قال
تقرير لموقع "
ميدل إيست آي" البريطاني، إن المواجهة الأخيرة بين
الدروز
في
الجولان المحتل، وإسرائيل، أعمق من مجرد "مزارع رياح"، إذ أنه بعد أن كانوا ذات مرة "إخوة السلاح"، بحسب
تعبيره، بات مجتمع الدروز محبطاً بسبب السياسات التي تستهدفه.
وفي
التقرير الذي عملت عليه "ليلي غاليلي"، إن المشروع الإسرائيلي لإنشاء مولدات
كهرباء تعمل بطاقة الرياح في الجولان المحتل كان الشرارة، لكنه كشف إحساسا دفينا
بالغضب، والتضرر، والمهانة، ولا يزال يغلي منذ سنين.
وتاليا
التقرير كاملا كما ترجمته "عربي21":
قد يبدو لمن يظنونه مجرد احتجاج على
مزرعة الريح في مرتفعات الجولان المحتلة، أن انفجار الغضب في مظاهرات ضخمة نظمها
الدروز السوريون في الأسبوع الماضي وما تبعه من قمع إسرائيلي عنيف مجرد رد فعل غير
متكافئ.
من المؤكد أن المشروع الإسرائيلي
لإنشاء مولدات تعمل بطاقة الريح على أرض يملكها سوريون كان الشرارة – إلا أنه كشف
عن إحساس دفين بالغضب والتضرر والمهانة، لم يزل يغلي منذ سنين.
فاقم من هذه المشاعر سن قانون الدولة
القومية اليهودية في عام 2018، والذي كرس دستورياً هوية إسرائيل كبلد لليهود فقط
دون غيرهم، معلناً بذلك التبرؤ ممن سواهم.
يعطي القانون الأولوية لليهود على
الأقليات غير اليهودية ويكرس فكرة تفوقهم – وهو ما تفعله الحكومة الحالية، التي
تعتبر أول حكومة تطبق فكرة التفوق اليهودي بشكل سافر.
ما من شك في أن قانون الدولة القومية –
والذي انتقد باعتباره قانوناً عنصرياً يساهم في تكريس الفصل العنصري (الأبارتايد)
– والإحساس السائد بالفوقية اليهودية داخل إسرائيل يمس جميع الأقليات ويؤثر عليها،
أي المواطنين
الفلسطينيين داخل إسرائيل، مسلمين ومسيحيين.
كان ينظر إلى الدروز نوعاً ما
باعتبارهم الاستثناء من ذلك، فقد تم دمجهم عبر السنين وخدموا في الشرطة وفي القوات
المسلحة، لدرجة أن كثيراً من الإسرائيليين يصفونهم بأنهم "إخوة السلاح"
ويعتبرونهم "العرب الطيبين".
ولكن بسبب سلوكهم، ونظراً لأنهم لا
يشكلون تهديداً لإسرائيل، تراهم يحظون باهتمام أهم من قبل السلطات.
هذا الإهمال، وما يرافقه من عدوان على
أراضي الدروز على جانبي الحدود، يثير ببطء تظلمات دفينة باتت الآن تهدد بتفجير
العلاقات الإسرائيلية الدرزية.
احتجاجات وتوافقات
هناك نوعان من الدروز على علاقات وثيقة
ببعضهما البعض، أما النوع الأول فهم الذين يعيشون في مرتفعات الجولان وأما النوع
الثاني فهم الذين يعيشون داخل إسرائيل.
يعيش في الجانب السوري المحتل ما يقرب
من 25 ألف نسمة، يكسبون رزقهم بشكل رئيسي من السياحة والزراعة.
يرفض الغالبية العظمى منهم حمل الجنسية
الإسرائيلية رغم أن بإمكانهم أن يفعلوا ذلك. فقط ما يقرب من عشرة بالمائة أصبحوا
مواطنين إسرائيليين بينما ما زال الباقون يحملون الجنسية السورية.
