الكتاب: "مواقف في مناهضة الإسلاموفوبيا"
المؤلفون: مجموعة كتّاب
الناشر: منشورات زمكان ـ بيروت 2023
148 صفحة
صدر في بيروت حديثا كتاب "مواقف في مناهضة الإسلاموفوبيا"
لنخبة من المفكرين والحقوقيين العرب. وكما يوجز الناشر في تعريف هذا العمل:"تملأ الإسلاموفوبيا الفضاء اليوم،
وتسممه، فهي تتصل بنظرية صراع الحضارات، وتكشف خفايا الوعي الباطن للغرائز
البدائية، تعيد الاعتبار للشعبوية وكراهية المختلف، وتتكشف فيها تناقضات العولمة،
وتستفز الأصوليات. غير أنها تكشف فوق ذلك أن الهويّات الملتبسة تهدّد الحضارة التي
تزعم صونها.
ليس بالإمكان التعامل مع هذه الآفة دون مقاربة نقدية متعددة
الميادين، ومن أفضل لهكذا تناول، من مناضلين ومناضلات جمعوا بين البحث والعصف
الذهني، والنضال اليومي لمكافحة العنصرية بمختلف تعبيراتها. وتابعوا تحوّل
الإسلاموفوبيا، في حياتهم اليومية إلى وباء يجتاح القارة الأوروبية في مراحل
انتقال وجودية، تتصارع فيها القيم التي جعلتها رمزا للتنوير والحرية، مع أكثر
أسلحة الدمار الشامل بشاعة: اعتبار "الآخر" سببا لكل العاهات وأمراض
الشيخوخة التي تجتاحها.
إثر إعلان الأمم المتحدة 15 آذار/ مارس يوما عالميا لمكافحة
الإسلاموفوبيا، اجتمعت نخبة من هؤلاء في ندوة بحثية في جنيف بدعوة من "المعهد
الإسكندنافي لحقوق الإنسان/ مؤسسة هيثم مناع" و"مركز جنيف للديمقراطية
وحقوق الإنسان" و"منظمة الدفاع عن ضحايا العنف" و"اتحاد
الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية"، لاستعادة صفحات من هذا النضال على
الصعيدين الفكري والعملي، يجمع بعض محطاتها هذا الكتاب.
لقد حضرت وتابعت شخصيا أعمال هذه الندوة البحثية في جنيف، والنقاشات
الهامة خلالها. الأمر الذي أتاح لي فرصة التعرف على تاريخ وحاضر هذه الآفة، أقصد
رهاب الإسلام والترهيب منه، ولكن أيضا ما يمكن تسميته "الوظائف
المطلوبة" من هذا الترهيب على أصعدة عديدة: خلق حالة خوف عامة من جاليات
مسلمة تبحث عن مكانة تتناسب مع ما تقدمه للمجتمعات الأوروبية من كوادر شابة في
مختلف ميادين الحياة، وخلق حالة كراهية للإسلام هذا الدين الذي تقول الإحصائيات أن
نسبة معتنقيه، دون تبشيريات ولا استعمار، هي الأعلى بين الأديان الأخرى، ولكن
أيضًا: قطع الجسور بين الحضارات والثقافات والتفاعل المتبادل، خاصة وأن عدد الأوروبيين
من القارة العجوز الذين يعملون في البلدان العربية وحدها، وبشكل خاص في دول مجلس
التعاون الخليجي، أكبر من عدد المهاجرين واللاجئين من البلدان العربية منذ مطلع
هذا القرن إلى اليوم، الأمر الذي يغيبه الإعلام تماما؟
يتناول الكتاب محاور أساسية لتفكيك "لا عقلانية وديماغوجية هذه
الآفة"، حيث يحاول هيثم مناع عبر تناول الإسلاموفوبيا من أربعة محاور:
1 ـ كإشكالية تمس في الصميم الحديث الغربي اليومي في "حقوق
الإنسان"، وبالتالي عدم احترام الغربيين لخطابهم المعلن كمدافعين عن الحقوق
الإنسانية.
2 ـ منطلقات "الديمقراطية العلمانية" الأساسية في
أوروبا،
وانحناء العلمانيين الاستئصاليين أمام رياح الشعبوية.
