نشرت
صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا أعده إيشان ثارور قال فيه إن الرئيس جو بايدن، ارتبك مع إسرائيل مع تصاعد موجة العنف في الضفة الغربية المحتلة.
وقال
فيه إن إسرائيل قامت هذا الأسبوع بـ"بجز العشب" مرة أخرى. وهو تعبير لطيف
لكن يدعو للكآبة كلما قامت بحملات عنف ضد المسلحين في غزة والضفة الغربية.
فقد
رافق التوغل المكثف في مخيم جنين للاجئين، مئات الجنود الذين اقتحموا المخيم المكتظ
بالسكان وبدعم من المسيّرات والجرافات. وقتل 12 فلسطينيا وجرح مئة آخرون في وقت تسببت
فيه العملية بدمار واسع في البنية التحتية والبيوت. وأجبر آلاف السكان على مغادرة بيوتهم
بحثا عن الأمن في مكان آخر. وقتل جندي إسرائيلي واحد في مواجهات مع المقاتلين
الفلسطينيين.
وبعد
نهاية العملية قال المسؤولون الإسرائيليون إنهم كشفوا عن أنفاق سرية وصادروا كميات
كبيرة من الأسلحة.
ويعتبر
التوغل آخر العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في ما يعتقد أنه سيكون أكثر الأعوام
دموية، حيث قتل حتى الآن 150 فلسطينيا و29 إسرائيليا.
وكما
في كل حالة جز للعشب فإن الحشائش في المرج تنمو مرة أخرى. وبعد عملية جنين لم تتوقف
دوامة العنف بتقارير عن عمليات انتقامية فلسطينية متفرقة. وكلها تأتي في سياق شكلته
الحكومة الإسرائيلية المتطرفة والسلطة الوطنية الفلسطينية الضعيفة والتي لم تكن قادرة
على الحد من نشاطات المسلحين ولا تحظى بشعبية من الرأي العام الفلسطيني الذي يعاني
من احتلال إسرائيلي مضى عليه عقود.
ويقول
المسؤولون الإسرائيليون إنهم قاموا بعملية عسكرية استهدفت بدقة عمليات وخلايا المسلحين
الفلسطينيين وتجنبت المدنيين، لكن نشاطات الجيش جاءت وسط مساحة أكثر اتساعا واضطرابا،
فقد شهد العام الماضي زيادة في الهجمات التي نفذها المستوطنون اليهود في الضفة الغربية
ضد القرى الفلسطينية والممتلكات. وفي بعض الحالات بدا وكأن عمليات العبث والتخريب تسامحت
مع قوات الأمن الإسرائيلية التي تعمل قريبا منهم. كل هذا في وقت تسرع فيه حكومة نتنياهو
عمليات الضم الفعلي للضفة الغربية وبناء المستوطنات على أرض كان يقصد منها أن تكون
محلا للدولة الفلسطينية المستقلة. وفي وجه كل هذا فقد "وحّلت" إدارة بايدن ولم
تفعل إلا القليل لتغيير الوضع القائم. ففي بيان مقتضب هذا الأسبوع، قال البيت الأبيض
إنه يدعم "أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها ضد حماس والجهاد الإسلامي والجماعات
الإرهابية الأخرى".
ورأى
المسؤولون الفلسطينيون والمحللون في الرد الأمريكي أنه إشارة أخرى على تواطؤ واشنطن
في الانتهاكات التي يقوم بها جيش
الاحتلال والمشروع الاستيطاني الذي اعتبرته مفوضية
تابعة للأمم المتحدة العام الماضي غير قانوني.
ويعلق
الكاتب بأن هناك حبا مفقودا بين الرئيس بايدن ونتنياهو الذي قضى سنوات معلقا في برنامج
الحزب الجمهوري وأجندته في واشنطن، والذي جلب المتطرفين وفصائل اليمين المتطرف إلى السياسة
الإسرائيلية للحفاظ على سلطته. ولكن الإدارة الحالية لم تظهر أي شهية لوقف مسار الأحداث
في الضفة الغربية، حيث يخشى الكثيرون من انفجار العنف مثلما حدث أثناء الانتفاضة الثانية
قبل عقدين.
وربما
حذر المسؤولون الأمريكيون نظراءهم في إسرائيل من التوسع الاستيطاني وقلقهم من الإجراءات
التي تقوم بها حكومة نتنياهو لإصلاح القضاء، لكن لا توجد أي أدلة عن محاولة إدارة
بايدن القيام بمحاولة قوية ضد السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وليس موقفا يواجه
الوضع القائم الذي قاد منظمات حقوقية للتحذير من أن إسرائيل تمارس نظام فصل عنصري في
الأرض المقدسة. ورغم تراجع إدارة بايدن عن بعض التنازلات التي قدمتها إدارة دونالد
ترامب لإسرائيل وشملت الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل وسيادتها على مرتفعات الجولان
إلا أنها ظلت تقدم دعما لفظيا لحل الدولتين، مع أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة بما فيها إدارة بايدن حمت إسرائيل بشكل فعلي من مواجهة تداعيات سياسية وقانونية بسبب نشاطاتها
الاستيطانية في الضفة الغربية.
