تجري مفاوضات سرية غير مباشرة منذ أسابيع بين وفدي أمريكا وإيران في مسقط، بعد تعثر وانقطاع، كما جرت قبل 10 سنوات في جولات أولى مهدت للاتفاق
النووي عام 2015. هدف المفاوضات ليس العودة للاتفاق النووي لعام 2015، لكن التوصل لاتفاق نووي مؤقت يخفّض مستوى التصعيد، بعدما تجمدت المفاوضات منذ العام الماضي.
سبب انسداد الأفق في ملف
إيران النووي مع
الولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد، هو رفض الرئيس بايدن العودة إلى الاتفاق النووي، كما عاد لاتفاقيات انسحبت منها إدارة ترامب. وكان الرئيس أوباما توصل مع القوى الكبرى (5+1) لاتفاق نووي مع إيران عام 2015، وصادق مجلس الأمن على الاتفاق النووي بقرار 2231.
انسحبت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي (JCPOA) في أيار/مايو 2018. وفرضت نظام «أقسى العقوبات على إيران»، ووضعت 12 شرطا على إيران الالتزام بها؛ لرفع العقوبات والعودة للاتفاق النووي! لكن إيران رفضت الشروط وخرقت بعض بنود الاتفاق النووي، ورفعت
تخصيب اليورانيوم من 3.67٪ إلى 20٪ ثم 60٪، واكتشفت فرق الوكالة الدولية للطاقة الذرية كميات محدودة من اليورانيوم المخصب بنسبة 84٪ لعسكرة البرنامج النووي يحتاج لنسبة تخصيب 90٪.
دفعت عدة عوامل وتطورات الطرفين الأمريكي والإيراني لإعادة حساباتهم والعودة بعد توقف لأشهر للتفاوض السري غير المباشر، يشكل معادلة رابح ـ رابح للطرفين، ويخفض التصعيد المتبادل لجني تنازلات ومكاسب.
على رأس التطورات التي فرضت نفسها، أولا: موافقة المرشد الأعلى علي خامنئي على التفاوض بشرط البقاء على برنامج إيران النووي ومكتسباته دون مساس، والهدف تحسين الوضع الاقتصادي المتردي ومستوى المعيشة، ووقف تدهور الريال؛ العملة الإيرانية.
ثانيا: تحول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مرشح للرئاسة لفترة ثانية. منذ الإعلان عن ترشحه في نهاية نيسان/أبريل الماضي، وبدأ عقد مهرجانات انتخابية الأسبوع الماضي؛ يسعى لتحقيق إنجاز مهم يسوقه في حملته الانتخابية بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي في عهده، خاصة بعد تأكيد أجهزة الاستخبارات الأمريكية قدرة إيران على تخصيب كميات كافية من اليورانيوم بنسبة 90٪ في فترة قصيرة، وامتلاك كميات كافية من اليورانيوم والبلوتونيوم لامتلاك قنبلة نووية، وذلك بعدما أتقن علماء الذرة الإيرانيون معرفة تطوير وعسكرة البرنامج النووي السلمي إلى برنامج نووي عسكري.
والأهم لإدارة بايدن، هو تجنب تصعيد ومواجهة وحتى عمل عسكري في الشرق الأوسط ولجم إسرائيل. بينما إدارته منهمكة كليا في مواجهة روسيا في أوكرانيا والصين في شرق آسيا، وتدخلهما في مناطق نفوذ واشنطن، والصراع الداخلي مع الجمهوريين والانغماس في حملته الانتخابية الثانية وفضائح نجله هانتر.
لم تُكشف تفاصيل بنود الاتفاق النووي غير الرسمي بين الولايات المتحدة وإيران، وبرغم نفي مسؤولين أمريكيين، نُشرت تسريبات في دورية فورين بولسي وواشنطن بوست ونيويورك تايمز. تشير بنود الاتفاق إلى:
1 ـ التزام إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بأكثر من 60٪، حتى لا تصل لمستوى اليورانيوم المخصب لامتلاك سلاح نووي.
