التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، تضيف في حديثها لـ"عربي21": "بدءا من السعي للحصول على سماح لهم بمقابلة
ذويهم، وهو ما أصبح ترفا للأسف للكثيرين، مقابل عدد ضخم من المعتقلين منعت عنهم الزيارة
منذ سنوات".
وتوضح
أن "أسرهم لا تستطيع فعل شيء أكثر من وضع أمانات لهم من أموال أو طبلية (طعام)
كما يسمونها، وحتى دواء وملابس، مع أمل أن يتأكدوا من وصولها للمعتقل، وهو ما لا توجد
آلية لتأكيده للأسف".
الحقوقية
المصرية عبر رصدها تبين، أنه على الجانب الآخر، فإن "من حالفه الحظ وسُمح له بالزيارة، فتحمل الزوجة أو الأم عبء الوصول للسجن، وهي مع مشقة بعد السجون وعدم وجود مواصلات
آمنة ومريحة تكلفة مادية ضخمة".
وتتابع:
"بالإضافة لجهد حمل الزيارة والتي قد تنتهي أمام باب المعتقل مع أحد السجانة المتعنتين، فيلقي كل ما تعبت بشرائه وتجهيزه وحمله في القمامة، أو يعيده لها رافضا دخوله، أو كثيرا
ما يكون مصيره الفساد في حر الصيف مع طول فترة الوصول والانتظار".
وتؤكد
أن "معاناة أسر المعتقلين أصبحت للأسف مادية ومعنوية بشكل كبير، حيث فرقت الأولاد
عن آبائهم، فكثيرا ما يتعنت السجن في السماح بدخول الأبناء أو أكثر من زائر، متجاهلا
أعمارهم أو ما قطعوه من طريق طويل لينالوا دقائق معدودة".
وتلف
إلى معاناة من حصلوا على الزيارة "من أنها تتم من وراء سلك حديدي أو حائل زجاجي،
لا تحقق أي روح للزائر أو المعتقل نفسه".
وتختم
معربة عن أسفها من أن "أوضاع المعتقلين وأسرهم هي استمرار لظلم لا ينتهي، وتمثل
في ذاتها عقابا فوق العقاب بالحبس نفسه، وغالبا عقوبة لجرائم لم تتم من الأساس".
"تحطيمهم
نفسيا"
وعبر
مواقع التواصل الاجتماعي، تحدث نشطاء عن معاناة أهالي المعتقلين في الوصول لذويهم،
وحول معاناتهم أمام السجون والانتظار بالساعات والتفتيش والتعنت الأمني.
ويقول
أحدهم: "سجن برج العرب (شمال غرب الإسكندرية) ينكل بأهالي المعتقلين حاليا في
كل زيارة، مع استمراره في السعي لتحطيم المعتقلين نفسيا".
ويضيف:
"كمين تفتيش قبل السجن، ومعاملة قذرة في التفتيش، وعدم دخول أي أدوية، والرجوع
بالزيارة كاملة إلا وجبة واحدة لا تكفي طفلا، وغيره وغيره".
ويؤكد
أن "الوضع داخل السجون يزيد سوءا، ووضع الأهالي في الخارج سيئ جدا جدا جدا...
".