تسعى دولة
الاحتلال الإسرائيلي، لإحكام السيطرة ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وبوسائل عدة، منها ما يعرف بـ"
الاستيطان السياحي".
وباتت الأغوار الشمالية، إلى جانب القدس المحتلة، تشهدان وتيرة متصاعدة من الاستيطان السياحي، حيث يتجمع المستوطنون قرب عيون المياه والمناطق الأثرية والسياحية والتاريخية، ويغلقونها في وجه الفلسطينيين.
ووصل محمد دراغمة وعائلته إلى نبع عين الساكوت في الأغوار الشمالية للاستجمام وقضاء يوم عطلة بجانب المياه، ولكنهم تفاجأوا بعد وقت قصير بمهاجمتهم من عشرات
المستوطنين الذين شرعوا في ضربهم بالعصي والحجارة.
وهذا الهجوم لم يكن الأول ومن الواضح أنه لن يكون الأخير، فكل عائلة فلسطينية تحاول الاستجمام بالقرب من
ينابيع المياه في الأغوار الشمالية يكون مصيرها الاعتداء من قبل المستوطنين القادمين من مستوطنات مجاورة مقامة على أراضي الأغوار الفلسطينية.
وقال دراغمة لـ
"عربي21" إنه عادة ما يتوجه إلى نبع المياه برفقة أشقائه وعائلاتهم ويحرصون على أن تكون أعدادهم كبيرة، وذلك بسبب هجمات المستوطنين على الفلسطينيين المستجمّين هناك.
وأضاف: "قاموا بضربنا بما يملكون من أسلحة، ثم جاء الجيش الإسرائيلي وشارك في ضربنا ومنعنا من الدفاع عن أنفسنا، نجونا من الموت بأعجوبة وتوجهنا فورا في مركبتنا إلى منطقة مجاورة".
ثلاثة أطفال تعرضوا للاعتداء كذلك كانوا برفقة دراغمة وأشقائه، وقد أصيبوا بشظايا الزجاج بعد تحطيم المستوطنين زجاج مركبتهم أثناء محاولتهم الهروب من المكان.
استيطان من نوع آخر
هذا الهجوم لم يكن عبثياً، فالمستوطنون يتعمدون منع الفلسطينيين من الوصول إلى مناطق معينة كي يستمر مسلسل الاستيلاء والمصادرة، وهو ما يحدث بكثرة مؤخرا في منطقة الأغوار الفلسطينية.
الناشط عارف دراغمة رئيس مجلس قروي المالح قال لـ "
عربي21" إن الأغوار الشمالية باتت تشهد وتيرة متصاعدة من الاستيطان السياحي؛ وهو تجمع عشرات المستوطنين قرب عيون المياه والمناطق الأثرية والسياحية والتاريخية، ثم البدء بإغلاق المنطقة وتسييجها والعمل على منع الفلسطينيين من الوصول إليها ما يعني مصادرتها.
وكل الخرب والقرى التي دمرها الاحتلال عام 1967 اعتبرها مناطق أثرية ووضع يده عليها، ثم أقام المستوطنون مكانها بؤرا استيطانية.
ويوضح أن تسعة ينابيع للمياه قام المستوطنون بالاستيلاء عليها في الأغوار الشمالية منها نبع الساكوت الذي قاموا بتسييجه ونصب بوابات حديدية وحفظ أقفالها معهم لمنع الفلسطينيين من دخولها.
يضاف إليه: نبع عين الحلوة، نبع إم الجمال، نبع قاعون، نبع خربة الدير الرئيسي، نبع بليبل، نبع قرعان، ونبع نورا. وكلها قاموا بوضع ألعاب حولها للأطفال ويقومون بالتواجد فيها يوميا، وجزء من هذه الينابيع يستخدمها الفلسطينيون لري أكثر من أربعة آلاف دونم من أراضيهم، وبالتالي فهي سياسة احتلال واستيطان سياحي واستيلاء على الأراضي.
الينابيع تشكل مصدرا هاما للمياه في مناطق الأغوار التي يتعمد الاحتلال قطع المياه عنها ضمن مساعيه لطرد الفلسطينيين منها، حيث يستخدمها المزارعون لري محاصيلهم والرعاة لسقاية ماشيتهم، فيما تستفيد منها العائلات البدوية في الحياة اليومية.
