قضايا وآراء

قبل البكاء على حرق المصحف وترحيل اللاجئين

جيتي
التطاول على الرموز الدينية ومنها حرق المصحف وتدنيسه، تكرر واستُنسخ في أكثر من مكان في كل من السويد والدنمارك من قبل متطرفين يتغذون على خطاب تافه وحقير، سبق هذا التطاول الاستهزاء بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام برسوم كاريكاتيرية في أكثر من صحيفة غربية. وإدانة هذا الفعل ومحاصرته لا تواجه بخطاب شعبوي مشابه لما يتم العمل به من قبل أحزاب عنصرية في الغرب وفي الولايات المتحدة تحت ذريعة حرية الرأي والتعبير، والحشود الغاضبة من هذا الفعل الشائن والمدان في العالم العربي والإسلامي بحاجة لما هو أكثر من حالة غضب من المساس بمعتقدها بالطرق المصاحبة لهذه الحوادث، مع أن الإدانات الرسمية العربية والإسلامية وانتزاع قرار من مجلس حقوق الإنسان لإدانة الكراهية وأعمال المس بالكتب المقدسة؛ له أهمية بالغة إذا اقترن أساساً بصون حقوق الإنسان في العالم العربي والإسلامي، وأهمية العثور على هذا الحق الضائع، والعمل به لصون كرامة البشر وحريتها ومعتقدها، مرتكز للدفاع عن الإنسان في العالم العربي ومعتقده، ليس الديني فقط بل الفكري والسياسي المحاصرين بتشويه متعمد مع حصر مسألة الغضب فقط بالمساس بالرموز الدينية للمجتمعات الإسلامية.

بعض الغضب الظاهر في عواصم عربية من بغداد ودمشق والقاهرة وبيروت، على حوادث تدنيس المصحف وحرقه، إلى صياغة بيانات إدانة عربية من حوادث المس بالرموز الدينية، لا يستقيم مع سلوك ظاهر ومسكوت عنه منذ أكثر من عقد في سوريا وقبلها بعقدين في العراق.. مئات بل آلاف الحوادث التي استهدفت عشرات آلاف السوريين من فرق مذهبية وطائفية جندها النظام السوري، دمرت مساجد السوريين وداست وحرقت الأجساد فيها بمشاهد فظيعة، وتحت ذرائع لا تقل حقارة واحتقارا للإنسان وقيمته، والاستهزاء بحريته وتعبيره، وتشويه كل ذلك بنمطية غربية عن "الإرهاب والإخوان"، فتم السكوت عن جرائم كثيرة لا تقل خطورة عن فعل حرق المصحف وتدنيسه أو رسوم التشويه للنبي محمد. وحملة التحريض الرسمي التي كانت شعار نظام الأسد وبقية الأنظمة المستبدة بالإنسان العربي والمسلم في القاهرة وبغداد وتونس لمحاربة "إرهاب" الجماعات الإسلامية وقتلها وقمعها وتحطيمها، تمهد الطريق لأي تطاول وإساءة سبقهما قمع وقتل ودمار لحَمَلة هذه الهوية.

على أساس الانتماء المناطقي والمذهبي والطائفي، جرى ويجري استهداف مناطق بعينها وتم تدميرها وتغييرها ديموغرافياً، وتم تسجيل عدد غير محصور من الجرائم الفظيعة التي تدخل ضمن جرائم الحرب والإبادة المسكوت عنها ودون غضب يثور في الشوارع العربية وللسبب نفسه؛ من ارتكاب الجرائم بمواجهة ثورة البشر على الظلم والفساد، وانتهاك الكرامة الإنسانية، فجرى التعامل مع الناس ليس بما يمس معتقدهم الديني فقط، بل بما هو أفظع من خلال عمليات الحرق والقتل والاغتصاب والموت تحت التعذيب، وعلى يد فرق مذهبية وطائفية تُظهر اليوم بكاءها وغضبها من جريمة حرق المصحف بعد ارتكابها جرائم بذرائع طائفية ومذهبية في مدن سورية، وأدت لتهجير ملايين السوريين الذين يعاقبون اليوم بتهديد الترحيل "الطوعي" والعودة مجدداً لحكم مرتكب كل الفظاعات بالمجتمع السوري.

قبل البكاء على حرق المصحف، والغضب من سياسة تركية متذبذبة مع اللاجئين السوريين، هناك خطاب وسلوك عنصري متنامٍ ضد المسلمين عموماً والعرب على وجه الخصوص، وخطاب الكراهية تم تفعيله في أروقة أنظمة عربية تقدم نفسها حارسة إما لاحتلال يمارس فاشية وعنصرية وقتل لعرب ومسلمين وبقوم بتهويد وتدنيس مقدساتهم، أو حارسة لأنظمة غربية من "مجرمين" محتملين في صفوف اللاجئين، وتشارك القيم نفسها مع أعتى الحركات والأحزاب الفاشية والعنصرية في الغرب التي تنادي بطرد المهاجرين وتروج لخطورة الإسلاموفوبيا، وتتبادل معها الأفكار في محاربة هؤلاء، مقابل الصمت عن جرائم طغاة ومستبدين لسان حالهم يقول للمحتل: ندعهم يغضبون من فعل شائن بتدنيس المصحف ونردعهم من الغضب من جريمتك وجريمتنا.

twitter.com/nizar_sahli
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع