تدخل
ليبيا في أزمة جديدة تضاف إلى جملة من المشاكل القائمة، على وقع التهديد بإغلاق إنتاج
النفط في الحقول الواقعة تحت سيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بفعل عودة الجدل حول توزيع الثروة بين الأقاليم الثلاثة، وخلاف جديد نشب بين الحكومة في طرابلس، وبين مؤسسة النفط الوطنية، على خلفية "شبهات تمويل لحفتر، وانعدام الشفافية".
وفي هذا الصدد، كشف موقع استخباري فرنسي عن نشوب خلاف بين رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، على خلفية "انعدام الشفافية"و"شبهات تمويل" يقوم بها الأخير لصالح صدام حفتر، نجل اللواء المتقاعد الذي يسيطر على الشرق الليبي.
وقال موقع "
أفريكا إنتليجنس" الفرنسي، إن خلافات حول مخصصات "الوطنية للنفط" وشبهات بتمويل صدام حفتر، بعد أن اتهم الدبيبة بن قدارة بانعدام الشفافية في إدارته للتمويل الحكومي.
ولفت الموقع إلى أن المجلس الأعلى لشؤون الطاقة، برئاسة الدبيبة، رفض طلب بن قدارة بتخصيص ميزانية قدرها 24 مليار دينار "5 مليارات دولار" للعام 2023، كما أن المجلس رفض الطريقة التي أدارت بها "الوطنية للنفط" مخصصات الميزانية الاستثنائية البالغة 34 مليار دينار (7 مليارات دولار)، التي حصلت عليها في أيار/ مايو 2022 لتمكينها من زيادة إنتاجها.
ويشتبه في أن المؤسسة الوطنية للنفط قامت بتحويل الأموال إلى شركات نفطية مرتبطة بصدام خليفة حفتر، وفق الموقع.
تهديد بوقف إنتاج النفط وعودة أزمة "توزيع الثروة"
وذكر الموقع أنه بعد أيام من اجتماع بن قدارة بمجلس الطاقة برئاسة الدبيبة، فقد هددت السلطات في شرق ليبيا بوقف إنتاج النفط في بعض المواقع، مُنتقدة الطريقة التي استخدمت بها حكومة الوحدة الوطنية عائدات قطاع النفط، وسط عودة الجدل بشأن التوزيع العادل لعائدات الثروة.
وقبل أيام، أصدرت حكومة البرلمان برئاسة أسامة حماد، بيانًا أعلنت فيه الحجز الإداري على إيرادات النفط الليبي لعام 2022 وما بعده، التي تزيد على الـ130 مليار دينار بهدف "منع العبث بها".
وأوضحت الحكومة، في بيانها أنه وفقًا للقانون، فإنها ستتخذ الإجراءات القانونية باللجوء للقضاء الليبي، لتعيين حارس قضائي على الأموال المحجوزة، محذرة من أنها قد تصعد وترفع الراية الحمراء وتمنع تدفق النفط والغاز وتوقف تصديرهما.
وأشارت إلى أنه إذا استدعى الأمر، فإنها ستلجأ إلى القضاء لاستصدار أمر بإعلان القوة القاهرة، لحين استكمال الإجراءات القانونية والمالية المتعلقة بالترتيبات المالية، وقد شكل مجلس النواب لجنة برئاسة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، لإعادة هيكلة الميزانيات وتنفيذها.
وعزت الحكومة إجراءاتها إلى ما وصفته بـ"التعدي السافر على أموال الشعب الليبي من حكومة الوحدة الوطنية، وصرف المليارات بشكل مبالغ فيه، وفي غير أوجه الصرف الضرورية"، مشيرة إلى أن المؤسسة الوطنية للنفط مكنت حكومة عبدالحميد الدبيبة، من الاستحواذ على 16 مليار دولار، خلافًا للقانون واللوائح المعمول بها في ليبيا.
حفتر بدوره أيد مطالب حكمة البرلمان وقال خلال لقاء قبل أيام، إن هناك مطالبات بتشكيل لجنة عليا لتوزيع الإيرادات بطريقة عادلة بين البلديات.
وحذر حفتر، من أنه حال تعذر عمل اللجنة، فإن "الليبيين سيكونون في الموعد للمطالبة بحقوقهم المشروعة من ثروات النفط"، في إشارة إلى عودة سيناريو إغلاق حقول النفط، مهددا في الوقت نفسه بتدخل قواته لدعم هذه الإجراءات حين قال: "القوات المسلحة ستكون على أهبة الاستعداد للقيام بالمهام المنوطة بها في الوقت المحدد".
المجلس الرئاسي يتدخل
وعلى إثر هذه التطورات، عقد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، اجتماعاً موسعاً الأربعاء ضم الدبيبة، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، لمناقشة تنظيم الإنفاق العام وتحديد أولوياته وتعزيز الشفافية، وما يتطلبه ذلك من تشكيل لجنة مالية عليا.
وقال بيان للمجلس الرئاسي، إن اللجنة ستشارك في عضويتها الأطراف الليبية، ما يعزز الثقة ويؤسس لبيئة اقتصادية عادلة ومواتية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحظى بقبول الليبيين.
وتضم اللجنة: ممثلين لمجلسي النواب والأعلى للدولة، ومصرف ليبيا المركزي في طرابلس وبنغازي، وقوات حفتر، وديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة الإدارية، والمؤسسة الوطنية للنفط.
مصير تهديد حفتر
الكاتب والمحلل السياسي، السنوسي بسيكري، قال، إن "جبهة طبرق" (مجلس النواب وقوات حفتر) حازت القرار التشريعي وحيدت السلطة القضائية وامتلكت القوة العسكرية لكنها فشلت في الاستحواذ على السلطة المالية ممثلة في الحكومة والمصرف المركزي، ولأن الخيار العسكري بات شبه مستحيل لاستكمال مقومات القوة والسلطة، صار الضغط السياسي هو الأداة وكذا اللجوء إلى سلاح النفط، وقد نجحت الجبهة الشرقية في لفت الانتباه الدولي لمطالبها المتعلقة بعوائد النفط.
في المقابل، نجحت الجبهة الغربية، بشكل مؤقت، في الالتفاف على الضغوط المتعلقة بالمركزية والتحكم في القرار المالي في العاصمة، من خلال تشكيل لجنة بقرار من المجلس الرئاسي لمتابعة الحكومة والمصرف المركزي في تعاملها مع الإيرادات النفطية وأوجه صرفها.
وحول تهديد حفتر بإغلاق النفط، كتب بسيكري لعربي21 قائلا، إنه لا يعتقد أن حفتر قادر الآن على تنفيذ تهديده بالتحرك نهاية الشهر القادم بعد قرار المجلس الرئاسي، وإن فعل فسيورط نفسه أكثر. بالمقابل، فإن اللجنة لن تكون قادرة على احتواء حالة السيولة في المشهد الليبي والهدر والفساد في إدارة المال العام حتى في المدى القصير، فالحلول الترقيعية لن تغني عن الانتقال والتحول الصحيح والمأسسة وما يصحبها من روافد أساسية أهمها الدستور وتحقيق مبدأ سيادة القانون وإعادة ترتيب المنتظم العسكري والأمني ضمن أطر مؤسسية منضبطة ودور فاعل وواعي للمجتمع المدني بمختلف مكوناته وأدواته.