2 ـ تجميد أو خفض كميات اليورانيوم المخصب المتوفرة على مستوى 60٪.
3 ـ وقف الهجمات والاعتداءات التي يشنها وكلاء إيران في العراق وسوريا على القوات الأمريكية والمتعاقدين الأمريكيين.
4 ـ وقف تزويد روسيا بالمسيرات والصواريخ التي تستخدمها ضد البنى التحتية ومحطات الكهرباء.
5 ـ التعاون والسماح لفرق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة أنشطة ومستوى تخصيب اليورانيوم وبرنامج إيران النووي.
مقابل ذلك، تتعهد الولايات المتحدة بالتالي:
1 ـ ستمتنع أمريكا عن فرض مزيد من العقوبات والتضييق على إيران.
2 ـ تتوقف الولايات المتحدة عن مصادرة ناقلات النفط التي تحمل النفط الإيراني.
3 ـ تمتنع الولايات المتحدة عن الضغط على مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية، لاتخاذ إجراءات عقابية ضد إيران.
4 ـ بناء على ذلك، تقوم إيران بالإفراج عن 4 مواطنين أمريكيين، من أصول إيرانية ترى أمريكا أنهم معتقلون تعسفيا في إيران، مقابل موافقة أمريكا على رفع الحجز عن 7 مليارات دولار من أموال إيران المجمدة في بنوك كوريا الجنوبية من بيع النفط. ولن تحول الأموال مباشرة إلى إيران، بل لبنوك إقليمية يمكن رصد ومتابعة طرق إنفاق الأموال، وتمكن إيران الاستفادة من أموالها المحررة للإنفاق على عقود الغذاء والدواء والمواد الأساسية، حتى لا ينفق على دعم مشروع إيران وتمويل حلفائها في المنطقة. هذا البرنامج يُذكّر ببرنامج «النفط مقابل الغذاء» الذي فرض على نظام صدام حسين في مجلس الأمن بعد تحرير الكويت عام 1991، أشرف حينها مجلس الأمن بوصاية حسب قراراته لتوفير الغذاء والدواء للعراق من مبيعات نفطه، دون استفادة نظام صدام حسين من عوائد البترو-دولار.
وللتعبير عن حسن نية إدارة بايدن، وافقت على الإفراج عن 2.76 مليار دولار، تسددها العراق لإيران ديونا لكلفة تزويد إيران العراق بالكهرباء والغاز.
عبّر وزير الخارجية العماني عن تفاؤله بتقدم المباحثات بين الأمريكيين والإيرانيين. كما تلعب وتساهم دولة قطر بتقريب وجهات النظر بين الأمريكيين والإيرانيين.
الواضح مما سُرب من بنود الاتفاق، عدم المساس ببرنامج إيران النووي، وهذا يلبي شرط المرشد الأعلى، ولكن في الوقت نفسه يثير انتقادات ورفض نتنياهو الذي أكد عدم التزام إسرائيل بالاتفاق، لكن نتنياهو لا يملك خيارات كثيرة لصعوبة وضعه وتحالفه، وخلافاته مع إدارة بايدن بسبب سعيه لتقييد صلاحيات القضاء، والتوسع في بناء المستوطنات وقمع وحشي للفلسطينيين، وتدمير رؤية بايدن لحل الدولتين وملاحقته قضائيا لتجاوزاته القانونية، كما انتقدت قيادات الحزب الجمهوري الإفراج عن أرصدة إيران.
لذلك، يبدو الاتفاق النووي والمرحلي أفضل الخيارات السيئة للطرفين، ويمنح فرصة اختبار نوايا، ويمنع إيران من امتلاك السلاح النووي في عهد بايدن، ما يجنبه تلطيخ سمعته بوصفه بالضعيف، ويعزز فرص فوزه في انتخابات الرئاسة عام 2024.
(عن صحيفة القدس العربي)