وكانت مرتفعات الجولان قد احتلت في حرب
عام 1967 ثم وقع ضمها إلى إسرائيل في عام 1981 في خطوة لم يُعترف بها بتاتاً من
قبل المجتمع الدولي.
يدعو قرار الأمم المتحدة 242 إلى
انسحاب إسرائيل من الجولان، والذي يعترف به القرار جزءاً من سوريا، ومن الأراضي
الأخرى التي احتلت في عام 1967، بما في ذلك غزة والضفة الغربية.
يقول دروز الجولان إنه تم تناسيهم
لعقود على الرغم من استمرارهم في الاحتجاج ضد السياسات التي يفرضها
الاحتلال
الإسرائيلي، من قرار الضم في عام 1981 إلى مشروع مولدات الكهرباء بطاقة الرياح
مؤخراً.
على الجانب الآخر من الحدود يعيش ما
يقرب من 150 ألف درزي فيما يقرب من 19 قرية في القطاع الشمالي من إسرائيل.
على الرغم من أنهم يشتركون في التقاليد
والأواصر العائلية مع نظرائهم السوريين إلا أنهم يتمتعون بعلاقة مختلفة داخل دولة
إسرائيل.
في عام 1957، واستجابة لرغبة زعماء
المجتمع الدرزي، صنفت الحكومة الإسرائيلية دروز إسرائيل على أنهم مجتمع عرقي
متمايز.
كما منحت السلطة الدينية للدروز درجة
من الاستقلالية عن الكيانات الإسلامية.
مقابل ذلك – وعلى النقيض من وضع
الأقليات الأخرى التي تعتبر الخدمة العسكرية بالنسبة لها أمراً اختيارياً – أصبح
تجنيد الذكور الدروز إلزامياً، ووُعد مجتمع الدروز بالحصول على الامتيازات التي
تترافق مع الخدمة العسكرية.
وعبر السنين، احتل الدروز رتباً عليا
في الجيش وفي سلاح الجو، وفقد ما يزيد عن 450 جندياً درزياً، من بين الأقلية
الصغيرة، حياتهم أثناء أدائهم للخدمة العسكرية.
تبدل المشاعر
إلا أن التوجهات الأخيرة تثبت أن مشاعر
الدروز بدأت تتبدل.
وطبقاً لبحث أجراه مركز بيو للأبحاث في
عام 2017، يعتبر معظم الدروز أنفسهم عرباً، بل يعتبر بعضهم أنفسهم فلسطينيين.
قبل ذلك بما يقرب من عقد من الزمن،
وتحديداً في عام 2009، أظهر بحث أجراه المحاضر سالم بريك أن 11 بالمائة من الدروز
يعتبرون أنفسهم عرباً، بينما البقية يعتبرون أنفسهم دروزاً إسرائيليين.
تعكس السنوات الثماني ما بين
الاستطلاعين مدى ما حدث من تغير كبير.
لعل من الضروري، من أجل فهم هذا التحول
وشدة السخط إزاء المولدات، العودة إلى قانون كامينيتز، الذي اكتسب اسمه من الرجل
الذي ترأس اللجنة التي صاغت تشريع عام 2017.
في ظاهره، يبدو قانون كامينيتز كما لو
كان مجرد تعديل على قانون التخطيط والبناء، وهو تشريع ينظم استخدام الأراضي ويعود
إلى عهد الانتداب البريطاني، الذي تم التصديق عليه فيما بعد وأصبح قانوناً
إسرائيلياً أجازه الكنيست في عام 1965.
كانت الغاية من تعديل عام 2017 هي
"تشديد العقوبات التي تفرض على من يمارسون التجاوزات في التخطيط
والبناء."
ولكنه في واقع الأمر قانون
"تمييزي" لا يأخذ في الاعتبار سنوات من التحامل المنتظم ضد الأقليات غير
اليهودية من حيث تخطيط وتخصيص أراضي الدولة، كما تقول مجموعة عدالة لحقوق الإنسان
التي تتخذ من حيفا مقراً لها.
