الشيخ
عبد الفتاح مورو شخصية مرحة، محب للحياة والناس، لكنه تحول هذه
الأيام الى كائن حزين، يعيش بعيدا عن الأضواء، يكتم غيظه لأنه يشعر بكونه مظلوما
دون أن يعلم السبب. تلقّى دعوة من قبل منظمة "سانتي جيديو" القريبة من
الفاتيكان، للمشاركة في مؤتمرها السنوي الذي سيعقد في برلين، والذي ستحضره عشرات
الشخصيات الدينية السياسية والإعلامية، لكنه فوجئ بوجود قرار يمنعه من السفر
لأسباب لا يزال يجهلها.
فوزير خارجية إيطاليا الحالي أنطونيو طاجاني، يعرفه شخصيا، وهو عضو في هذه
المنظمة، وسبق لهما أن تحاورا مع بعض في مؤتمر سابق، وأكد له الوزير يومها كونه من
أصول عربية، وقد يعود إلى الزاوية التيجانية. فما هو الجرم الذي ارتكبه هذا الشيخ
الذي يعرفه الجميع في
تونس وخارجها، ويحظى باحترام الكثيرين حتى من قبل خصومه؟
عمل مورو منذ انتخابات 2019 على أن ينسحب من الحياة السياسية بهدوء، وتجنب
بالخصوص توجيه أي نقد إلى الرئيس
قيس سعيد، رغم اختلافه معه في عديد التصورات مثل
الكثيرين، وذلك بحكم واجب التحفظ واحتراما للمقامات. فعبد الفتاح مورو كان منافسا
جديّا لقيس سعيد خلال تلك الانتخابات الرئاسية، ولولا الحسابات الخاطئة لرئيس حركة
النهضة راشد الغنوشي، لربما كان مورو هو ساكن قصر قرطاج حاليا وأول رئيس للجمهورية
يضع عمامة رغم ثقافته الحديثة وكونه خريج كلية الحقوق.
يُستبعد أن تكون علاقته التاريخية بالنهضة السبب غير المعلن لمنعه من السفر. لكن الوضع تغيّر تماما بعد الخامس والعشرين من تموز/ يوليو، وحصلت القطيعة السياسية بين الرئيس من جهة ومكونات المشهد السياسي السابق من جهة أخرى، فالمطلوب من رموز ذلك المشهد ليس الانسحاب فقط، وإنما أيضا أن تتم إدانتهم سياسيا وقضائيا لتصبح تلك الطبقة أثرا بعد عين
أعلن مورو استقالته من حركة النهضة إثر الانتخابات الرئاسية والتشريعية
مباشرة، وذلك قبل أن تتأزم العلاقات بينها وبين سعيد، لهذا يُستبعد أن تكون علاقته
التاريخية بالنهضة السبب غير المعلن لمنعه من السفر. لكن الوضع تغيّر تماما بعد
الخامس والعشرين من تموز/ يوليو، وحصلت القطيعة السياسية بين الرئيس من جهة
ومكونات المشهد السياسي السابق من جهة أخرى، فالمطلوب من رموز ذلك المشهد ليس
الانسحاب فقط، وإنما أيضا أن تتم إدانتهم سياسيا وقضائيا لتصبح تلك الطبقة أثرا
بعد عين.
لم يكن مورو محظوظا في علاقاته برؤساء البلاد، باستثناء المرحوم الباجي
قايد السبسي، الذي ربطته به مودة خاصة دفعت بهذا الأخير لأن يوصي أهله بأن يتولى
مورو تأبينه ودفعنه، وهو ما قام به في مشهد تاريخي لن يتكرر.
في عهد الرئيس بورقيبة، وجد مورو نفسه في السجن مدانا في أول محاكمة لقادة
حركة الاتجاه الإسلامي، وفي مرحلة ابن علي نجا الشيخ من اعتقال آخر، لكنه حوصر أمنيا
وسياسيا، وتم تشويه سمعته في الصحف التابعة للمخابرات، وبقي ممنوعا من السفر طيلة
فترة حكم الجنرال.
بعد الثورة انتعش الرجل قليلا رغم تنكر حزب النهضة له بسبب خلافات سابقة،
لكن سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها، ليجد نفسه الرجل الثاني في البرلمان، يمسك
بزمام الأمور بكثير من الاقتدار رغم خلافاته مع كتلة النهضة.
المجتمع التونسي في حاجة ملحة لوجود شخصيات اعتبارية قادرة على التقريب وتجسير العلاقة بين التيارات والأوساط السياسية، خاصة خلال هذه المرحلة القلقة التي يمر بها التونسيون. لكن بدل أن يتم الاستثمار في هذا السياق، هناك من يسعى الى تأليب رئاسة الجمهورية ضد الشيخ المظلوم
أما اليوم فتغيرت كل المعطيات، ودخلت البلاد في أزمة عاصفة غير مسبوقة. ورغم
أن مورو نجح في القيام بدور بارز لتأمين انتقال سلس لرئاسة الجمهورية من المرحوم
السبسي إلى قيس سعيد، لكن مع ذلك بقي الشك سيد الموقف بين الرجلين، فعندما انطلق
تنفيذ خطة المحاصرة القضائية للشيخ راشد الغنوشي، لم يتردد مورو في التطوع بصفته محاميا
للدفاع عنه، اعتقادا منه بأن ملف القضية خال من أية تهمة جدية، وهو ما اعتبرته
رئاسة الجمهورية انحيازا ضدها. وقد فوجئ مورو فيما بعد بسؤال وُجه إليه يتعلق
بشبهة تجميع أموال من الجزائر لصالح الغنوشي، وهو ما نفاه قطعا وجعل المحقق يكتفي
بطرح السؤال دون مواصلة توجيه التهمة.
مورو شخصية نادرة، يتمتع بقدرات واسعة للتجميع والتوفيق بين الأشخاص
والفئات الاجتماعية، رغم الأخطاء الكبرى التي ارتكبها في مسيرته.
والمجتمع التونسي
في حاجة ملحة لوجود شخصيات اعتبارية قادرة على التقريب وتجسير العلاقة بين
التيارات والأوساط السياسية، خاصة خلال هذه المرحلة القلقة التي يمر بها
التونسيون. لكن بدل أن يتم الاستثمار في هذا السياق، فإن هناك من يسعى إلى تأليب رئاسة
الجمهورية ضد الشيخ المظلوم.