يعتبر
وادي بني زيد الذي يقع في المنطقة
المتوسطة الفاصلة بين جبال القدس ونابلس في الضفة الغربية المحتلة، أحد الأودية
المهمة في
تاريخ فلسطين، وذا أهمية كبرى بالنسبة للحياة البرية والبيئة الفلسطينية.
وقد شكل الوادي الحد الفاصل بين جبال القدس
وجبال نابلس كما أنه شكل الحد الفاصل بين الجيش البريطاني والجيش التركي في الحرب
العالمية الأولى، وشهد معركة كانت من المعارك الفاصلة في الحرب العالمية الأولى
وهي آخر معارك العثمانيين ضد البريطانيين قبل سقوط فلسطين في يد الإنجليز عام
1918م.
وقال فراس عقل، مدير العناية الأولية في وزارة
السياحة والآثار الفلسطينية: "بالنسبة لمصطلح بني زيد فهو مصطلح فضفاض تغير
مع مرور الزمن، فقد كانت بني زيد في نهاية الفترة العثمانية تضم 18 قرية وبقيت
كذلك حتى مجيء السلطة الفلسطينية عام 1994م والتي قسمت بني زيد إلى بني زيد
الغربية وبني زيد الشرقية والتي أصبحت تضم عدة قرى وبلديات تشمل هذه المنطقة ككل، وتقع هذه المنطقة في الشمال الغربي من رام الله على بعد قرابة الـ26 إلى الـ27 كم شمال
غربي رام الله".
وأضاف عقل لـ
"عربي21":
"أقدم الدلائل في هذه المنطقة يعود إلى العصر البرونزي المبكر قرابة الـ3500 عام
قبل الميلاد، وأيضا فيها تراكم حضاري من العصر البرونزي وحتى اليوم مرورا بالعصر
الحديدي والعصر اليوناني والعصور الرومانية البيزنطية وجميع تفرعات الفترات
الإسلامية وحتى أيامنا الحالية".
فراس عقل.. مدير العناية الأولية وزارة السياحة والاثار الفلسطينية
وأوضح أن هذه المنطقة وجد فيها الكثير من
القلاع العثمانية التي كانت مراكز للحكم العثماني في تلك الفترة ومن هذه القلاع
قلعة البرغوثي في قرية دير غساني التي تقع في منطقة بني زيد والتي كانت مركز إدارة
الحكم لمنطقة بني زيد إبان الحكم العثماني للمنطقة، وتشمل هذه القلعة قصر الوالي
عمر صالح البرغوثي وأيضا مرفقات للقصر والتي تشمل سجنا في بعض الأحيان ومدرسة
بالإضافة إلى مسجد وديوان وساحة عامة لأهل البلدة .
وأكد أنه يوجد في المنطقة الكثير من الوديان
المؤقتة التي تسير في فصل الشتاء فقط، ومن هذه الوديان: وادي قراوة، ووادي صريدا، والعديد من الأودية التي تصب في البحر الأبيض المتوسط في معظمها.
وقال: "من الطريف أن أحد المواطنين وضع
في هذا العام صبغة حمراء فتحول الوادي إلى اللون الأحمر، وفي البداية لم يعرف الناس
السبب في تحول المياه إلى اللون الأحمر، وبعدها اتضح للناس أن أحد المواطنين قام بوضع
صبغة حمراء في الوادي حيث أصبحت المياه باللون الأحمر".
أوضح عقل أنه يوجد في المنطقة الكثير من
المسارات التي تؤدي إلى الوديان والعيون حيث يوجد في المنطقة الكثير من عيون
المياه تقدر بأكثر من 15 عين ماء تكون متوفرة طوال العام وتشكل عامل جذب
للسياحة الداخلية، وفي بعض الأحيان تكون أيضا للسياحة الخارجية.