3 ـ الإسلاموفوبيا باعتبارها أكثر أشكال العنصرية توسعًا وانتشارًا
في أوربة.
4 ـ ومهادنة وتأييد الأطروحات العنصرية الجديدة مثل "صراع
الحضارات".
وصولًا إلى استحالة الجمع بين خطاب يتحدث عن حقوق الإنسان
والديمقراطية وحوار الحضارات من جهة، وبين رهاب الإسلام الذي تعدى الأحزاب
اليمينية المتطرفة إلى أوساط اجتماعية مختلفة. وكيف نجح مع مناضلات ومناضلي اللجنة
العربية لحقوق الإنسان منذ عام 2005 في تثبيت ذلك في تقرير لمجلس أوربة:
"الإسلاموفوبيا، هي التخوف أو الأحكام المسبقة تجاه الإسلام والمسلمين وما
يتعلق بهم، سواء تم التعبير عنه بالأشكال اليومية للعنصرية والتمييز أو في أشكاله
الأكثر عنفًا. الإسلاموفوبيا هي انتهاك لحقوق الإنسان وخطر على التماسك
الاجتماعي". ثم تكليف مقرر خاص للأمم المتحدة، وتأكيد دودو ديين مقرر المفوضة
السامية لحقوق الإنسان لمناهضة العنصرية على أن: الإسلاموفوبيا هي الشكل الأكثر
خطورة للعنصرية في أوروبا اليوم. وصولًا إلى إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة
15 آذار/ مارس من كل عام يوما عالميا لمناهضة الإسلاموفوبيا.
أما الدكتور محمد حافظ يعقوب، وفي مقاربة تاريخية سوسيولوجية يقول:
"ليس السؤال من زوائد الأمور. فقد صار القول إن الإسلام يشكل تهديدًا
وجودِيًا لأوروبا من نوافل الكلام. وغدت الريبة بالمسلمين وتوجيه الإتهام لهم من
"طبائع" الأشياء. ألم يحذّر مؤسس أسبوعية لونوفيل أوبزرفاتور العجوز جان
دانييل Jean Daniel في افتتاحيته بتاريخ 24/12/2014 من أنه
يلاحظ "بخوف ورعب" كيف أن اللاسامية يجري استعواضها شيئًا فشيئًا
بالإسلاموفوبيا.
أوجه الشبه بين أزمات اليوم (صعود البطالة، صعود اليمين المتطرف، ضعف اليسار وانحسار النزعة المساواتية...)، تذكرنا بالتأكيد بأزمات ثلاثينيات القرن الماضي. الإسلاموفوبيا هي وليدة هذا المناخ المسموم الذي يسمّم "العالم الحر" اليوم، كما كان سمّمه قبل حوالي قرن من الزمان.
وعلى غرار جان دانييل، بيّن صديقنا الراحل إيلان هاليفي في كتابه
الممتاز الذي نُشر بعد وفاته (رُهابُ الإسلام ورُهاب اليهودية وقد طبعه المركز
العربي بترجمة سناء قاروط ضمن سلسلته ترجمان في تموز/يوليو ٢٠١٧)، بيّن، بالدليل
القاطع، شَبَهَ رُهابِ الإسلام اليوم برُهاب اليهودية في سنوات الثلاثينيات من
القرن العشرين شبه الماء بالماء كما قال. يكتب إلان هاليفي: أريد أن أوضّح هنا أن
كراهية المسلمين اليوم تشبه شبهاً كلياً نظيرتَها كراهية اليهود المسماة
باللاسامية: تقوم بنفس الوظيفة، وتُعامَلُ بنفس الطريقة، وتلعب الدور الاجتماعي
نفسه ولكن في سياق تاريخي مختلف.
والواقع أن أوجه الشبه بين أزمات اليوم (صعود البطالة، صعود اليمين
المتطرف، ضعف اليسار وانحسار النزعة المساواتية...)، تذكرنا بالتأكيد بأزمات
ثلاثينيات القرن الماضي. الإسلاموفوبيا هي وليدة هذا المناخ المسموم الذي يسمّم
"العالم الحر" اليوم، كما كان سمّمه قبل حوالي قرن من الزمان. في
الحالتين، تدلنا المقارنة أن اختراع العدو، الداخلي هنا وهناك، حاجة استراتيجية من
غير لبس. وهي تتضمن حرفاً استراتيجياً وتحويلاً للأنظار من كفاحات التحرر من القمع
والهيمنة والإستغلال والإستعباد إلى حروب "حضارية" ضارة. هذا مايراه آلان غريش َAlain
Gresh كذلك،
وهذا ما أراه أنا أيضاً.".
