تتصاعد التوترات بين القوات الروسية والأمريكية في
سوريا، ويتجلى ذلك بوضوح في حوادث استفزاز عديدة وقعت بين قوات البلدين على الأراضي السورية في الآونة الأخيرة، ، خاصة بعد توتر العلاقات بين موسكو وواشنطن بسبب الصراع في أوكرانيا.
ووصلت التوترات في سوريا، إلى حد دفع الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين، في 30 تموز/يوليو الماضي للقول إن "
روسيا مستعدة لأي سيناريو، ولكنها لا تريد صداما عسكريا مباشرا مع الولايات المتحدة" وأحال القضية في حديثه لوكالة الأنباء الروسية الحكومية "تاس"، إلى آلية فض الاشتباك العسكري بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا.
وقبل أيام من تصريحات بوتين، أطلقت طائرات عسكرية روسية قنابل مضيئة على طائرتين أمريكيتين بدون طيار من طراز "إم كيو-9 ريبر" شرقي سوريا، مما ألحق الضرر بالطائرتين الأمريكتين، بحسب بيان للجيش الأمريكي.
وتأتي الحادثتان في أعقاب اشتباك وقع في 16 تموز/ يوليو الماضي، قامت فيها طائرة حربية روسية من طراز "سو-35" بمناورات على مسافة قريبة جدا من مروحية توربينية أمريكية من طراز "إم سي-12" لدرجة أنها عرّضت "قدرة الطاقم على تشغيل الطائرة بأمان" للخطر بعد تحليقها عبر الاضطراب الهوائي الذي خلفته الطائرة الروسية النفاثة.
وفي الشهر الماضي وحده، أعلن الجيش الأمريكي عن ثماني حالات مختلفة من المضايقات العسكرية الروسية في سوريا.
ويرى الباحث والعضو في برنامج السياسة العربية في
معهد واشنطن، أندرو جيه. تابلر، أن سلسلة حوادث الاصطدام المتكررة بين واشنطن وموسكو، مؤشر على التصعيد الأفقي للنزاع الممتد بينهما من أوكرانيا إلى سوريا.
ويستدل الزميل في معهد واشنطن على فرضيته بحرف "Z" المرسوم على الطائرة الروسية التي ألحقت أضرارا بالطائرة الأمريكية المسيّرة في 23 تموز / يوليو الماضي، وهي العلامة التي تظهر على مركبات ودبابات القوات المسلحة الروسية في حربها ضد أوكرانيا.
ويتابع: "منذ دخول الجيش الروسي إلى سوريا في عام 2015، تم التعامل مع هذه المشاكل بنجاح عبر الخط العسكري الساخن بين الولايات المتحدة وروسيا لفض النزاعات. ولكن لسوء الحظ، وفقاً لبعض التقارير، أصبحت اتصالات روسيا متقطعة منذ أيلول/ سبتمبر الماضي".
ويتساءل تابلر في مقاله المنشور على موقع "المجلة"، عن الأسباب التي دفعت موسكو إلى اتخاذ قرار بالتصعيد ضد الولايات المتحدة في سوريا مع تزايد خسائرها في أوكرانيا.
وفي عام 2022، عزا الجنرال الأمريكي مايكل كوريلا الموقف العسكري الروسي إزاء القوات الأمريكية في سوريا، إلى عودة الجنرال ألكسندر تشايكو إلى سوريا بعد فترة قيادته المضطربة للقوات الروسية في أوكرانيا.
إلى ذلك، يشير تابلر إلى أن قرارات السياسة الأمريكية تجاه سوريا، والتي غيرت السياق السياسي في سوريا لم تلعب دورا مساعدا، بل حملت في طياتها نتائج عكسية. ففي أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع في 6 شباط / فبراير الماضي على طول الحدود التركية السورية، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية "الرخصة العامة 23"، التي سمحت بالمعاملات التي يتم تحديدها على أنها "إغاثة من الزلزال" بموجب العقوبات الأمريكية الحالية على سوريا.
لكن الرخصة المبررة في ظل الدمار، صيغت بشكل واسع جدا بحسب كاتب المقال، ولم يتم تحديد أي تعريف لما يشكل "إغاثة من الزلزال"، وقد سمحت بالتعامل مع
النظام السوري على الرغم من سجله المروع في تحويل مسار المساعدات الإنسانية بعيدا عن معارضيه، وسمحت بفترة أقصاها 6 أشهر بدلا من الأشهر الـ3 المعتادة.
ويضيف المقال: "فيما تعارض السياسة الأمريكية الرسمية التطبيع مع الأسد، اعتبر الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة أن الرخصة إذناً لتطبيع العلاقات مع نظامه، ما أدى إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في قمتها الأخيرة التي انعقدت في أيار/مايو الماضي في جدة".
ومع الترحيب مجددا بعودة الأسد إلى الحظيرة العربية وبقاء مشروع روسيا للتقارب التركي السوري قضية مفتوحة، يؤكد الباحث المختص بقضايا الشرق الأوسط أن موسكو لم تعتبر الرخصة كإذن لحلفاء الولايات المتحدة بالتعامل مباشرة مع الأسد فحسب، بل تعاملت معها بكونها أحدث إشارة تدل على أن واشنطن لا تهتم كثيرا بالسياسة تجاه سوريا، وأن الوقت قد حان لإخراج القوات الأمريكية من سوريا.
وفي ختام مقاله، يشدد تابلر على أن أفضل طريقة لردع موسكو عن التصعيد مع واشنطن في سوريا، هي تغيير السياق السياسي هناك، حيث على واشنطن أن تُثبت بالأفعال وليس بالأقوال فقط أنها تعارض عميل الكرملين في دمشق.