وقال: "هنالك مسار منظم في المنطقة
يسمى مسار عين الزرقاء العلوي والذي يوجد فيه تنوع نباتي وتنوع حضاري وأيضا يشرف
على الكثير من المواقع الأثرية في المنطقة ويوجد أيضا في المنطقة الكثير من
المقامات والأضرحة التي تشكل عوامل جذب سياحي خاصة فيما يتعلق بالسياحة الداخلية
وأيضا المنطقة محاطة بالكثير من المستوطنات والتي لا تخلو من التنغيص والتدخلات في
هذه المسارات خاصة أن معظم هذه المسارات تقع في المناطق التي تصنف (ج) ولذلك يكون
في بعض الأحيان تدخلات من قبل الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة والكثير من
التنغيصات للمواطنين الذين يسلكون هذه المسارات الراجلة".
وأضاف: "يوجد في المنطقة الكثير من
المواقع الأثرية والتي تعتبر جزءا من السياحة الثقافية، حيث يوجد في المنطقة
الكثير من المواقع الأثرية أهمها: خربة كفر توت والتي تشرف على البلدة وأيضا
الكثير من المقامات، بالإضافة إلى خرب مترامية مثل: خربة رأس علم، خربة رأس المال،
خربة الهيري، وخربة، ووادي صريدا والكثير من المواقع الأثرية في المنطقة".
وأشار عقل إلى أن هذه المواقع باتت تشكل
عامل جذب في هذه المنطقة، معربا عن أسفه أن الكثير من هذه المواقع يقع في ما يسمى
في المناطق التي تصنف ج أو C لذلك فإن
التدخلات الرسمية وتدخلات وزارة السياحة تكون محدودة في هذه المناطق وعلى الرغم من
ذلك يبقى هنالك الكثير من الأبنية والمباني القديمة.
وقال رامي صخر البرغوثي، الباحث في التاريخ الفلسطيني: "إن وادي بني زيد هو وادي موسمي قد تجري فيه المياه عند
سقوط الامطار بغزارة لعدة أيام فقط تلي المنخفضات الجوية الماطرة وقد تتكرر حالة
جريان الماء فيه أكثر من مرة في نفس السنة، لكنه ليس بالنهر دائم الجريان".
رامي صخر البرغوثي.. باحث في التاريخ الفلسطيني
وأضاف البرغوثي لـ
"عربي21":
"هناك مقاطع من الوادي تتفجر فيها ينابيع موسمية وتسمى عند أهل المنطقة
بالفوارات ومفردا فوارة وتتدفق منها المياه لفترة اطول قد تمتد لشهر أو عدة أشهر
في الشتاء وذلك في حال الأمطار الوفيرة فقط".
ويقع الوادي بحسب البرغوثي في المنطقة
المتوسطة الفاصلة بين بين جبال القدس وجبال نابلس وذلك بحسب ما وصفه المؤرخ الفقيه
مجير الدين الحنبلي في كتابه "الأنس الجليل".
وقال: "يبدأ الوادي من جنوب بلدة عين
سينيا ويسمى ذلك الجزء منه وادي البلاط، ويمتد مجاورا عدة قرى وهي: عطارة، عجول،
عبوين، جلجلية، عارورة، دير السودان، مزارع النوباني، قراوة كفرعين، بروقين دير
غسانة، كفر الديك، واللبن الغربي.. حيث ينتهي إلى وادي يسمى وادي صريدة، ومن هناك
يتجه إلى رأس العين ضمن أراضينا المحتلة عام 1948م حيث منابع نهر العوجا ومن ثم إلى
البحر المتوسط".
وأضاف: "يعرف الوادي الممتد من جنوب
عين سينيا إلى شمال اللبن الغربي بوادي بني زيد ومن هناك أي بعد اللبن غرب دير
غسانة يأخذ اسم وادي صريدة ".
ويحمل الوادي بحسب البرغوثي اسم المنطقة
التي يمر بها أو نبع الماء المجاور للوادي في كل مقطع من مقاطع الوادي، فمثلا يسمى
وادي عجول في أحد أقسامه التي تعتبر الأكثر ارتيادا من قبل الزوار، حيث تتدفق
الفوارات التي تغذي الوادي فترة أطول من أي مقطع آخر خلال الربيع وفي مقطع آخر
يسمى وادي قراوة وآخر يسمى واد عين الدير أو واد ماسيتا وهي ينابيع على السفح
المجاور لمرى الوادي.