في حديثه عن الصور النمطية الموروثة والمستجدة، يقدم الدكتور فيصل
جلول مقاربة تاريخية يقول في تقديمها: "ليست ظاهرة "الإسلاموفوبيا"
مستجدة في أوروبا والغرب بخاصة، وفي أنحاء متفرقة من العالم عموما، فهي تكاد أن
تكون مرتبطة بظهور الإسلام ومترافقة مع فتوحاته الأوروبية، وما تلاها من حروب
صليبية وصولًا إلى الفترة الكولونيالية التي خضع خلالها القسم الأكبر من البلدان
الإسلامية للاستعمار القديم ومن ثم المُقَنّع. في مجمل تلك الحقبان التاريخية،
كانت تنتشر صورًا نمطية عن الإسلام والمسلمين لتقبيحهم وشيطنتهم وإثارة الكره
والحقد حول معتقداتهم لدى العامة، مع اختلاف في عناوين الصور وليس في مضمونها.
والاختلاف ناجم عن تغير مواقع الطرفين الأوروبي والمسلم خلال الألفيتين الأولى
والثانية".
أما الدكتور أنور الغربي، فاختار الحديث في "
المسلمون في الغرب
بين بروباغندا الإسلاموفوبيا وثقافة المواطنة. واختار الحالة الفرنسية نموذجا
لمقاربته، وكيف تجري عملية استغباء المواطن العادي بالتركيز على أشياء محددة كمثل
المونديال الأخير في الدوحة: "أظهرت تغطية تظاهرة كبيرة ككأس العالم لكرة
القدم التي جرت في الدوحة قطر، وما صاحبها من مشاهد وتحاليل وتحقيقات في الجانب
الفرنسي، جوانب كانت مجهولة في محفزات وأساليب المصابين بهذه الآفة، حيث لاحظنا
التركيز المبالغ فيه على نقد تنظيم قطر لكأس العالم والتعرض لمظاهر التدين في
المجتمع ومنها كثرة المساجد وصوت الآذان أو منع الكحول في الملاعب." وقد
تابعت الإعلام الفرنسي هذه الفترة وكنت أقول في نفسي: عندما تسمع تحقيقًا من هذا النوع من شخص لم تطأ
قدمه بلدًا عربيًا أو إسلاميًا يومًا، يُمكن أن نقول "يجهل بلداننا"،
أما من صحفي زار الدوحة والخليج عدة مرات، فالتحقيق يصبح ممجوجًا ومثيرًا للسخط.
يتعرض الدكتور فؤاد إبراهيم للأخطار المنظورة وغير المنظورة لخطاب
الكراهية في الحالة البريطانية. ويعطي أمثلة عيانية عليها ليس فقط في الصحافة
المسماة بالشعبية وإنما أيضًا في مواقع المسؤولية الحكومية. أما الإعلامي ناصر
الأخضر فيتناول دور وسائل الإعلام في صناعة الكراهية وتغذيتها.
يختصر الدكتور حسن الفرطوسي مسيرة النضال لمناهضة الإسلاموفوبيا في
أروقة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، مستعرضًا مختلف المراحل ومثبتًا لأهم
التقارير والقرارات التي صدرت عن المنظمة الأممية. أم الأستاذة هدى المصري، فقد
تناولت في دراستها دور المجتمع المدني في الغرب في مناهضة الإسلاموفوبيا يدًا بيد
مع المنظمات الحقوقية ومنظمات مناهضة العنصرية.
يبقى القول بأن من الصعب التعريف بهذا العمل البحثي والتوثيقي الهام
أو اختصار ما جاء فيه. وبالتأكيد، فإن من المفترض أن يأخذ مكانته في المكتبة
العربية كأول كتاب جامع، حول رهاب الإسلام وضرورة النضال اليومي ضد هذه الآفة
المدمرة.