تسببت هذه السياسة في إحداث أزمة إسكان
حادة داخل قرى الفلسطينيين والدروز، حيث لا يجد السكان مفراً من البناء بدون
تراخيص ومن ثم يُواجَهون من قبل السلطات بعقوبات في غاية القسوة.
يقول بريك، الذي ولد في بلدة مجدل شمس
الدرزية في الجولان: "إن المبدأ الذي يربط ما بين قانون كامينيتز وأزمة
مولدات الطاقة الحالية هو الأيديولوجيا الصهيونية الأساسية التي تعتبر أن الأرض
"لنا نحن معشر اليهود" وكل الآخرين مجرد عناصر أجنبية."
وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة
المفتوحة في تصريح لموقع ميدل إيست آي إن إسرائيل صادرت 60 بالمائة من أراضي
الدروز في الخمسينيات من القرن الفائت.
غدت تلك الأراضي المصادرة مستودعاً
احتياطياً لاستيعاب الهجرات اليهودية المستقبلية إلى إسرائيل، بينما لم تنشأ
مستوطنة واحدة للدروز منذ ذلك الحين.
يقول بريك: "إننا رهائن لسياسة
شريرة."
ويضيف: "يخدم حالياً في الجيش
اثنان من الجنرالات الدروز، إخوة السلاح كما قد تصفهم. ولكن بمجرد أن ينشب أي نزاع
صغير فإنهم يتحولون إلى عرب، وبأسوأ ما يخطر ببال الإسرائيليين اليهود من
معنى."
نضال واحد
وحدت تظاهرة الأسبوع الماضي ضد مشروع
مولدات الطاقة دروز الجولان والدروز داخل إسرائيل على أساس من التضامن، ولكن أيضاً
لأن جوهر الاحتجاجات هو موضوع الأرض.
غدا الدروز في إسرائيل جزءاً أساسياً
من الاحتجاج، بل وذهب البعض إلى رؤية صلة بين نضال الدروز والمظاهرات التي يجري
تنظيمها ضد التعديلات القضائية المثيرة للجدل التي تسعى الحكومة إلى فرضها.
ومن هؤلاء الجنرال المتقاعد أمل أسعد،
الذي كان أحد المتحدثين الرئيسيين في التظاهرة المعارضة للحكومة الأسبوع الماضي،
كما كان أحد المشاركين في الاحتجاجات التي نظمت في مرتفعات الجولان.
قضى أسعد 26 سنة في الخدمة العسكرية،
ووصل إلى أرفع الرتب وتقلد أعلى المناصب.
قال أسعد إنه على الرغم من ولائهم
لإسرائيل والتزامهم بها إلا أن أحوال الدروز في البلد باتت أسوأ بكثير مما هي عليه
في البلدان المجاورة، مثل سوريا ولبنان.
وقال: "دروز البلدان العربية إما
سوريون أو لبنانيون، بينما يعتبر العرب في إسرائيل أنفسهم فلسطينيين."
ويضيف: "نحن في إسرائيل نعتبر
أنفسنا إسرائيليين إلا أن الدولة سلبتني هويتي الوطنية وتركتني بلا شيء. وهذا
مؤلم."
لم يكن نشاط أسعد السياسي بدون ثمن،
وذلك أنه تحول بسرعة من "بطل محلي" إلى ما يوصف بالمجرم المثير للقلاقل،
وذلك لمجرد أنه تحدث على الملأ.
بل اتهمه وزير شؤون المغتربين، أميخاي
تشيكلي، في تغريدة له عبر تويتر بأنه دمية متحركة تعمل في خدمة إيهود باراك، رئيس
الوزراء السابق وأحد زعماء الاحتجاجات الحالية.