وقال: "يعود سبب تسمية الوادي بهذا الاسم
(وادي بني زيد) نسبة إلى قبيلة بني زيد والتي تعتبر إحدى القبائل العربية التي
قدمت المنطقة تلبية لنداء الجهاد الذي وجهه القائد صلاح الدين الأيوبي إبان الحروب
الفرنجية حيث اقتطعت قبيلة بني زيد تلك المنطقة والتي تتكون من قرابة العشرون قرية
فأخذت المنطقة اسم بني زيد وما زالت معروفة بذلك حتى الآن، وبما أن الوادي يمر بين
قرى أقطاع بني زيد فقد أخذ اسم المنطقة بني زيد ".
وأضاف: "في الوضع الطبيعي بالنسبة
للأودية التي تجري في المناطق الجبلية ومع غزارة الأمطار تقوم المياه بعملية تجريف
للتربة الجبلية والتي غالبا ما تكون تربة ذات لون أحمر الأمر الذي ينعكس على مياه
الوادي بعد أن تختلط ذرات التراب الأحمر بمياهه وغالبا ما يختفي اللون بعد أن تهدأ
الأمطار حيث يتوقف انجراف التربة".
وتابع: "أما بالنسبة إلى اللون الأحمر
الذي اشتهر به الوادي على مواقع التواصل عام 2021م فهو ليس بالشيء الطبيعي، وهذه ليست
ظاهرة يتميز بها وادي بني زيد والحادثة كانت عبارة عن مجموعة من براميل الأصباغ
التالفة تم إلقاؤها في مكب نفايات قريب من الوادي وقام مجموعة من العابثين بأخذها
وإفراغ محتواها في الوادي الذي أخذ يتلون تارة بالأحمر وتارة أخرى بالأزرق".
وأكد أن للوادي قيمة جمالية عالية يقدرها
السكان خاصة في حال جريان المياه فيه لفترة طويلة في فصل الربيع، وهذا يكون أكثر
وضوحا في مقطع الوادي المجاور لقرى: عجول، عارورة، مزارع النوباني، ودير السودان،
حيث هذا الجزء تغذيه الفوارات وحيث يرتاده الكثير من أهالي المنطقة والمناطق
المجاورة كمتنفس لهم ولأسرهم وللاستمتاع بأجوائه الربيعية .
وقال البرغوثي: "عبر مساره تحتوي الأراضي
المجاورة لوادي بني زيد على عدد من ينابع المياه التي تعطي الوادي أهمية مثل: عين
البلد في عجول، عين التفاح في قراوة، عين البلد في كفر عين ماسيتا في بروقين، عين
قاروس وعين الدير، عين بئر صريدة، والعين الجديدة في دير غسانة، عين الفوارة في
كفر الديك، عين أبو نياق".
وأضاف: "هذه العيون تمنح زوار الوادي
في فصل الصيف من المتنزهين المحليين ومن خارج المنطقةإاضافة جميلة وضرورية
للاستراحة والاسترخاء خلال جولاتهم في المنطقة والتي لا يكاد يمر أسبوع إلا وهناك
مجموعة من المتنزهين يرتادون المنطقة خاصة في الربيع والخريف، حيث الجو مناسب
لعشاق السير وذلك عبر أكثر من مسار للمشي".
وأشار إلى أن أطول مسار للوادي يمر في دير
غسانة وأراضيها يتلوه كفر الديك وعابود وعجول.
وقال الباحث في التاريخ: "لعشاق
التاريخ والتراث نصيب في وادي بني زيد، حيث يضم على جنباته بقايا خرب ومواقع أثرية
مثل عين مشرقة شرق عجول القلع شمال دير غسانة الدوير وزنعر الشمال الغربي لدير
غسانة والجنوب الغربي لكفر الديك وخربة البلاطة غرب دير غسانة".
أما بالنسبة لأهمية الوادي بشكل عام فأكد
البرغوثي أنه من الأودية المميزة بغزارة مياهه في مواسم فيض المطر.