آلاف الفلسطينيين كانوا يستجمون في هذا النبع قبل أن يهاجم المستوطنون من يصل إليه، وذلك بحماية كاملة من قوات الاحتلال ضمن مشهد متكامل من الدور الواحد الممنهج لمصادرة المزيد من الأراضي.
وأشار دراغمة إلى أن الاستيطان السياحي سبقه شكل آخر من أشكال الاستيطان في منطقة الأغوار، وهو الاستيطان الرعوي، حيث يتعمد المستوطنون جلب ماشيتهم ورعيها في أراض فلسطينية، ومع مرور الوقت فإنهم يستولون عليها ويمنعون وصول الفلسطينيين إليها.
الاستيطان السياحي في القدس
تعتبر مدينة القدس واحدة من أبرز المدن التي يمارس فيها الاحتلال الاستيطان السياحي، حيث يستغل غالبية المواقع الأثرية والتاريخية من أجل تزييف الحقائق وتغييرها.
الناشط والباحث المقدسي فخري أبو دياب يقول لـ
"عربي21" إن المشاريع التهويدية في المدينة كثيرة، ودائما يستغلها الاحتلال استغلالا سياسيا وأيدلوجيا، لترويج روايات وأساطير يهدف من خلالها إلى غسل أدمغة الزوار والسياح في مدينة القدس.
قلعة القدس واحدة من المناطق الأثرية التي هودها الاحتلال ورممها بشكل كبير في الآونة الأخيرة ومكث عدة سنوات في ترميمها، ثم وضع فيها مقتنيات وآثارا سرقها من مواقع كثيرة ونسبها إلى وجود حضارة وتاريخ مزور لغسل أدمغة العالم وإثبات أنه كان لهم حضارة في هذه المنطقة.
وأشار أبو دياب إلى أن القصور الأموية كذلك يعمل الاحتلال على طمسها وتجييرها لتحاكي رواياته، كذلك في منطقة عين سلوان التاريخية القريبة من المسجد الأقصى المبارك، حيث إن الاحتلال أقام في محيطها مناظر وأشكالا ترفيهية وحدائق، وبعد ذلك غيّرها لتكون حدائق وطنية تلمودية وادعى أنها كانت أحد الأماكن التي يرتادها اليهود في العصور السابقة.
وأضاف: "في منطقة واد الربابة عمل على إيجاد مناطق ووضع حدائق ومزارع لتحاكي فترات سابقة وتهيئة المنطقة، وأقام جسرا هوائيا، وغيّر المشهد فيها، ووضع أدلاء لترويج الروايات التلمودية واليهودية، وبسطت سلطة الطبيعة والآثار يدها عليها وحولتها إلى الجمعيات الاستيطانية التي تهدف إلى ترويج الدعاية والرؤية اليهودية في هذه المنطقة".
الكثير من المناطق في شرقي القدس وغربيها يقوم الاحتلال بعمل تشخيص بأنها مناطق سياحية، وبعد ذلك يتم إسقاط الرؤية اليهودية والسياسية عليها لتحقيق غايته وأهدافه فيها.
أما سبب استهداف القدس بهذه المشاريع فهو رمزية وأهمية المدينة ولأنها تختلف عن باقي مدن الضفة الغربية بالنسبة للاحتلال، فيستغلها بشكل كبير ويخصص لها مبالغ ضخمة من عشرات ملايين الدولارات لتغيير الوجه الحضاري وإنشاء مواقع سياحية، وبعد ذلك يتم الادعاء أنها كانت في حقبة الهيكل الأول أو الهيكل الثاني، أو وجود اليهود قبل ثلاثة آلاف عام.. وكل هذا عن طريق إعادة صياغة التاريخ بطرق مزيفة لاستهداف عقلية السياح الذين يصلون إلى هذه المنطقة.
وأظهرت دراسات أجريت حول السياحة في مدينة القدس أن العامل التاريخي شكل دافعا رئيسيا للسياح القادمين إلى المدينة المقدسة، حيث شكل هذا العامل للفئة العمرية الأقل من 20 عاماً ما نسبته 3.9 بالمئة، بينما في الفئة العمرية 21- 40 عاما فإن العامل التاريخي شكل عاملا مهما لزيارتهم لمدينة القدس، فوصلت نسبته لديهم إلى 45.6%، بينما الفئة العمرية 41- 60 عاماً كان العامل التاريخي في نظرها هو الثاني في دوافع الزيارة بنسبة 28.6%.