زعم تشيكلي أن أسعد يُستخدم من قبل
باراك لتحريض المجتمع الدرزي وضرب إسفين "بيننا (اليهود) وبين إخواننا
الدروز." فما كان من أسعد إلا أن وجه له خطاب تحذير، قد يتبعه رفع قضية ضده
في المحكمة بتهمة التشهير.
وذلك مجرد مخالفة شخصية واحدة، وهي
واحدة من العديد من الأخطاء التي ارتكبتها هذه الحكومة في التعامل مع المسألة
الدرزية.
"على أهبة الاستعداد للحرب"
لربما كانت الخطيئة الكبرى هي ما حدث
في الأسبوع الماضي عندما أرسل نتنياهو إيتامار بن غفير، وزير الأمن الوطني،
لمقابلة الزعيم الروحي لمجتمع الدروز، الشيخ موفق طريف، من أجل حل المشكلة
القائمة.
كانت سقطة كبيرة انتداب واحد من أشد
السياسيين عنصرية وأكثرهم تحريضاً للتفاوض مع زعيم الطائفة.
ورداً على ذلك قال أحد الزعماء
المحليين للدروز: "إنه يرسل بن غفير حتى يعلن الحرب على المجتمع الدرزي. إذا
كان كذلك، فنحن على أهبة الاستعداد للحرب."
خرج بن غفير من اللقاء باتفاق على وقف
أعمال الإنشاءات إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى.
إلا أن أعضاء المجتمع الدرزي رفضوا
التوقف المؤقت وطالبوا الحكومة بالإلغاء التام للمشروع.
وهي مطالبة سوف يتجاهلها بن غفير على
الأغلب، وخاصة أنه أعلن بأن العمل في المشروع "سوف يستأنف كالمعتاد."
وقال إن هذا هو بالضبط ما يعنيه
"الحكم". أما الدروز فشعروا بأنه كان كمن يبصق في وجوههم.
وكان نتنياهو بنفسه قد صب الزيت على
النار أثناء الاحتجاجات، التي نظمت في نفس الوقت الذي شهد خروج المستوطنين، الذين
راحوا يعيثون فساداً وتخريباً في القرى الفلسطينية داخل الضفة الغربية المحتلة.
قال نتنياهو مشبهاً رعاع المستوطنين
بالدروز السوريين من سكان الجولان: "أدعم بكل قوة الشرطة وأجهزة الأمن
الإسرائيلية – لن نقبل بالشغب في أي مكان – لا في مرتفعات الجولان ولا في يهودا
والسامرة."
لم تزل هذه الأزمة أبعد ما تكون عن
الحل.
وشارك آلاف الدروز في اجتماع
طارئ في كفر ياسيف لمناقشة الخطوات التالية.
أما الشيخ طريف فحذر من أنه فيما لو
رفضت الحكومة القبول بمطالبهم فإن "رداً غير مسبوق سيتبع، وسيكون ذلك رداً لم
يسبق للبلد أن شهد مثله من قبل."
إنها صفقة تتضمن حزمة من المطالب: وقف
تركيب المولدات في الأراضي الزراعية، وإلغاء الغرامات وأوامر الهدم الخاصة بالبيوت
التي أقيمت بدون رخص داخل المستوطنات الدرزية، والأهم من ذلك كله إلغاء القوانين
العنصرية مثل قانون الدولة القومية اليهودية وقانون كامينيتز.
من المؤكد أن الاستجابة لتلك المطالب
لن تحصل في عهد الحكومة الحالية ذات التوجه القومي المتشدد، والتي تدفع باتجاه
إجازة تشريع جديد يعتبر الصهيونية "قيمة موجهة وأساسية" في صناعة
السياسة واتخاذ القرارات، بما يكرس تطبيق قانون الدولة القومية اليهودية.
بوجود جانب يعزم على فرض
"الحكم" وجانب آخر "على أهبة الاستعداد للحرب" فإن الحكاية
ما زالت في بدايتها.