وقال: "تاريخيا كان لهذا الوادي اأمية
كبيرة فترة الحرب العالمية الأولى، فبحسب التقارير العسكرية البريطانية شكل وادي
بني زيد الحد الفاصل بين الجيش العثماني والألماني شمال الوادي والجيش البريطاني
جنوب الوادي، وكان ذلك في الفترة الممتدة بين 21/3/1918 ـ 18/9/1918م حيث دارت على
هذه الجبهة من جبهات القتال عدة معارك كان
هدف البريطانيين من خلالها السيطرة على جانبي الوادي الذي شكل حاجز طبيعي حال
بينهم وبين التقدم شمالا".
وأضاف: "كانت هجمات الأنجليز في هذه
المنطقة تبوء بالفشل بسبب وعورة المنطقة وصمود العثمانيين والألمان مما دفع
بالبريطانيين لتجنب الوادي والهجوم من منطقة الساحل الفلسطيني عبر طولكرم وعنبتا
وعبر قلقيلية عزون وادي قانا الأمر الذي مكنهم من كسب المعركة والتي تعد آخر معركة
حاسمة دارت على أرض فلسطين قبل أن تسقط بيد الحلفاء عبر الجيش البريطاني وما هي إلا
أيام وكانت قوات الحلفاء في الأراضي السورية شمالا".
وأشار إلى أن الاحتلال يسعى دوما للسيطرة
على الوادي فقد تم تصنيف منطقة واسعة من الوادي من أطراف قراوة بني زيد إلى وادي
صريدة على أنها محمية طبيعية.
وقال البرغوثي: "يحاول الاحتلال عبر
قوانين إدارة المحميات فرض سيادته على هذه المنطقة لذا فهو يقوم بهدم أي منشأة
خاصة بالمواطنين الفلسطينيين كالأكواخ السياحية أو أي منشأة هدفها تقديم خدمات
سياحية لزوار المنطقة وحتى المباني البسيطة لأهالي المنطقة والتي تقام في العادة
في الأراضي الزراعية".
ومن جهته أكد مصور الحياة البرية محمد
الشعيبي على أهمية وادي بني زيد بالنسبة للحياة البرية والبيئة الفلسطينية.
محمد الشعيبي.. مصور الحياة البرية
وأوضح في حديثه لـ
"عربي21" أن
الوادي يعتبر من أهم الأودية في فلسطين في النوع الحيواني والبيئي إضافة إلى أن
الموطنين يقضون أجمل الأوقات لزيارته والاستمتاع بجمال الطبيعة والتنوع الحيوي من
نباتات وطيور وثديات.
وقال: "تكثر في داخل الوادي المياه
الجوفية وينابيع المياه الطبيعية والتي أشهرها عين الزرقاء، وعين أبو نياق والعين
الجديدة المتدهورة نتيجة انجراف الأراضي الزراعية، إذ يعود غناؤها إلى العوامل
الجيولوجية التي تتأثر بها المنطقة ذات الصخور الكلسية التي تسمح بتسرب المياه".
وأضاف: "يعتبر وادي بني زيد والذي من
الأودية المهمة تاريخيا حيث شكل الحد الفاصل بين جبال القدس وجبال نابلس كما أنه
شكل الحد الفاصل بين الجيش البريطاني والجيش التركي في الحرب العالمية الأولى،
وشهد معركة كانت من المعارك الفاصلة في الحرب العالمية الأولى".
وأكد على أنه واد غزير في موسم الأمطار
ويمتد من وادي البلاط قرب عين سينيا إلى وادي صريدا حتى يلتقي برأس العين في
فلسطين المحتلة عام 1948.
وأشار الشعيبي إلى أنه تكثر فيه أوراق
"زعتر البلاط ـ القرنية" صغيرة وطولية الشكل، وهو ما يميز الوادي عن
بقية محميات فلسطين، نتيجة تأثرها بمناخ منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.
وأضاف أنه تنبت فيه نبتة الزعيتمان، وهو
ما يدلل على أن الأراضي كلسية وفيها نسبة من الرطوبة.
وأوضح أن على جانبي الوادي تنبت شجرة البلوط
والبطوم والقيقب والفيجم والزعرور والميرمية واللبيد، والكتيلا ورجل الحمام،
بالإضافة إلى كثرة أشجار الزيتون فيها والزيتون الروماني القديم، وفيما يسكنه
الوبر الصخري والغزلان والخنزير والثعلب والواوي والنسانس والنيص.