ويرى
الداعمون لحل الدولتين والتصالح الإسرائيلي-الفلسطيني بأنه لا يمكن الدفاع عن النهج
الأمريكي هذا. وقال جيرمي بن عامي، من مجموعة "جي ستريت" في أمريكا إن المسؤولين
في إدارة بايدن واصلوا النهج التقليدي من الاستيطان "شجب قوي ولكن بدون تداعيات
حقيقية".
وجزء
من معضلة بايدن هو غياب المساحة السياسية في الداخل لكي تغير مسارها. فالحزب الجمهوري
بعيد كل البعد عن الأيام التي قال فيها وزير الخارجية جيمس بيكر الثالث في عام
1989 لإسرائيل: "تخلوا عن الضم وأوقفوا النشاطات الاستيطانية واعترفوا بالفلسطينيين
كبشر" يستحقون الحقوق السياسية. وبعد جيل، أخذ ترامب أفكاره والتعليمات من الإنجيليين
الأمريكيين والمتطرفين اليهود في المجال السياسي الأمريكي وعزز من مصالح الداعمين للمستوطنين.
ويبدو حاكم فلوريدا الجمهوري رون دي سانتيس وكأنه لا يعترف بوجود الشعب الفلسطيني،
وذلك في خطاب ألقاه في القدس بداية العام الحالي.
ورغم
وجود دعم لفلسطين داخل الحزب الديمقراطي إلا أن حجم التحول في واشنطن لا يتناسب مع
الميل المتزايد نحو حل الدولة الواحدة في إسرائيل، كما يقول بن عامي. فقد اعترف نتنياهو
في حديث خاص في الكنيست بأنه يجب محو آمال الدولة الفلسطينية والسيادة. وأضاف أن نهج
بايدن ليس مرتبطا بالواقع لما تمثله حكومة نتنياهو وما يحدث على الأرض، مضيفا أن على
إدارة بايدن القيام بخطوات تضع حكومة إسرائيل أمام تداعيات لتصرفاتها وتقديم بديل لحياة
أفضل لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، ولا يوجد أي منهما.
وفي
غياب الفعل الأمريكي، يرى المحللون تدهورا مستمرا إذ "تدور الحكمة التقليدية في واشنطن
حول إرضاء رغبات إسرائيل وحاجياتها وتشجيعها على تعديل سلوكها في ما يتعلق بالسلام مع
الفلسطينيين والقيام بتنازلات وتضحيات للسلام"، كما كتب المحلل الفلسطيني مروان
بشارة. و"في الواقع فإن الدعم الأمريكي غير المشروط زاد من تشدد الموقف الإسرائيلي
ودفع مجتمعها نحو الراديكالية وسياستها نحو الفاشية" كما كتب كل من مات داس وزها
حسين من وقفية كارنيغي للسلام العالمي. وانتقدا "نهج الجزرة القوي" الذي
تبنته الولايات المتحدة عبر العقود الماضية من التوسع الاستيطاني، وطالبا باستخدام
معتدل للعصا، بما في ذلك التوقف عن "منح الغطاء السياسي" للسياسات الإسرائيلية
في الأمم المتحدة. واستخدام القوانين الأمريكية لاشتراط الطريقة التي ستستخدم فيها
إسرائيل الدعم العسكري الأمريكي في الأراضي المحتلة. ويعتقد داس، الذي كان مستشارا
للمرشح السابق والسيناتور المستقل عن فيرمونت، بيرني ساندرز، أن إدارة بايدن "ستجد
مزيدا من الدعم أكثر مما تتوقع" لهذه الخطوات التي تركز على الالتزام بالقانون
الدولي والدفاع عن حقوق الإنسان. ومن غير المرجح أن يضيع بايدن الرأسمال السياسي على
جبهة أخرى وسط مظاهر قلق جيوسياسية أخرى. وقال داس: "تركز الإدارة وبقوة على تنافس
القوى العظمى والتي جعلت مسألة حقوق الإنسان أولوية ثانوية. و"ما يهمهم في ما
يتعلق بالإسرائيليين والفلسطينيين أنهم لا يريدون أي إزعاج"، مع أن هذا النزاع
لديه طرقه التي يمكن أن تؤكد حضوره في الأجندة الأمريكية، كما يقول داس.