في الوقت الذي وصلت فيه المفاوضات
الفلسطينية الإسرائيلية إلى طريق مسدود، وأفول فرص تحقيق حل الدولتين للشعبين، فإن فرضية الذهاب إلى استعادة مشروع
الكونفدرالية تعود إلى الواجهة مجددا، باعتباره حلاّ مؤقتاً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
آفي دابوش من مؤسسي حركة "أرض للجميع"، المدير التنفيذي لجمعية "حاخامات من أجل حقوق الإنسان"، أكد أن "الإسرائيليين يفعلون كل شيء كي لا يفكروا بالاحتلال، والسيطرة العسكرية، والضم، والصراع والحرب، وفي الوقت ذاته يرفضون العمل على تصحيح الوضع القائم منذ أكثر من مائة عام منذ تأسيس
الحركة الصهيونية، وعندما وصلنا عقد التسعينيات، وفكّر الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي بأنهما يقتربان من الوصول إلى حلّ واتفاق، والنتيجة أنه بعد فشل هذا الحل، وجدا أنفسهما في صراع داخلي أكثر من أي وقت مضى".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أن "بقاء الأفق السياسي مسدودا بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي طيلة هذه العقود، عمل على تحويل الاحتجاج الشعبي الفلسطيني إلى كفاح مسلح عسكري، وبالتالي فإن محاربة
الاحتلال للمقاومة المسلحة، وبقدر ما هو ضروري للحفاظ على أمنه، فإنه في الوقت ذاته لا يوجد أمامه خيار آخر، وفي غضون ذلك، وكل بضعة أشهر، يبقى الإسرائيليون في حالة استنزاف لأمنهم، ووقوع المزيد من الخسائر البشرية".
وأشار إلى أن "النتيجة المتكررة عقب كل حرب أن الأمن لا يتحقق، بدليل أن نتذكر كيف كانت قوة حماس والجهاد الإسلامي عندما سقطت أولى صواريخ قسام في سديروت في 2001، والآن أين وصلت قوتهما، رغم الدور الهائل للسلطة الفلسطينية في كبح المقاومة المسلحة خلال كل هذه السنوات، ولعله من أجل هذا السبب أنه ليس من قبيل المصادفة أن أي حكومة يمينية لم تجرؤ على إلغاء اتفاقيات أوسلو، لأنها مستفيدة منها في المجال الأمني".
واستدرك بالقول إن "اتفاقيات التطبيع الأخيرة لا تمنح الإسرائيليين الهدوء الأمني المطلوب، لأنه بالتزامن مع توقيع هذه الاتفاقيات صدرت مشاريع ضمّ الضفة الغربية لصاحبها بيتسلئيل سموتريتش وأوريت ستروك من حزب الصهيونية الدينية، اللذين يزعمان أنه في يوم من الأيام سنستيقظ في الصباح، وسيختفي فيه الفلسطينيون، ولعل ما قد يسرّع بتحقق هذا التطلع اليميني أن يكون الوضع الفلسطيني أسوأ، لأن القدرة التفجيرية حول نقاط الاحتكاك، والقوة العسكرية المستمرة التي يمارسها الاحتلال هائلة".
وأوضح أنه "ليس من قبيل المصادفة أن رؤساء المنظومة الأمنية الإسرائيلية، في الحاضر والماضي، كرروا مرارًا وتكرارًا مطالبهم بضرورة الحاجة لتحركات سياسية مع الفلسطينيين لإحداث التغيير المطلوب، وإعادة الحياة لحل الدولتين لشعبين، لأننا في واقع مختلف تمامًا، وبين البحر والنهر يعيش 16 مليون نسمة، مناصفة بين الفلسطينيين واليهود، غالبيتهم المطلقة متمسكون بهويتهم العرقية والسياسية، أما الفلسطينيون المقيمون في نابلس والخليل وبيت لحم والقدس، فما زالوا يحلمون بالعودة إلى حيفا ويافا والمجدل".
وزعم أن "الحل البديل لاستمرار الصراع، وعدم إنجاز حل الدولتين، يتمثل في خيار الكونفدرالية، دولتان في وطن واحد، دولتان ذات سيادة، جنبًا إلى جنب، مع جميع الترتيبات الأمنية اللازمة، مع حدود شبه مفتوحة، وتعاون اقتصادي وبيئي وأمني، صحيح أن هذا لا يعني امتلاكنا الحقيقة كاملة، لكنها وسيلة للخروج من اليأس المحيط بالصراع".
ويبرر الإسرائيليون الذين يتبنّون خيار الكونفدرالية مع الفلسطينيين أن الحركة الصهيونية سبق لها أن قبلت بهذه الفكرة، وفقا لما جاء في قرار التقسيم 1947، الذي قضى بإقامة كونفدرالية بين الدولتين اليهودية والعربية، دون أن تسميها بهذا الاسم بصورة واضحة، بحيث تتقاسمان الضرائب والجمارك والرسوم المالية، ولديهما بنك مركزي مشترك، وعملة نقدية مشتركة، ونظام مواصلات مشترك، كما أن حدودهما الثنائية مفتوحة، بحيث أن مواطني الدولة العربية بإمكانهم الإقامة والسكن في الدولة اليهودية، بصورة دائمة، والعكس صحيح.
أما اليوم، فإن الفكرة الحالية تعتمد على تعاون الدولتين، وحفظ استقلالهما، وتعيشان بجانب بعضهما، مع التعاون الثنائي في المنظومات الإدارية، ليكون لهما مؤسسات مشتركة وتنسيق كامل وحرية حركة، محدودة أم كاملة، بزعم أن هذا الحل كفيل بتحقيق اختراق لحل الصراع، ويعتبر مناقضا لدعوات الضم والاستيطان.